بعد أربع سنوات ونيف في ضيافة المقاومة الفلسطينية، قضاها في التفكر والتأمل والدراسة والتحليل والمقارنة، حيث أبحر جلعاد شاليط في قراءة كتب الأديان والعقيدة وما صاحبها من الدخول في جدل بيزنطي عقيم مع مضيفيه، وفي نهاية السنة الثانية من ضيافته تحول الجدل إلى شغف وإقبال على تفسير القرآن الكريم وخاصة السور والآيات المتعلقة ببني إسرائيل وأنبيائها فوجد الفرق الشاسع ما بين ما هو مكتوب في القرآن وما كتب في التلمود والأسفار المحرفة والتي أيقن أنها من صنع البشر وليس من عند الله، كما درس وتعمق في الأشهر الأولى من السنة الثالثة في حياة محمد صلى الله عليه وسلم فأعجب بها كثيراً وتعلق بها وحبها ولكن أسئلته كانت لماذا المسلمون لم يقتدوا بنبيهم؟ ولم يتحلوا بخلقه؟ فالواقع يبين أن اليهود والغرب يتعاملون فيما بينهم أفضل من المسلمين وبقى على حاله لأكثر من 5 شهور حتى وصل في النهاية أن المسلمين ومعاملاتهم ليس مقياس ودليل على أنه ترجمة حقيقية لدينهم وإسلامهم فدينهم يتعامل مع الفطرة والإنسانية بكل شفافية وفيه من الأحكام الشرعية والفقهية الضابطة للحياة والحرية الشخصية والجماعية ويحتوي على الآداب والأخلاق التي لو تحلت بها أية أمة لشاع صيتها وعلا شأنها على باقي الأمم، وبقيت مسألة كبرى مقلقة لشاليط ألا وهي فلسطين "أرض إسرائيل" والصراع السياسي على الأرض ومصير الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني، فالإسرائيليين ليس لهم وطن والأجداد الذين تركوا بلادهم الأصلية مات معظمهم وأن الموجودين هم مَنْ ولدوا على هذه الأرض ولا يعرفوا لهم وطناً بديلاً فأنا من مواليد مدينة نهاريا في 28/8/1986 وأبي نعوم وأمي من فرنسا وأحمل الجنسية الفرنسية، كما أن الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين مهجرين في أصقاع الأرض ويحملون جنسيات الدول التي يعيشون فيها ولكن حياتهم غير كريمة وخاصة ما يلاقونه في بلادهم العربية "كما يقول شاليط"، هذه هي القضية التي كانت تؤرق مضجعه ويقلبها يمنة ويسرةً ويناقش مضيفيه في قصر الضيافة، ولكن دائماً يقول "الحل غير مقنع" لابد من وجود حل لهذا الصراع، فناقش إلحاق غزة بمصر والضفة بالأردن، الحكم الذاتي للفلسطينيين، حل الدولتين، الدولة الواحدة متعددة الأعراق والأديان، عودة اليهود إلى بلادهم كما قالت هيلين توماس في الثاني من يونيو حزيران الماضي "على إسرائيل أن تخرج من فلسطين، ففلسطين فلسطينية، وليذهب اليهود إلى موطنهم إلى بولندا وألمانيا وأمريكيا..." كل هذه الأطروحات والمبادرات كانت على طاولة النقاش بالتحليل والتفكير ولكن شاليط لم يصل مع مناقشيه إلى حل فالإسرائيليين من وجهة نظره غير ناضجين إلى الشراكة ولن يسلموا القدس وسيقيمون الهيكل مكانه، والفلسطينيين متمسكون بأرضهم ولو قتلوا عن بكرة أبيهم، فالحل في وجهة نظره (يقول للأسف) سيبقى سفك الدماء متواصل إلى نهاية لا يعلمها إلا الله، وعن موقفه من الحكومة الإسرائيلية وغيرها من الحكومات السابقة، فيقول أنها نسخة مكررة تستنسخ نفسها هدفها الأول والأخير البقاء في السلطة وتسجيل مواقف بطولية إلى رجالها، فالحكومة مشروع استثماري تجاري للشخص وللحزب، فهي تدخل في حروب مع جيرانها لتخفي الصراعات الداخلية سواء الدينية أو العرقية أو الحزبية و يقسم "شاليط" لولا الصراع السياسي لتفككت إسرائيل منذ قيامها، وحول قضيته يقول بصوت هادئ بعد تنهيدة يشعر بألمها الدفين، ظننت أن الجندي الإسرائيلي عزيز على الحكومة الإسرائيلية كما هو عزيز على أهله ورفاقه، وظننت أنني لم أمكث غير أشهر لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة بأقصى حد، ولكن عندما دخلت في السنة الثانية أقنعت نفسي بأن السجن سيطول وحدثتني نفسي أن نهايتي قد اقتربت لأن خروجي حياً بات حلماً ضعيفاً وتسرب اليأس إلى قلبي فحزنت وكدت أن أصاب بالاكتئاب، وما كان يخفف عني إلا تلك الكلمات التي كنت أسمعها من أولئك المكتوب عليهم أن يكونوا معي في صلواتهم ورغم أنني كنت لا أفهم معناها ولكن أشعر براحة نفسية عندما أسمعها وأنتظر الصلاة تلو الصلاة لأبقى أسمعها حتى فتح الله عليّ وعلموني اللغة العربية على أصولها لفظاً وكتابة وأصبحت أقرأ القرآن بصورة جيدة، ومن هنا بدأت رحلتي مع الإسلام الذي وجدت فيه النور والهدى، الحكمة والمعرفة، الأخلاق والإخلاص وبدأت لا أهتم بما يدور من حولي من أوضاع سياسية، لأنني كنت مشغول بشيء أراقبه في داخلي يتحول شيئاً فشيئاً حتى جاء اليوم الذي طلبت ممن حولي أن أدخل في الإسلام، ففرحوا فرحة تخفي وراءها تخوفاً وتوجساً، قرأتها في عيونهم، فرحوا لأنهم السبب في دخول شخص الإسلام وما أعده وبشره الله لهم وتوجسوا وخافوا من أن الصفقة أصبحت في الماضي فإن علمت إسرائيل بإسلامي فلن تطالب فيَ بل أكون قد قدمت لها طوق النجاة للتخلص من هذا العار الذي لحق بها وهزها أمام جنودها ومواطنيها وسيبقى الأسرى أسرى في الزنازين والأغلال والسجون.