كثير الكلام الجميل سواءً كان حِكَماً أو أقوالاً مأثورة أو أمثلة يساق في حينه ويكون بلسماً ، وتعبيراً عن أشياء كثيرة ، ويحمل مدلولات تغني عن الشرح الطويل ، لقضية مثارة أو حادثة أو مناسبة ، ويكفي الاستدلال بها لتفض نزاعاً أو تنهي خلافاً ، أو تشكل منطلقاً لمجموعة أفكار تُجترحُ تعالج أموراً استعصى حلها حتى على أهل العلم والمعرفة ، ولكن هذا كله محكوم بالامتثال لهذه المقولات وتطبيقها على أرض الواقع ، والأخذ بها واعتبارها موروثاً تفتق عنه ذهن وعقل من سبقونا وسهروا على توريثنا إياها ، لعلمهم المسبق أنها لن تزول أو لن يلجأ إليها بعامل التقادم ، فهي غير قابلة للاندثار ، وإن أتى عليها النسيان أو التناسي ...إلاّ أنها كالذهب العتيق بل أغلى منه .اليوم نحن أمام المقولة التي هي عنوان لهذه المقالة .فسعدٌ هذا إن شئتم فقولوا عنه راعي الإبل عند سيده ، وإن شئتم فقولوا عنه كان كلّاً على مولاه فأسند إليه حداية العيس .والإبل في القدم كانت رأس المال بالنسبة لعصرنا اليوم ، ولشح المياه كانت عملية سقايتها عملية شاقة ، رغم تحملها العطش فقد قيل عنها سفينة الصحراء .سعد هذا المسكين لم يكن بمستوى الرعاية والحداية ، وظهر ذلك على الإبل ما جعل سيده يطلق مقولته هذه .وقد تكون هناك رواية أو أكثر كانت سبباً في إطلاق هذه المقولة ، حتى لا نختلف على مسبباتها فقد تكون لدى البعض مسببات أخرى . لكن النسيان يكاد يكون قد أتى عليها ، وأصبحت كغيرها من المقولات نبحث عنها عند الحاجة وقد لا نتذكرها .وللبعض أن يسأل : وهل نحن بحاجة إليها بعد أن عفا عليها الزمن ؟ نقول نعم : إنها لمقولة عظيمة تستحق منا التداول والترداد ونعيد لها الاعتبار ، معتذرين لتركها ومدينين لمن أطلقها ، لأنه صاحب نظرة ثاقبة ومستشرف للمستقبل ، وقارئ للمرحلة التي سيضطر الجميع إلى العودة لها ، لعلمه بأن القوم سيفيقون لأهميتها وسيناله الشكر والثناء عليها. وتطبيقا لهذه المقولة وعملاً بها واسترشاداً بدلالاتها نجد أنفسنا ملزمين باستخدامها في وصف المحظور وغير المحظور ، ففي الحالتين لا نستطيع أن نغمض أعيننا ونكسر أقلامنا ، ونجمد عقولنا ، تحسبا لما يمكن أن يؤخذ علينا .فإنه ليس نبشاً في الماضي ، ولا تذكيراً بالآلام ولا نكأً للجراح ، بل عدم ملامسة الحالة ، هو الإبقاء على ما هو محزن ، ومخجل ، وضياع للذات وللقضية الخاصة والعامة .ودعونا نقترب أكثر ولنبدأ بأنفسنا أي بالخاص ، والخاص يقودنا إلى الحديث عن حركة فتح ... هذه الحركة العملاقة الرائدة حاملة لواء الثورة الفلسطينية والعالمية .نكون كالنعامة التي تدفن رأسها في التراب إذا قلنا : إن حركتنا كانت بخير وكما كان يرجى منها من قبل حتى الذين اختلفوا معها ... فمقولا تهم جميعاً : لئن اختلفنا مع الحركة أي مع الذين تسلقوا ، وسلكوا سلوكاً مشيناً ، أثناء تبوئهم لمواقع مفصلية في مجالات عديدة ، إلا أنهم لم يختلفوا على الحركة، صاحبة المشروع الوطني الكبير . وككل الحركات أو الأحزاب أو المنظمات ، سواء كانت محلية أو دولية ، فهي بحاجة إلى مراجعة لسلسلة من المواقف ولكثير من السلوكيات ، وإلى تجديد في النظرة لكل المستجدات ، والاصطفاف حول الرؤى الجديدة