منذ أن نشأت الحاجة الى قيام "دولة" تضم شعباً وتخضعه لسلطان حكومة معينة, نشأ صراع محتدم بين السلطة والحريات العامة باعتبار أن السلطة ترى أن الحريات قد تشكل سيفاً مسلطاً على أدائها لمهامها. فالدولة ترى أنه كلما ازدادت حريات الأفراد كان هذا انتقاصاً من سطلتها وسيادتها, لذلك كان من اللازم بل ومن الضروري تحقيق التوازن بين أمرين متعارضين وهما: تمكين الدولة من القيام بمسؤولياتها وهو ما يستوجب تخويلها أوسع السلطات, وتحصين حريات الأفراد وهو ما يقتضي الحد قدر الإمكان من سلطات الدولة خشية مخاطر الاستبداد بهذه السلطات. ولا سبيل الى حل هذا الصراع إلا بتخويل الدولة السلطات اللازمة لها, وفي ذات الوقت توفير الضمانات التي تحول دون اساءة استعمال هذه السلطات وفي مقدمة هذه الضمانات الواجبة في هذا الصدد الأخذ بمبدأ المشروعية, وأقدر من يملك إنفاذ هذا المبدأ هو القضاء. تقسيمات الحريات العامة: هناك من الحقوق والحريات العامة ما يتعلق بشخص الانسان ومنها: الحق بالحياة، الحق بالأمن، حرية التنقل والسفر، حرمة المسكن، حرية الفكر والعقيدة، حرية الرأي، حرية الإعلام، حرية التعليم. وهناك من الحقوق والحريات العامة ما يتعلق بنشاط الإنسان ومنها:حق العمل، حق التجارة، حق الملكية. ولعل أهم المبادئ التي تنظم هذه الحقوق والحريات هو مبدأالمساواة وضمان ممارسة الحقوق والحريات العامة، فكل المواطنين سواسية أمام القانون ولا يجوز التميز بينهم بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين. الانقسام الفلسطيني وأثره على الحقوق والحريات العامة: كان للانقسام الداخلي الفلسطيني أثر كبير على تراجع الحقوق والحريات العامة في فلسطين سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية, فكل طرف أراد فرض رؤيته على الطرف الآخر تاركين خلفهم انتهاكات جسيمة لحقوق الأفراد وحرياتهم, فما من حق من الحقوق التي نص عليها القانون الا وتم انتهاكه خلال الفترة السابقة, كالحق في الحياة, والسفر, وحرية الرأي, والحق في سلامة البدن, وحق التنقل, والسفر. انتهاك الحق بالتنقل والسفر والإقامة...نموذجاً في الآونة الأخيرة ظهر على السطح قضية بالغة الأهمية والا وهي منع العديد من المواطنين من السفر دون اي مسوغ قانوني. فقد كفل القانون الأساسي الفلسطيني والتشريعات الفلسطينية ذات العلاقة لكل مواطن الحق فى التنقل سواء داخل ارض الوطن أو خارجه في اى وقت سواء بالاقامة فى مكان معين بالداخل او الانتقال منه او بالسفر بصفة مؤقته الى الخارج و العودة او بالهجرة الدائمة إلى دولة أخرى بصفة دائمة او مؤقتة. ان الحق في التنقل والسفر هو حق دستوري وبالتالي لا يجوز للمشرع العادى الغاء هذه الحقوق او تغييرها بما يصل بها الى درجة الإلغاء، وليس للمشرع العادي إلا حق تنظيم هذه الحقوق وتحديد الاجراءات المتعلقة بمباشرة الافراد لها وممارستها دون حظر أو تقييد مانع لها أو يتعارض مع الغاية منها . ان حرية المواطن فى التنقل من مكان إلى اخر داخل الدولة او خارجها حق دستورى أصيل للمواطن، يتمتع به بصفته كانسان، ولا يجوز لجهة الادارة المساس بهذا الحق دون مسوغ ولا الانتقاض منه بغير مقتضى من المصلحة القومية للمجتمع والدولة وفى حدود التشريعات المنظمة لهذا الحق والتى تتضمن كيفية ممارسته وبما لا يتعارض مع المصلحة العامة . كما أن تنظيم حرية المواطن فى التنقل من مكان إلى اخر والسفر إلى خارج البلاد امر تقتضية ضرورة المحافظة على سلامة الدولة فى الداخل والخارج وعلى استقرار وحماية الامن العام وعدم تعطيل سير العدالة نتيجة خروج متهمين او شهود خارج البلاد بينما هم لازمون للفصل فى القضايا أو التصرف فى التحقيقات ورعاية مصالح الاقتصاد القومى وذلك كله دون ان يخل التنظيم بمبدا حرية السفر والتنقل ولا يمس بجوهره ومضمونه. إلا أنه ورغم النصوص الواضحة التي تكفل حقوق المواطنين في التنقل والسفر فقد تم رصد العديد من الحالات التي تم فيها منع مواطنين من السفر لأسباب غير قانونية كانت أغلبها تتعلق بالانتماء السياسي, ففي قطاع غزة تم مصادرة جوازات سفر لعدد من المواطنين بسبب انتمائهم السياسي ومنعوا من السفر , وكذلك يستمر في الضفة الغربية منع إصدار جوازات سفر لمواطنين من قطاع غزة أيضا بسبب انتمائهم السياسي, وفي هذا خرق كبير وفاضح لحق كل مواطن في السفر والتنقل، لذلك كان من الواجب بل ومن الضروري على أصحاب القرار العدول عن هذه الانتهاكات الفاضحة وبأسرع وقت وذلك احتراما للقانون وللتخفيف من اثر الانقسام البغيض على حياة المواطن الفلسطيني. أن رقي الدول وتقدمها في العصر الحديث أصبح يقاس بمدى تمتع الأفراد بأكبر قدر من الحقوق والحريات, فكلما زادت هذه الحقوق والحريات كان هذا خير دليل على مدى مدنية الدولة وتقدمها ورقيها, وكلما انتقصت هذه الحقوق كلما تراجعت الدولة مراحل للوراء . لذلك من الاولى لأصحاب القرار في فلسطين الأخذ بعين الاعتبار مصلحة المواطن وتغليب مصلحة الوطن وتغليب معايير وقيم حقوق الإنسان على الاعتبارات السياسية والأمنية.