خبر : الشهيد مجاهـد .. الجندي المجهول... بقلم : ابو علي شاهين

الأربعاء 08 سبتمبر 2010 01:33 م / بتوقيت القدس +2GMT
الشهيد مجاهـد .. الجندي المجهول... بقلم : ابو علي شاهين



                                           دردشة رقم 31هذه دردشات سيكون بعضها قديم وبعضها جديد ..وبعضها عليه تعليق ما / وآن أوان نشرها . ’ضفتان للأردن .. هذه لنا وهذه أيضاً ’ بيت من قصيدة لزئيف جابو تنسكي الزعيم الصهيوني اليميني . مقدمةإطلعت في شبابي ـ في مجلة المصور المصرية ، على كتابات الأستاذ المناضل القومي العربي / حبيب جاماتي ، وكانت تحمل عنواناً رائعاً ’تاريخ ما أهمله التاريخ’ ..، كنت أود أن يكون هذا العنوان .. هو عنوان هذه السلسلة من هذه الدردشات ، ولكنني فضلت الإبقاء على العنوان أعلاه .إن قلة تعرف من هو الشهيد مجاهد / عمر أبو ليلى .. هذا المناضل الفتحوي .. الذي عاش ضنك الحياة .. وعندما عرف الخطوات الأولى من رفاهيتها .. رفضها وإلتحق بحركة فتح .. وكان من الطلائع العسكرية الأولى إثر إنطلاقة حركة فتح الوطنية النضالية الثورية في [1/1/1965] ..، .أعتقل في سجن الزرقاء العسكري .. وأفرج عنه ضحى يوم [5/6/1967] .. توجه للأرض العربية الفلسطينية فوراً .. لكن ( ....،....،.....، ) ، سرعان أن ولىّ وجهه شطر الشام (دمشق) ، حيث قيادة حركة فتح آنذاك ، وهناك قاد معسكر الهامة .. صاحب الدور التاريخي في الإنطلاقة الثانية [28/8/1967].ووقع عليه إختيار القيادة ، ليكون عضو الدورية القيادية المصاحبة للأخ / أبو عمار .. في الأرض المحتلة ، وأوكلت له مهمة قيادة الشمال [نابلس، طولكرم، جنين] ..، ألقى عليه القبض في مثل هذا اليوم (عام1967) ، بعد مقاومة يدوية عنيفة في كراج باصات مدينة جنين المركزي وتم نقله إلى مقر الحاكم العسكري الصهيوني ، ومن ثم أخذ إلى داخل حدود إحتلال (1948) .. هدأت السيارة التي تقله من سرعتها وعلى مرأى ومشهد من عمال النافعة عند (مثلث السيلة الحارثية ـ جنين) .. شوهد وهو يحاول ، وأيديه مكلبشة .. أن يضرب بكلتا يديه .. بحجر كبير .. الضابط ـ القائد للدورية .. أطلقت عليه النار .. ورحل شهيداً إلى ملكوت السموات العلى . كم نكرم ونغدق التكريم للشهداء بعد رحيلهم ، وكم نضن عليهم الضنن الشديد بإهدائهم وردة في حياتهم ، بعد رحيلهم وإستشهادهم نخنقهم في قبورهم من كثر باقات الورد التي نضعها تباهياً على قبورهم ، وكم وكم وكم كانوا ينتظرون وردة واحدة تهدى لهم في حياتهم ، رحل الجندي المجهول الشهيد مجاهد .. في أحد قبور الأرقام مجهول الإسم ..، آه يا وطن .. آه يا وطن العرب كم ظلمت جنودك المجهولة في حياتهم وبعد رحيلهم. مجاهد أنت حي بيننا وكثير من أدعياء الحياة موات في عيشهم ، حيث لا حياة لهم وهم يدبون كالأنعام على الأرض .(1)  الشهيد مجاهد على درب الثورة.جاء شهيدنا / عمر أبو ليلى ، من لدن أسـرة مـزارع فلسطيني ،ارتبـط من المهد إلى اللحد بالأرض،  جاء يحمل اسمه ورسمه وروحه ،وليتعمد في ’ فلسطين ـ فتح ’ بالاسم الحركي (مجاهد أبو بكر) .