خبر : استفتاء على دمنا!! .. هاني حبيب

الأربعاء 24 نوفمبر 2010 03:26 م / بتوقيت القدس +2GMT
استفتاء على دمنا!! .. هاني حبيب



في ظل الحديث عن صفقة أميركية إسرائيلية، يتم وفقاً لها دفع رشوة أميركية لإسرائيل مقابل تجميد مؤقت للاستيطان بهدف اطلاق العملية التفاوضية، في ظل الحديث عن هذه الصفقة، تبين ان رئيس الحكومة الاسرائيلية لا يتلاعب بالفلسطينيين والأميركيين فحسب، بل يتلاعب بأعضاء حكومته، فبعدما ظهر أنه غير مطمئن لطبيعة الصفقة المعروضة أميركياً، محاولاً خداع وزرائه من خلال تحسين شروط الصفقة كي ينال موافقتهم، وبروز شك لدى الوزراء، طالبت الحكومة الاسرائيلية بوثيقة أميركية خطية، الناطق بلسان وزارة الخارجية الأميركية قال إنه لا مانع من إصدار مثل هذه الوثيقة حول "ضمان أمن اسرائيل" أي أن الوثيقة ستعرب عن ما هو معروف ودائم في العلاقات الأميركية – الإسرائيلية ذات الطبيعة الاستراتيجية، وليس بالضرورة أن تتناول تفاصيل الصفقة التي تحمس لها نتنياهو، ثم تبين أن الاتصالات بين الجانبين ما تزال مستمرة من دون أن تتضح امكانية الحصول على وثيقة كما تطلب حكومة نتنياهو. الشك من قبل الأحزاب الاسرائيلية بنتنياهو ونواياه، كان وراء الحديث عن أن رئيس الحكومة يتلاعب متذاكياً بوزرائه بمن فيهم وزراء الليكود.غير أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، إذ أحيت هذه الشكوك مشروعاً قديماً، تم تداوله إبان فترة رئاسة أولمرت السابقة للحكومة، إذ أخذ الحديث عن ضرورة تنظيم استفتاء شعبي اسرائيلي عام للموافقة على أي اتفاق اسرائيلي – عربي، ينجم عنه تنازل عن أراض تحت السيادة الاسرائيلية، هذا الحديث تلاشى منذ زمن طويل، غير انه عاد بقوة في الاسابيع الاخيرة، وبالفعل تم إقرار هذا القانون قبل يومين في الكنيست الاسرائيلية، ويعبر هذا القانون والمصادقة عليه بأغلبية كبيرة غير معهودة، عن جوانب عديدة، في طليعتها، عنصر الشك من قبل الأحزاب الاسرائيلية، وعلى الأخص حزب الليكود برئاسة نتنياهو، برئيس الحكومة، ويشير هذا القانون بهذه الأغلبية الى عدم ثقة به تجاوزت حدود المداولات داخل اجتماعات حكومته.ويشير بعض أعضاء حكومة نتنياهو، الى أنه من غير الجائز الثقة بأحد بعد تجربة دلت على أن الثقة برئيس الحكومة الأسبق بيغن أدت الى إعادة سيناء الى مصر، والثقة برئيس حكومة أسبق هو شارون أعاد غزة للفلسطينيين، أكثرهم مكراً ودهاءً هو نتنياهو، الذي يعقد الصفقات من دون أن يفسرها لحكومته، بل يكذب ويتلاعب بها والدليل هو ما جرى من حديث حول الصفقة الاخيرة حول تجميد الاستيطان المؤقت مقابل هدايا أميركية هائلة، تبين أنها لم تكن بهذه الصفة التي حاول نتنياهو أن يبيعها لأعضاء حكومته.ومراجعة نصوص القانون، تشير الى أن الأمر لا يتعلق فقط بالقدس الشرقية وهضبة الجولان المحتلتين، بل في حال "التنازل" عن مناطق أخرى أيضاً، وعلى سبيل المثال، أية تسوية نتيجة للمفاوضات، تتضمن "تبادل أراض" كرمال حالوتسا، ومناطق في جبال القدس، مقابل مناطق استيطانية كما جاء في بعض تفاصيل المفاوضات في عهد حكومة أولمرت السابقة، فإن الأمر يخضع للاستفتاء أيضاً.