يعانى الفلسطينيون من عدم القدرة على إتخاذ القرار الذى قد يخرجهم من عنق الزجاجة التى حشروا انفسهم بداخلها ، ويحتاجون الى قرار خارجى يخرجهم منها . وعدم القدرة هذه لها اسبابها العديدة المتعلقة معظمها فى غياب الثقافة المؤسساتية الديموقراطية ، وفى غياب آليات صنع القرار الديموقراطى ، وفهم مؤثراته ومحدداته الداخلية والخارجية .فالقرار السياسى الفلسطينى يتم فى بيئة سياسية معقده ، يصعب على صانع القرار ان يتحكم فيها ، فأولا البيئة الفلسطينية بكل تعقيداتها الداخلية ، وتعدد القوى المؤثرة والمشاركة بشكل مباشر ، فالرئيس عباس لا يعمل فى ظل بيئة سياسية فلسطينية داعمه أو مسانده فى عموميتها ، فمن ناحية هناك المعارضة السياسية المباشرة لحركة حماس بإعتبارها احد لمكونات الرئيسة فى عملية صنع القراربعد فوزها فى الإنتخابات ، وإلى جانب ذلك معارضة القوى السياسية سواء فى الداخل او الخارج ، وابرزها القوى والتنظيمات المتواجده فى سوريا ، ولا تقتصر المعارضة على االقوى المعارضة نفسها ، بل هناك أنقسام فى داخل حركة فتح فريق مؤيد وآخر معارض ، وسعى الحركة لأن يكون لها دور مباشر من خلال المشاركة فى الحكم . ومن الصعوبات التى تواجه عملية صنع القرار الازدواجية الواضحة ما بين الرئاسة نفسها والدور الفردى للرئيس فى عملية صنع القرار، ومنظمة التحرير وعدم التوافق والتناسق بين التنظيمات المكونة لها مما يجعل القرار فى النهاية قرارا ليس قويا أو على أقل تقدير يفتقر الى الدعم والمسانده العامة . وقد تبدو صورة الموقف أكثر صعوبة إذا أشرنا الى الى الدور العام للشعب , وهنا قد تلعب إستطلاعات الرأى دورا ومؤشرا مهما فى دعم القرارمن عدمه ، ولعل أبرز مظاهر الضعف حالة الانقسام السياسى والمجتمعى ، وحالة التحزب على مستوى الشعب نفسه ، وحالة اللامبالاه والسلبية السياسية ، واللامواطنه واللانتماء والشعور بالإغتراب الداخلى، كل هذه المؤشرات تضع صانع القرار فى موقف صعب ، فهو على غير يقين من مساندة الرأى العام للقرارات السياسية وخصوصا ما يتعلق منا بالمفاوضات والسلام ، وقد يعزى هذا الوضع إلى عدم تحقيق إنجاز مادى ملموس فى عملية التفاوض جعل المواطن يفقد ثقته فيها ، ويفقد الثقة فى القرار السياسى الفلسطينى وقدرته على التأثير والتنفيذ. والى جانب ذلك ضعف المؤسسات السياسية التمثيلية وغياب دورها بسببب حالة الصراع على الشرعية وإنتهائها ، تجعل الرئيس يبدو وأنه يتخذ القرار بفردية مطلقة . ومن العوامل والمحددات التى تلعب تأثيرا مباشرا فى القرار الفلسطينى المتغير الاسرائيلى ، ويتجاوز هذا التأثير قدرة القرار الفلسطينى على مواجهته وأحتواء آثاره . وتتعدد مظاهر التأثير الإسرائيلى ليس فقط فى البعد الإحتلالى ، ولكن البعد الأمنى له تأثير مباشر بحكم التداخل فى مناطق أدارة السلطة ، وبحكم محددات الحكم والسلطة ، ومن مظاهر التأثير البعد الإقتصادى والتحكم فى الموارد المالية التى تدخل ، وفى حركة السلع والأشخاص حتى على المستوى الرسمى . ولعل أبرز ابعاد التأثير الدور الإسرائيلى هو إظهار القرار الفلسطينى على أنه قرار ضعيف ، وتبعيته للقرارا الإسرائيلى ، وهذا يشكل تحديا كبيرا على صانع القرار فى الموازنة بين المصلحة الوطنية الفلسطينية والضغوطات التى تمارسها إسرائيل ، وهو ما يجعل القرار وخصوصا من جانب المعارضة الفلسطينية يبدو وكأنه يخضع بالكامل للمتطلبات الإسرائيلية ، وهو تفسير قاصر ، لكنها المواءمة والموازنة أحيانا التى قد تفرض على صانع القرار البحث عن قرارات حل وسط ، وليس قرارات حاسمة أو قاطعة .