في مسارب الظباء .. وهي ذاتها دروب الثوار يضيق الدرب ويطول .. ويمتد عبر الأفق ..راسماً لوحـة الحياة .. / بكل معاني الحياة.. لوحة مشهد انتزاع الحقوق الشرعية مسيرة تذليل الصعاب والعثرات والعراقيل .. وتتداخل المواقـع والموانـع.. / وتختلط الآمال بالآلام .. / وترتفع الجبال بهامات الثوار حيث تعشعش النسور ويعود الثوار إلى أحضان الأودية مـد وجـزر .. عنوان رحلـة العطاء بالديمومة والبذل والتضحية والفداء وصولاً للإنتصار .ويتشبث الثوار بالهدف ، تشبث الرُسل بالفكرة .. تشبثُ الأنبياء بالرسالـة ..تشبث القديسين بالدعـوة..  تشبث الصالحين بالطهـارة .. تشبـث رحم الأم بالجنيـن .. تشبث الأرض بتباشير زخات المطر .سار شهيدنا على درب الظباء ، على درب ’ فتح ـ الدماء ’ ، درب تعريض الذات للخطر، مضى شهيدنا على درب الظباء ، تبختر وهو يقتحم ، نسج لُـحمة المستقبل وسُـداة الغد بالنار وتوهج النور من عمق شلال الدماء المتفجر على جغرافيا وتاريخ وإنسان الديار العربية الفلسطينية ، وتعمق اكثر وتعملق أكثر واكثر ، وهكذا نسج معادلة النصر لتحرير الأرض والإنسان ، ويكون المسار ويطول المسير ، ويطول ويطول ويطول ، ويزداد عبء وعثاء السفر .. حقاً وحتماً النصر آتٍ آتٍ مهما طال السفر ، ولن تكون الخيانة وجهة نظر.(2) شهيدنا .. الميلاد والإقتلاع.كان مسقط رأس الشهيد ( عمر أبو ليلى ) في قرية يازور (1) وذلك عام 1938 وهي من القرى الزراعية الكبيرة في / قضاء يافا ـ لواء اللد / .. ، أي أثناء تصاعد الفعاليات النضالية الثورية .. بما فيها المواجهات العسكرية في طول البلاد وعرضها .. ضد المشروع الإستيطاني اليهودي ( الييشــوف ) (2) وضد جيش الإنتداب البريطاني – الصهيوني ، بما عُـرف في تاريخنا بِ [ الثورة العربية الكبرى في فلسطين / 1936 ـ 1939 ] .وشاركت قريته مشاركة مميزة في التصدي للمشروع الإمبريالي الإستعماري البريطاني وربيبهُ الصهيوني ..، منذ مظاهرات (30/3/1919) في القدس وهي أول مظاهرة عربية .. طالب المتظاهرون بإلغاء ’وعد بلفور’ ، وذلك لقربها المسافي من مدينة يافا ، ولتداخلها في المجتمع اليافاوي مع شقيقاتها من قرى القضاء .. خاصة الكبيرة منها .. (سَـلمه ، بيت دجن ، العباسية) ، التي شكلت زاداً للدفق الوطني الثوري في يافا .. في مواجهة الوجود الصهيوني في تل أبيب . وشكلت قرية يازور وشقيقاتها من القرى المجاورة معيناً لا ينضب من ’ النجدات والفَـزْعات ’ إلى يافا وجميع القرى القريبة التي تهاجمها العصابات الصهيونية ــ . وكانت الأغلبية الساحقة من هذه القرى قد إنحازت إلى ’ المجلسيين ’ أي أتباع الحاج محمد أمين الحسيني رئيس المجلس الإسلامي الأعلى .. وقائد النهج الوطني .. وتبلور الموقف في أحداث خريف عام 1947 وعام 1948 ، حيث شاركت قريته في النضال الوطني بدور مميز  سواءاً بالدفاع الذاتي عن القرية أو بدعم صمود يافا ، أو إرسال ’ النجدات’ إلى القرى القريبة التي تهاجمها  العصابات ’ اليهودية الصهيونية’ . ولكن إثر مجزرة ’ دير ياسين ’ (3) [والنتائج والمضاعفات