لم تعد الدبلوماسية الرسمية أوالسلطوية القاصرة على الدولة ومؤسساتها الرسمية هى الشكل ألأكثر فعالية فى ألأتصال بين الدول والشعوب ، فى عصر تتوغل فيه العولمة ألأعلامية والثقافية والأجتماعية كل مظاهر الحياة الكونية ، فقد أفسحت هذه العولمة المجال واسعا أمام أشكال مؤثرة وفاعلة من ألأتصال والتواصل الدولى أو ما يطلق عليه اليوم بالدبلوماسية الشعبية ، والتى قد تلعب دورا يفوق من حيث تأثيره الدبلوماسية الرسمية أو ديبلوماسية الدولة ، وخاصة فى الدول المنفتحة سياسيا وديموقراطيا ، والذى يفسح المجال أمام قوى ومؤسسات المجتمع المدنى عابرة الحدود أمكانات كبيرة للأتصال والتأثير ، وهذا ما نلمسه فى العديد من صور المساعدات والقوافل ألأنسانية التى تتدفق على غزة والعديد من المناطق ألمنكوبة فى العالم . ومما يساهم فى عملية الترابط بين هذه المؤسسات المجتمعية أنها متحررة من روابط المصلحة الوطنية الضيقة لدولها ، وتجمعها منظومة من القيم ألأنسانية والعالمية التى تدفع فى أتجاه خلق المواطنة العالمية الواحده ، ومن خلالها تنتفى كل مظاهر التمايز العرقى وألأثنى ،وقيم ألأستعلاء ، والنظرات الدونية للدول النامية أو التى يحلو تسميتها بالدول المتخلفة ، ومفاهيم القوة والسيطرة وألأستغلال . ومن ميزات هذا الشكل من الدبلوماسية الشعبية أنه غير مكلف ، ولا يحمل الشعوب أعباءا مالية كبيرة ، بل انه يساهم فى تخفيف المعاناة عن كاهل الفقراء والمحاصرين والمستضعفين من شعوب العالم الثالث. ولا يقف دور الدبلوماسية الشعبية فى تقديم المساعدات للشعوب ألأخرى ، بل أنها تشكل قوة دفع وتأثير فى صناعة الرأى العام فى دولها ، وهذا الرأى العام له تأثيره فى عملية صنع القرار وخصوصا فى الدول الغربية التى تعمل أنظمة الحكم فيها على كسب ود الرأى العام فيها ، وخاصة فى أوقات ألأنتخابات على كافة مستوياتها الرئاسية او ألتشريعة او المحلية . وتعبر الدبلوماسية الشعبية عن نفسها فى خلق المؤسسات البديلة للمؤسسات الحكومية الرسمية ، لذلك تتسم بتعددها وتنوعها لتغطى كافة شرائح المجتمع .وتتميز الديبلوماسية الشعبية بتحررها من كافة القيود البروتوكولية والرسمية التى قد تحد من فاعلية الديبلوماسية السلطوية ، فهى ليست ملزمة بإتباع أسلوب عمل ملزم على الجميع ، بل على العكس تتسم بالمرونة وألأتساع والتنوع فى التعامل مع الشعوب الأخرى ، وتستخدم لغة واحده يفهمها الكل ، هى اللغة ألأنسانية المشتركة . وتتعدد أشكال الديبلوماسية الشعبية من ألأتحادات النقابية العمالية ، والوفود السياحية والطلابية ، وألأتحادات النسائية ، ونشطاء السلام والحقوق ألأنسانية ، والمنظمات الشبابية ، والبرلمانية الرسمية وغير الرسمية بما فيها برلمانات الشباب وألأطفال .ومن اشكالها المعاصرة المهرجانات الفنية ، والمؤتمرات العلمية ومؤتمرات رجال ألأعمال ، وكل اشكال ألألعاب الرياضية وخصوصا الألعاب ألأولومبية التى تجمع العديد من الفرق الرياضية فى العالم ، ألى جانب جمعيات الصداقة بين الشعوب التى باتت تتزايد وتنمو فى السنوات ألأخيرة ، ومن بين اهم هذه الأشكال المؤسسات وألأتحادات الرياضية التى توحد شعوب العالم حول تأييد فرق رياضية معينه. كل هذه المؤسسات التى تغطى كل أشكال العلاقات بين الشعوب تهدف الى تعميق اواصر التفاهم والتواصل بين الشعوب ، وتخلق لغة مشتركة فى تبنى كل القضايا التى تعانى منها العديد من الشعوب كحصار أبناء الشعب الفلسطينى فى غزة.وتترجم هذه العلاقات فى صور من الضغط على أنظمة الحكم فيها ، وبؤر صنع القرار على كافة مستوياته لتاتى بسياسات وقرارات داعمة للشعوب فى العالم الثالث الفقير . وتبدو أهميتها أيضا على مستوى المنظمات الدولية بكل فروعها وتخصصاتها . وأهم ما يميز هذه ألأشكال خلق ولاءات تتجاوز ولاءات الدول الضيقة . وتبدو أهميتها بشكل واضح فى اوقات ألأزمات والكوارث التى تصيب عددا من الشعوب ، وـاخذ الشكل الدعم أشكالا متعدده كقوافل المساعدات التى تتدفق على غزة ، وكمشاركة المتضامنين ضد الجدار والسياسات التعسفية التى تقوم بها أسرائيل فى الضفة الغربية ، وفى المسيرات الشعبية التى تجوب العديد من عواصم العالم أثناء الحروب ، ومثال الحرب على غزة كانت مثلا واضحا على هذه المسيرات التى أجبرت دولها على التدخل والضغط على أسرائيل لوقف حربها المدمرة على غزة. هذا الشكل من الديبلوماسية لم يلق أهتماما كبيرا من الفلسطينيين ألا فى ألأونة ألأخيرة ، وهو يفوق ما تقوم به الدبلوماسية الفلسطينية الرسمية ، ولو أردنا ان نقارن بين ما حققته الديبلوماسية الشعبية واالرسمية لفاقت ألأولى الثانية فى نواح كثيره ، فما قدمته مثلا سفينة مرمرة يفوق ما قامت به كل السفارات الفلسطينية فى الخارج . وهذا يتطلب تخصيص أدارة كامله لهذا الشكل من الدبلوماسية الشعبية لأنه يجعل القضية الفلسطينية قضية أهتمام عالمى وهذا ما نريده . |أكاديمى وكاتب عربى drnagish@gmail.com