ولا شك أن الهدف من تأثير العامل الإسرائيلى فى النهاية إظهار صانع القرار الفلسطينى بانه غيرقادر وضعيف ، مما قد يفقده المصداقية السياسية الداخلية التى هو فى أشد الحاجة إليها لدعم قراراته السياسية .ومن المحددات التى تضفى مزيدا من التعقيد على عملية صنع القرار الفلسطينى البيئة الإقليمية والدولية التى تشكل مكونا رئيسا فى أى قرارا فلسطينى ، ولهذا البعد تداعيات سلبية كثيرة على القرار الفلسطينى الداخلى ، ويظهر ذلك على عدة مستويات ، ولعل من أكثرها تإثيرا إرتباط القرار الفلسطينى حتى على مستوى القوى والتنظيمات الفلسطينيى ذاتها بسياسة وتأثيرات القوى الإقليمية الرئيسة فى المنطقة ، وهو ما يجعل القرار أشبه بحالة الفسيفساء التى يصعب على صانع القرار ان يتحكم فى خيوطها .فالقرار الفلسطينى هنا يفتقر الى ما يمكن تسميته فى أدبيات صنع القرار بالمكون الرئيس أو ببؤرة صنع القرار ، ويقصد بذلك عامل المصلحة الوطنية . وهنا التداخل والتأثير غير المتكامل بين المصالح الوطنية والأهداف السياسية للدول الإقليمية المؤثرة والساعية لتوظيف القضية الفلسطينية لتحقيق اهدافها فى إنتزاع الأدوار الإقليمية الرئيسة . هنا تتعدد مظاهر التأثير غير المتكافئ بين المتغيرين الفلسطينى والإقليمى لإعتماد الأول على الثانى فى نواح عديده مالية ، أو سياسية ، أو تسليحية ، أو مكانية ، واحيانا ايدولوجية وعقيدية . وفى السياق نفسه يلعب العامل او البيئة الدولية التأثير نفسه ولكن بصورة أكثر تعقيدا وصعوبة ، وذلك بسبب إحتواء الدائرة الخارجية للقرار الفلسطينى الدائرة الإقليمية ، من خلال أرتباط سياسات ودور ومكانة الدول الإقليمية المتنافسة ببؤر صنع القرار الدولى ، وهو ما يجعل القرار الفلسطينى متأرجحا وأشبه بلعبة الحبل التى تشدها القوى الإقليمية والدولية ، مما يحوله الى قرار فاقد الهوية والشخصية والمصلحة الفلسطينية . وعوامل التأثير التى تمارسها القوى الدولية كثيرة الدعم المالى الذى بدونه تفقد السلطة الفلسطينية القدرة على أداء وظائفها ووجودها وشرعيتها ، وعامل الشرعية الدولية والتحكم فى صناعة القرار الدولى ، وحيث أن القضية الفلسطينية تشكل أحد مكونات القرار الدولى ، فيصبح صانع القرار الفلسطينى فى حاجة دائما الى هذا الدعم السياسيى والمالى والإقتصادى ، فمثلا لا يمكن تصور قيام الدولة الفلسطينية بقرار فلسطينى أحادى صرف دون ان تتوفر له القوة الدولية الداعمه والحاضنة له. ويلعب هذه البعد الدولى أيضا دورا فى مواجهة الضغوطات الإسرائيلية وحتى الإقليمية . وعليه القرار الفلسطينى يتم فى بيئة معقده لا يتحكم فى مجملها صانع القرار الفلسطينى . ويبقى ان يبحث صانع القرار الفلسطينى على تحييد التأثيرات السلبية لهذه المحددات ، وأن يوظفها بما يخدم القضية الفلسطينية ، لكن هذا يستلزم بيئة فلسطينية قويه ، وداعمه للقرارالفلسطينى ، وهذا لن يتأتى ألا من خلال تهيئة البيئة الديموقراطية السياسية الداخلية لعملية صنع القرار من خلال الدعم المؤسساتى على مستويه السلطوى والمدنى ، ومن خلال توفير بيئة مجتمعية داخلية قويه وتلتف حول من يصنع القرار، ومن خلال رفع أداء السلطة وتنويع مصادر الدخل ، وتقليل الإعتماد على الخارج ، وبتفعيل كل القوى الداعمه للموقف الفلسطينى على كافة مستويات وبيئة صنع القرار الفلسطينى إسرائيليا واقليما ودوليا ، وهنا تبدو اهمية الدور الذى يمكن أن تلعبه مؤسسات المجتمع المدنى الإقليمية منها والدولية فى دعم الموقف الفلسطينى لتخفيف الضغط الرسمى لدولها .. وفى النهاية القرار محصلة عناصر قوة وعناصر ضعف ، وكيف يمكن تعظيم عناصر القوة ، وتحييد سلبيات عنصر الضعف.