خبر : ذكرى لا تمحى.. إبراهيم ابوالنجا

الأحد 14 نوفمبر 2010 09:50 ص / بتوقيت القدس +2GMT
ذكرى لا تمحى.. إبراهيم ابوالنجا



يعيش شعبنا الذكرى السادسة لرحيل القائد العظيم الرئيس الراحل ياسر عرفات " أبو عمار " رحمه الله . فقد أحييت الذكرى بمهرجان خطابي تحت رعاية وبمشاركة السيد الرئيس محمود عباس "أبومازن"، شارك فيه أبناء شعبنا على اختلاف انتماءاتهم السياسية ، وفي أماكن تواجدهم حيثما كانوا في مشارق الأرض ومغاربها . في هذه الذكرى .... كثر البكاء على الراحل ، وكثرت الخطابات في المهرجانات كافة ، وكثرت المسيرات ، وكل مدينة وقرية ، أحيت الذكرى بطريقتها الخاصة ، وكذلك أهلنا في مخيمات اللجوء ، وكذلك الجاليات الفلسطينية ، وسفارات فلسطين في دول العالم . في قطاع غزة نقل عن هيئة العمل الوطني ... عدم السماح لها إقامة المهرجان بهذه الذكرى . اكتفى أبناء الفتح لوفائهم لقائدهم بالتأكيد عبر الاتصالات الهاتفية أو الرسائل على الجوالات بالتمسك بالقيم التي أرسى قواعدها ياسر عرفات ، والتمسك بالثوابت التي دفع رئيسهم حياته ثمناً لها . والاحتفالات كما جرت العادة تستمر بضعة أيام ثم تتوقف ، انتظاراً للذكرى القادمة . وهنا لا بد من وقفة : ياسر عرفات رحمه الله ... من الإجحاف بحقه أن نتذكره فقط في ذكرى ميلاده ، وذكرى استشهاده ، وإلاّ أصبح كبقية البشر . ياسر عرفات ... عُرفت القضية الفلسطينية لدى شعوب الأرض من خلاله ، شكل الهوية الفلسطينية ، كثيرون من أبناء الشعوب لم يعرفوا القضية الفلسطينية ، ولم يعرفوا اسم فلسطين إلا عندما يقال لهم بعد شرح طويل غير مفهوم لديهم ، نحن رئيسنا ياسر عرفات . ساعتها ينجلي اللبس ، ويزول الغموض ، وتصبح القضية ماثلة أمامهم تماماً . فياسر عرفات رئيس أول رابطة طلاب فلسطينية ، ورئيس أول رابطة خريجين في القاهرة . وياسر عرفات ليس له تمثال من صخر نحت أو مجموعة حجارة ركبت ، أو من معدن صنع ليراه الناس في الميادين . وياسر عرفات ليس كبعض الرؤساء اللذين إذا نزلوا مكاناً داخل تراب وطنهم ، أحيط بسياج يزوره زائرو ذاك القطر ضمن برنامج الزيارة ، وياسر عرفات ليس صاحب مقولة واحدة يتناقلها الأبناء عن الآباء . ياسر عرفات لا نبحث له عن اسم عبر مقالات فرسان الكلمة ، وأصحاب الأقلام ، والقصائد وفي المطابع ، والكتاب ، والإعلاميين . ياسر عرفات لا ينسب إليه تاريخ الآخرين ، ولا تنسج حوله وله هالة لتصنع منع بطلاً . إنه الرجل الذي وقفت الكلمة عاجزة عن وصفه ، وعجزت الأقلام عن تدوين مواقفه . ياسر عرفات الفلسطيني ... هو ياسر عرفات القومي ... هو ياسر عرفات الأممي ... ياسر عرفات الثائر ... ياسر عرفات القائل : قانون المحبة . والقائل يا ربعي ... يا أهلي ... يا أبناء أمتي . ياسر عرفات عرفه العالم وقلده وحمّله راية الثورة العالمية ، ياسر عرفات رغم الحصار ... اقتحم الحصار ... من لا يتذكر كيف وصل إلى طرابلس لبنان المحاصرة . كنا نجلس معه في مكتبه عام 1983 في حمام الشط بتونس حتى ساعة متأخرة ... قال غداً سأتوجه لأداء العمرة ، وغداً سمعنا ورأيناه يقود المعركة في مواجهة المنشقين ومن يقف وراءهم من دول ، في مخيمي نهر البارد والبداوي في طرابلس شمال لبنان الشقيق . ياسر عرفات الذي أسمع العالم كلاماً لم يسمعه من قبل ومن أعلى منبر في الأمم المتحدة. أسمعهم مقولته الشهيرة : جئتكم بغصن الزيتون في يد والبندقية في يد أخرى ... فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي . ياسر عرفات ذلك الثائر صنع من القواعد معسكرات لتدريب كل طالبي الحرية في العالم أي حركات التحرر كافة . ياسر عرفات الذي أوقف الاقتتال بين الفصائل الفلسطينية أولاً ثم بين الأشقاء من أمته ، بين المغرب والجزائر ، وبين