والمجددة ، حسب مقتضيات المصلحة الوطنية على الأصعدة كافة ، كما لا يعيبها أن تطلق شعار جلد الذات أي المحاسبة الشديدة لكل مواطن الخلل ، والتخلص من المتسلقين والانتهازيين ، والبرجوازية غير الوطنية ، والمال السياسي . لن يتم ذلك سواء كان عندنا أو عند غيرنا ، إلاّ في إطار أشمل ، والإطار الأشمل هو المؤتمر العام الذي لا يستغني عنه أي تنظيم ، فهو المكان الوحيد والصالح الذي تطرح فيه وعليه القضايا كافة : حلوها ومرها .عقد المؤتمر العام السادس في ذكرى عزيزة على قلوبنا ولها من القدسية والاحترام والمحبة ما يجعلنا جميعاً نطلق عبارات التفاؤل إلّا الذين أرادوا غير ذلك ، والذكرى هي الذكرى الثمانون لميلاد رجل عظيم اسمه ياسر عرفات " أبو عمار" رحمه الله .إذن لا يمكن أن ينعقد المؤتمر في وضع أسوأ مما كانت عليه الحركة ، ولا في ظل ذكرى يحمل صاحبها المعاني السامية والتاريخ الحافل بشهادة الخصوم والأعداء قبل الأهل والأصدقاء .اشرأبت الأعناق بانتظار كل جميل ، بانتظار النتيجة وكان ما كان . مما جعل الحريصين على هذه الحركة من غير أبنائها أن يلومونا ويعيرونا قائلين : لماذا فعلتم بأنفسكم ما فعلتم ؟ وقالوا قولاً لا نخوض فيه ، ولكنهم صادقون وليسوا شامتين.وجد المؤسسون والسابقون السابقون أنفسهم خارج الحركة وليسوا على مقرية منها ، وكانت فرحة الإسرائيليين كبيرة لأنه الانتقام ممن شكلوا لإسرائيل خطراً حقيقيّاً عبر نصف قرن.إن رئاسة المؤتمر اعتبرت ذلك إنجازاً وهي تعرف انه عكس ذلك ، ولأن قيادة ورئاسة المؤتمر لم تراع اللوائح والأنظمة والقواعد والنظام الأساسي ، فهنا تأتي أهمية المقولة : ما هكذا تورد الإبل يا سعد .أما على صعيدنا الفلسطيني الفلسطيني ... فبعد كل الحوار نتيجة حالة الإنقسام وتأثيره السلبي على قضيتنا والتي أعادها إلى أسوأ مراحلها ، حتى أن الإسرائيليين ومنجميهم ، وضاربي الودع وقارئي الفنجان عندهم لم يخطر لهم على بالٍ ، ما فعلناه بأنفسنا وبمكاسبنا ، وبمؤسساتنا وبقضيتنا ، فقد اختزلت الحالة في حوار ثنائي بين شخصين أو مجموعتين ، والكل الفلسطيني ينتظر ، ويتفرج ، ويصمت ، وتأتي الأخبار ناقلة نبأ فشل الحوار ، والاتفاق على موعد لاحق غير محدد، وفي مكان يتم التوافق عليه .أليست مقولة : ما هكذا تورد الإبل يا سعد تستحق أن نذكر بها ؟ ونقرأ عواقبها الوخيمة على القضية بشكل عام ... أليس من حق أصدقائنا والمتعاطفين معنا أن يطلقوا مقولات تحمل ترجمة لهذه المقولة ولكن بلغاتهم المختلفة ؟ وأما على صعيدنا العربي العربي والعربي الإسرائيلي : فقد صدر بالأمس في مدينة لشبونة العاصمة البرتغالية عن المجموعة الأوروبية وأمريكا ، اتفاق حول الدرع الواقي ليحموا بلادهم من الصواريخ المغيرة .أما نحن كعرب ماذا صدر عنا ؟ وماذا يمكن أن يصدر ؟ لا داعي للخوض في التفاصيل فقد أشبع الموضوع بل قتل وصفاً ، وكتابة وتحذيراً ، ومناشدة ، ومطالبة بالنظر إلى من حولنا وإلى ما يترصد أمتنا .ألم يحن الوقت لأن تنتصر هذه المقولة وتصبح على لسان كل فلسطيني وعربي ؟ بلا .فلئن كان هناك سعد واحدٌ فاليوم كلنا سعد .فهلاّ استبدلنا هكذا يا سعد ... ب ما هكذا يا سعد ؟ ولكن متى ؟ والسؤال موجه للجميع .