ورغم أن هذا القانون حظي بأغلبية واسعة، (65) صوتاً أي أربعة أصوات أكثر من المطلوب لإقراره، إلا أن عملية التصويت أشارت الى تصدع في البنية الحزبية الاسرائيلية، فحزب كاديما بقيادة تسيبي ليفني، عارض القانون بقوة واعتبره تعبيراً عن ضعف الحكومة، إلا أن عضو الحزب عتنيل شنلر صوت لصالحه، في حين تغيب من نواب كاديما عن جلسة التصويت 3 نواب (هم شاؤول موفاز وروحانا أبراهام وإيلي ايلولو)، وبالتالي لم يصوتوا ضد القانون، لكنهم بغيابهم لم يصوتوا لصالحه، في حين أنهم ممن كانوا قد أيدوه قبل التصويت.حزب العمل، المنقسم على نفسه بشكل واضح اضطر لاتخاذ قرار بحرية التصويت، عارضه في التصويت نائبان، وتغيب ثلاثة، وصوت لصالحه واحد.التعديل الوحيد الذي أجرته الكنيست على مشروع القانون، هام للغاية، وهو أنه في حال ما أقرت الكنيست "إزالة السيادة" عن مناطق بأغلبية تفوق 80 نائباً، لن تكون هناك حاجة لاستفتاء شعبي، وينبغي إقرار هذا "التنازل" دون حاجة الى استفتاء!هذا القانون، لا يكبل نتنياهو فحسب، بل أي رئيس حكومة اسرائيلية قادمة، ويشير بوضوح الى اصطفاف اليمين الاسرائيلي بكل ألوانه خلف المضي قدماً باستمرار الاحتلال الى ما لا نهاية، وأن العملية التفاوضية في ظل هذا الوضع هي مجرد ملهاة ومضيعة للجهد والوقت والهدف، وعودة واضحة الى شعار رئيس الحكومة الأسبق شامير عندما قال: سأظل أفاوضهم، العرب والفلسطينيين، لمئة سنة قادمة، هذا هو الحال بعد انقضاء عقدين من المفاوضات، وبعد تجديد وزير الخارجية الاسرائيلي بوضوح ووقاحة، أن لا نهاية للمفاوضات أبداً، كما قال ليبرمان، وهو بكل أسف يعكس بصدق حقيقة الوضع الحالي والمنتظر.وبمعزل عن الآثار الإسرائيلية الداخلية لهذا القانون، فإن اسرائيل بهذا تكون ليست مجرد دولة خارجة عن القانون الدولي، بل إنها تتجاوز ذلك الى وضع قوانين "دولية" جديدة خاصة بها، ذلك أن الاستفتاءات تنظم للشعوب الواقعة تحت الاحتلال لاختيار خياراتها، أما أن ينظم المحتل بجيوشه أراضي الغير، استفتاءً لجنوده وجيشه وحتى شعبه، لاختيار استمرار احتلاله، فهو أمر غير مسبوق إطلاقاً في كل تجارب الاستعمار بشتى أنواعه، وما كان لإسرائيل المضي قدماً في إقرار هذا القانون، لولا الصمت الدولي والعربي، إزاء تمهيدات قانونية عنصرية اتخذتها على الأخص حكومة نتنياهو في الفترة الأخيرة، كقانون منع إحياء ذكرى النكبة ومنع تدريسها حتى في المدارس العربية وقانون اغتصاب منهاج التدريس العربي، وكتابة اللافتات بالعبرية دون العربية وقانون التحريض وقانون المقيم غير الشرعي، وعدة قوانين عنصرية، اخترعتها اسرائيل على قياسها من دون أية مراعاة للقوانين الدولية، حتى تلك التي تنظم عملية الاحتلال لأراضي وشعوب الغير.وأعتقد أن إقرار هذا القانون، هو بمثابة تعبير واضح عن نهاية العملية التفاوضية، على الأقل في ظل حكومة نتنياهو الحالية، حتى لا تلغي امكانية سقوط هذه الحكومة، أو تعديلات محتملة في الخريطة الحزبية بما يترك المجال لتعديل القانون أو حتى إلغائه في المستقبل، وعليه من المتوقع أن تقوم القيادة الفلسطينية بإعادة تقييم المسيرة التفاوضية واتخاذ خطوات جدية لمواجهة استحقاقات المرحلة المقبلة، من دون أن يعني ذلك انقطاعاً عن دعم الموقف العربي الضروري، رغم هشاشته، ولا تغييب العامل الأميركي، رغم ضعفه، فنحن من الضعف بحيث إننا بحاجة حتى الى الضعفاء من أمثالنا وربما أكثر من أي وقت مضى!!.www.hanihabib.com