مصر وليبيا ، وبين ليبيا وتونس ، ياسر عرفات أقام القواعد الارتكازية داخل الوطن المحتل بعد حرب حزيران ، وأدخل السلاح وقاد العمليات الناجحة بنفسه ، ياسر عرفات فجر الثورة الفلسطينية ، وهي أعظم ثورة عرفها التاريخ ، والتي قال عنها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر رحمه الله . الثورة وجدت لتبقى . فأضاف عليها ياسر عرفات لتبقى ولتنتصر . ياسر عرفات قاد المعارك في مواجهة الإسرائيليين . وفرض عليهم الهدنة ، وهو اعتراف من قبلهم لأن الثورة أصبحت مجسدة على الأرض ، ولا يمكن إنكارها لأنها أوقفت المد الإسرائيلي ، والأطماع الإسرائيلية وباعتراف قادتهم المتعاقبين ، إن مشروعنا يصطدم تحقيقه بشخص اسمه ياسر عرفات . ياسر عرفات صانع فكرة الوحدة الوطنية الفلسطينية ، والتعددية السياسية ، وصاحب مقولة : البنادق كل البنادق باتجاه العدو ، واللقاء على ارض المعركة. ياسر عرفات سقطت به الطائرة وتطايرت شظايا في الصحراء التي عجز الطيران عن معرفة مكانه ، وأنجاه الله . ياسر عرفات صاحب مقولة : الحوار الوطني الشامل والوحدة الوطنية ، وكان يكره أن يقال له : بالروح بالدم نفديك يا أبا عمار ، بل كان يصحح قائلاً نفديك يا فلسطين . هذا هو الفلسطيني صاحب القلب الكبير ، الذي لم يعرف التفرقة بين أبناء شعبه ، وأكثر رأفة على الذين رفعوا السلاح في وجهه وتآمروا عليه ، حيث زار أسرهم بعد وفاتهم وأبقى على رواتبهم قائمة ، ولم يأخذهم بجريرة آبائهم المتآمرين . ولعل هناك كتاباً صدر فيه من المحطات الكثير الكثير . فياسر عرفات لا يختزل تاريخه في كتاب كما أسلفنا . استطاع أن يجترح المعجزات من أجل الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية في المجلس الوطني عام 1988 في الجزائر، واستطاع انتزاع اعتراف العالم بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعيا وحيداً لشعبنا الفلسطيني. بعبقريته هذه فرض على الإسرائيليين الاعتراف بالمنظمة وبالسلطة الوطنية الفلسطينية ، التي عادت لأرض الوطن بقواتها وأمنها ومؤسساتها ، وفرض على الإسرائيليين ، وبإسناد وقناعة من العالم إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ، وتبادل السفراء مع السلطة . ياسر عرفات استطاع كسب اعتراف العالم بقضية شعبه ، تمثل ذلك في السفارات الفلسطينية أو الممثليات في كل عاصمة عالمية . ورغم كل ما ذكر فلم نأت على الكثير من تاريخ ياسر عرفات ، ولعلنا تأخرنا متعمدين في إصدار هذه المقالة حتى يفرغ الإخوة من الاحتفال المركزي ، وحتى لا تنتهي القضية بانتهاء هذا المهرجان . فياسر عرفات صاحب هذا التاريخ العريق والمشوار الطويل والمحطات التي لا تحصى ، يجب أن لا يختزل شخصه ودوره واسمه في مناسبتين فقط ... مناسبة ميلاده ، ومناسبة استشهاده . فكل يوم في تاريخه يحتاج إلى احتفال واحتفاء ، وتذكير واهتمام . وإلى أبناء الفتح الميامين : لا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الأعلون يا أحبة ياسر عرفات . وإلى أبناء شعبنا العظيم ... تذكروا مقولة قائدكم ... على القدس رايحين ... شهداء بالملايين . فيا قدسنا مهما بلغت حجم الحفريات ، وسياسة التهويد ستبقين العاصمة الأبدية للدولة الفلسطينية والتي قال عنها رئيسكم : سيرفع شبل وزهرة من بلادي علم فلسطين على أسوار القدس ومآذن القدس وكنائس القدس . فلئن مرت ذكرى رحيلك أيها القائد ، إلا أن لك في كل يوم ذكرى ، فأنت حي فينا ، وفي الأجيال القادمة. ولك الحق أن تعتب علينا وتلومنا ، بأننا لم نحافظ على موروثاتِك ومقولاتك ، ووحدتنا الوطنية . ولك في نفوس أبطالنا الأسرى الوفاء كل الوفاء ، وفي نفوس الجرحى الذين كنت تنكب على جراحهم وتقبلها، المزيد من المحبة والوفاء لعهدك .