في سوق الاحلام ترتفع الاسعار..فالمعروضِ منها لا يلبي حجم الطلبات..وحيث أن السعرَ يحددُ وفقا لمفهوم العرضِ والطلب..فقد إرتفع سعر الاحلام..الفقير الذي كان يَهربُ من واقعه لفضاء حلمه يعيش أزمة عدم القدرة..والجائعُ لا يستطيع غور شكل رغيف الخبز..فالقمح أصبح عملة صعبه لا يجرؤ أن يتخيلها..والعازم على إكمال نصف دينه لا يجد متسعا من الوقت ليحلم بشقة أحلامه..فلا سيولة شقق مُمكنه في واقع أزمة الاسكان وإرتفاع أسعار العقار..الثائر ضاعت أحلامه بعد ضياع ثورته..والعاشق ليس لديه عشيقة ليحلم بها..فمتطلبات العشق محددوة ومحصورة للطبقة العليا الجديدة القادمة من الاصول الشعبيه والتي لا تسمح لغيرها أن يعشق..والحبيب يرهقه الواقع فيستبعد حلم لقاء الحبيبه من أجندته..والعربي إبتعد سنوات ضوئية عن واقعية الوحده العربية فأصبح الحلم بها جوهرة نادرة..والفلسطيني فقد كل متطلبات الحلم في سوق المساومات..اللاجيء يحلم بالعمل وزيادة عدد غرف مسكنه بالمخيم..فالعودة تستحيلُ أحلاماً.. نعمة الاحلام التي ميز بها الله عز وجل الانسان فقدت قيمتها خاصة لدى ذلك العربي والفلسطيني بالذات.عندما صرخ "مارتن لوثر كينغ" قائلا "" I have a dream رد عليه وبعد عقود الرئيس "أوباما" قائلا "Yes we can"، وعندما صرخ "نيلسون مانديلا" بسنواته أل 28 في السجن ضد العنصرية المقيته، إستسلم له "ديكليرك" وأعلن إنتهائها إلى غير رجعه، وعندما حلم "كاسترو" و"التشي جيفارا" بالخلاص من الامبريالية تحقق حلمهم ووقفت "كوبا" في عرض الكاريبي ولا تزال قلعة حصينه ضد المستعمرين، وحين عزم "الهوتشي مِنّه" على الخلاص من الاستعمار الامريكي لفيتنام الجنوبية تحقق ذلك بسواعد "الفيتكونغ" والدعم الشعبي العالمي، أحلام "باتريس لومببا" و"السلفادور ليندي" تحققت بسواعد "الانغوليين" و"التشيليين"، في حين بقيت أحلام الانسان الفلسطيني بعيدة المنال، بل أصبح يبحث عنها فلا يجدها..فصرخات "الكنفاني" و"أبو شرار" في السبعينات أصبحت تراث، ونداءات "أبو جهاد" في الثمانينات أصبحت أدبيات أكاديمية نظريه غير متوفرة، وواقعيه الزعيم الراحل "أبو عمار" لم تكن سوى سرابٌ مُجردٌ من صحراءِه، فلا دولة ولا بناء.واقعية ظهور الحلم الفلسطيني غير مُمكنه التحقق، فالحلم إختلط وأصبح من حلم الجميع لحلم الجزء وجزء الجزء، لحلم الكيان وحلم الحدود وحلم المساحة وحلم البقاء، بل وصل عند البعض لحلم الزعامة فقط، الحلم تم شَخصَنتهُ وأصبح شخصيا يُعبر عن تطلعات الشخص وقناعاته أكثر مما يعبر عن تطلعات الشعب او حتى المنظمة أو الحزب نفسه، تعدّد الحلم وكثرت تفسيراته فضاع في سوق البورصه التفاوضيه وسوق المزايدات المقاومية، فلا سوق "فراس" في غزة حقق جزء من الحلم، ولا سوق "حسبة الخليل" بقيت، ولا حتى "ماصيون" و"إرسال" رام الله عبر عن حِلم الكل وحِلم الممكن في زمن اللاممكن لدى الواقعيين والمُمكنيين أصحاب أحلام اليقظه.بصراحه، ليس لدينا حلم، ولم يكن لدينا، كانت لدينا أمنيات وفقط أمنيات، حقق البعض منا ذلك بإدعاءات ليست صحيحه في الواقع التحرري ولا حتى في الواقع الاجتماعي نفسه، وما تحقق فعليا هو رفاهية البعض بعدد اصابع اليد في واقع التعقيد والصعوبة المستفحلة لدى الكل الفلسطيني، الصمود كهدف ليس لمن يدَعونه وينادون به ولا حقٌ لهم فيه، فلا مكان لنا غير وطننا او كما قال السيد محمد بركه زعيم الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة "حسمنا أنفسنا في علاقتنا مع هذه الارض، إما عليها وإما فيها"، وتقلص الحلم في "روابي" هنا أو "روابي" هناك لا يُعبر ولو نقطة واحدة عن حِلم طفل فلسطيني من مهجري مخيم "نهر البارد" يحلم بالعودة له.يقولون أن " أقصر مسافة بين نقطتين هي الخط المستقيم"، وأقول أن أقصر مسافة لتحقيق الحلم إن وجد هو الاتفاق بين رأيين متخالفين على فكرة واحدة، لكن في واقعنا الفلسطيني كل شيء آخر، فالمصالحه أصبحت ضربا من الاحلام لأن الاتفاق على فكره واحده غير مُمكن وغير واقعي، ليس لأنه كذلك، بل لأن الحلم هنا مختلف، والفكرة الواحدة كتعبيرٍ عن حلم مشترك غير قابلة للتحقيق، فلا زلنا لا نرى سوى نصف حقنا، ونصف نصف ما هو لنا، ونصف نصف ربع ما كان لنا، فنحن نعيش نصف موتنا، ونصف أحلامنا، ونصف الافكار ونصف الاوهام ونصف الآمال، لا زلنا نعيش هذا النصف العاجز الذي قال عنه جبران "النصف هو لحظة عجزك" ولكنه أضاف ما لا نراه "وأنت لست بعاجز".