اثمر الاجتماع الاخير بين حركتى حماس وفتح الذى عقد منتصف ايلول سبتمبر الماضى فى العاصمة السورية دمشق اتفاقا على ثلاث من النقاط الاربع محل الخلاف والتى تمثل مجتمعة ملاحظات حماس على ورقة المصالحة المصرية بينما يفترض ان يحسم اللقاء القادم بعد ايام النقطة المتبقية المتعلقة بالملف الامنى الاكثر تعقيدا .للتذكير فان ملاحظات حماس هى فى الحقيقة بضع كلمات يراد اضافتها او حذفها من الورقة المصرية التى تقبلها الحركة بنسبة خمس وتسعين بالمائة حسب تعبير احد قادتها وهى طالبت مثلا بان يكون تشكيل لجنة الانتخابات بالتوافق بدلا من التشاور والامر نفسه مع محكمة الانتخابات اما اللجنة المكلفة اعادة بناء منظمة التحرير فتريد حماس ان تكون مهامها "غير قابلة للتعطيل"وتضيف فتح بشرط الا يتعارض ذلك مع صلاحيات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير و الملاحظة الاخيرة تتعلق بتفسير العبارة الواردة اصلا فى الورقة المصرية والتى تشير الى اعادة بناء وهيكلة الاجهزة الامنية فى الضفة الغربية وغزة.مع الترحيب بالتوافق على الثلاث ملاحظات او بالاحرى الثلاث كلمات من اصل اربعة خلال الاجتماع السابق بين فتح وحماس والذى لم تستغرق المناقشات فيه اكثر من ربع ساعة-حسب تصريحات متطابقة للطرفين - الا ان ذلك يطرح السؤال المنطقى والمؤلم عن اسباب استمرار الخلاف والانقسام كل هذه المدة رغم ان الامر يتعلق ببضع كلمات كان تجاوزها فى متناول اليد لو توافرت الارادة والمسؤولية الوطنية عند طرفى الازمة والخلاف مع العلم ان حماس فازت فى الانتخابات السابقة فى ظل لجنة الانتخابات الحالية ناهيك عن حيوية المجتمع الفلسطينى وقوة حضور منظماته المدنية والاهلية كما اتضح من ردود الفعل على تأجيل عرض تقرير غولدستون امام مجلس حقوق الانسان فى جنيف تشرين اول اكتوبر من العام الماضى كما على قرار الذهاب الى المفاوضات غير المباشرة وهو ما يقف خلف تصلب الموقف الفلسطينى الرسمى الحالى الرافض للعودة للمفاوضات الا بعد التجميد التام للاستيطان خاصة فى القدس ومحيطها .الخلاف الجدى الحقيقى يتعلق طبعا بالملف الامنى وفى كيفية تفسير العبارة الواردة فى ورقة المصالحة المصرية والتى تتضمن اعادة بناء وهيكلة الاجهزة الامنية فى الضفة الغربية وغزة على اسس مهنية ووطنية وهى المهمة الصعبة فى ضوء الواقع الحالى حيث الاحادية الامنية فى الضفة لصالح فتح وفى غزة لصالح حماس وصعوبة اجراء اى تغير جدى وجوهرى فى المدى القصيروالحقيقة ان التعاطى مع الملف الامنى يعبر عن فلسفة و روح الورقة المصرية والطريقة الواقعية التى تعاطت بها من اجل انهاء الانقسام عبر اتباع التدرج وخلق وقائع على الارض كفيلة مع الوقت بازالة جدار عدم الثقة العالى بين حماس وفتح وهى تلحظ ابقاء الوضع على حاله تقريبا خلال الفترة الانتقالية ما بين توقيع اتفاق المصالحة واجراء الانتخابات والبالغة تسعة اشهر فى حدها الادنى مع تشكيل لجنة وطنية للتنسيق بين الجانبين بدلا من حكومة توافق وطنى نظرا لصعوبة وعدم واقعية الفكرة الاخيرة على المدى المنظور وهذه اللجنة ستاخذ على عاتقها مهمات صعبة منها العمل على رفع الحصار وانطلاق عملية اعادة الاعمار وتحضير الاجواء المناسبة لاجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وفق قانون انتخابات عصرى ونزيه ودمج جزئى لعناصر من حركة فتح ضمن المنظومة الامنية فى غزة وتحديدا فيما يخص امن المعابر ما يعنى من جهة اخرى اننا سنكون خلال المرحلة الانتقالية امام شكل من اشكال الكونفدرالية بين الضفة الغربية وقطاع غزة وسيكون الاداء الفلسطيني-والمواكبة العربية- من حيث التنفيذ الامين والدقيق للوثيقة المصرية والتفاهمات الثنائية الحمساوية الفتحاوية حاسما وقاطعا لجهة انهاء الانقسام السياسى والجغرافى الحالى او تابيد الانفصال بين الضفة وغزة واعادة تحديث الواقع الذى كان سائدا قبل نكبة حزيران 1967 اى سلطة فلسطينية فى غزة خاضعة لوصايات عدة مصرية ودولية واخرى فى الضفة خاضعة لوصايات عدة اردنية واسرائيلية ودولية ما يعنى ايضا تصفية المشروع الوطنى بشكل عام واعطاء اسرائيل على طبق من ذهب ما عجزت عن تحقيقة بالاحتلال والقهر والمفاوضات خلال الستين عاما الماضية . فى كل الاحوال طبعا يجب عدم تجاهل الطابع الاجرائى البحت للورقة المصرية وهو امر محمود وواقعى ومسؤول لعدة اسباب منها ان ثمة وثائق عديدة وضعت من قبل وتتعاطى مع الجانب السياسى وتمت الاشارة اليها فى الوثيقة مثل اتفاق القاهرة 2005 ووثيقة الوفاق الوطنى 2006 واتفاق مكة 2007 اضافة الى عبثية ووهم ربط المصالحة بالتوصل الى توافق سياسى جديد قد لا يحصل مع اولوية انهاء الانقسام وتكريس المصالحة وتنظيم الخلافات والاحتكام الى الشعب عبر انتخابات شفافة وحرة ونزيهة رئيس المكتب السياسى لحركة حماس السيد خالد مشعل كان واضحا وصريحا فى هذه الجزئية حيث قال بالحرف الواحد فى اجتماع لتحالف القوى الفلسطينية اواخر ايلول الماضى” حول التفاهم السياسى قبل خمس سنوات لم نتمكن من ذلك فكيف الان نحن نتحدث عن الانقسام فى الجغرافيا على الارض نتوحد وبعدها ليبقى الخلاف السياسى لنذلل الصعاب على شعبنا ".تمثل الوثيقة المصرية اذن خريطة طريق واقعية ومسؤولة نحو انهاء الانقسام الكارثى والماساوى حتى لو استمر الخلاف السياسى علما ان ثمة وثائق يفترض انها حسمت هذا الامر او على الاقل وضعت خارطة طريق لانهائه-وثيقة الوفاق الوطنى- وامام الفلسطينيين سنة تقريبا لترتيب البيت الوطنى الداخلى وبلورة قيادة او مرجعية عليا لوضع استراتيجية متفق عليها لادارة الصراع مع اسرائيل ترقبا للاعلان الرسمى عن فشل المفاوضات والا فاننا سنكون امام كونفدرالية بين الضفة وغزة او انقسام سياسى وجغرافى ابدى ودائم وفى الحالتين نحن امام انهاء للمشروع الوطنى وهدر للتضحيات الجسام التى قدمها الشعب الفلسطينى بمختلف فئاته وفصائله لاكثر من نصف قرن من الزمان . مدير مركز شرق المتوسط للاعلام