النفسية المترتبة عليها، وتصعيد هجوم العصابات ’ اليهودية –الصهيونية’ المنظم القاضي بتفعيل خطة ’دالت’ القاضية لفك الحصار عن القدس والهجومات المضادة على المدن العربية لاحتلالها واحتلال مفاصل الطرق المعبدة ، هذا الهجوم المدعوم سياسياً وتمويلاً وتسليحاً من الكتلتين الغربية والشرقية ، وعدم تكافؤ فعالية القوة العسكرية وجاهزيتها بين / القرية العربية الغنية نفراً و- استعداداً للتضحية ولكنها الفقيرة ’عتاداً وتسليحاً ’ والهجوم اليهودي الصهيوني المدجج بالسلاح والعتاد والتدريب الغربي](4) أُجبرت أسرته مع أهالي القرية على النزوح ، وذلك يوم ’ عيد العمال العالمي في 1/5/1948 م ’ ، وأقاموا على أنقاضها مستوطنة آزور الصهيونية ، قبل نهاية نفس العام .( 3 ) شهيدنا .. ترعرع في ’عناتا’ والذكرى ليازور.       استقرت الأسرة في مخيم ’ عناتا ’ بمنطقة القدس ، وذاقت الأسرة شظف العيش بعد طيبهِ، ولكن هذا لم يمنع الأب المعروف بنضاله دفاعاً عن قريته ، الذي لم ينل قسطاً من التعليم من الإصرار على تعليم أبنائه ، حيث التحق شهيدنا بمدارس وكالة غوث اللاجئين ’ الاونروا ’(5) ، فأتم دراسته الابتدائية والإعدادية ، ومن ثم انتقل لتحصيل تعليمه الثانوي في مدارس القدس ، حيث شارف على إنهاء دراسته الثانوية هناك ، وهنا تتجلى عبقرية المواطن الفلسطيني .. فبعد إجتثات معظم البنية التحتية للمجتمع الفلسطيني عام 1948 بغياب الدولة غياباً نهائياً ، عمد الى اسرته فكانت حاضنة تطور كفاءاتهُ ونبوغهِ، وشكلّت الوعاء البديل للدولة المفقودة .        كان الابن البكر ’ عمر’ معروفاً بين أقرانه بوطنيته الفلسطينية المتقدة ، لم يرد أن يلتحق لاكمال دراسته ، بل بحث عن أقرب الطرق الى فلسطين .. وتحرير فلسطين ؛ من أجل العودة لأحضان ’يازور’ الذي عرفها وهو ابن العاشرة .. والذي أبقاها أباه حية نابضة في ذاكرته وهو يحدثه في الغرفة الضيقة مع شقيقه عن ’يازور’ وبياراتها(6) .. والمياه العذبة في ’الجابية’ (7) وخريرها الساحر في جوف الليل وهي تنطلق عبر القنوات لإرواء أشجار الحمضيات ..، لم يسمع شهيدنا .. غزلاً قط كما كان يسمع والده وهو يتغزل في الأرض والبيارة والجابية ورَوْح البرتقال وأريج زهوره وعسل النحل الصافي الذي تُحجز قطفتهُ البكْرسلفاً من قِبل تجار يافا، والحياة الجميلة حيث كانت ’ أم عمر ’ تأخذ فأسها مع فأس زوجها من أجل   ’ صوغ حياة أفضل ’ . واليوم في مخيم عناتا / حيث أورثت الأُسرة الغرفة الوحيدة الضيقة .. بعد الخيمة التي مزقتها الرياح مراراً ، آه .. أين منا تلك الأيام الخوالي/ .. فعلاً يا حسرة على تلكم الأيام .. كم كانت جميلة ، و’ أم عمر ’ تُقلب بصرها وترنو غرباً وصوتها يرتفع وهي شاخصة الأبصار ’ يا ترى حَتْعود الأيام ونْرْجَع ليازور وترَجِع يازور إلْنا ، ’ وتضيف ’  ساق الله على أيامك يا يازور .. أيام الخير ، كل الناس كانوا يشتغلوا في بياراتنا واليوم أبو عمر ما يلاقي حد يْشَغْلوا عنده .. يا وَلَدَاه !! ’ .( 4 ) السلاح الشيوعي بأيدينا لأول مرة .وشَخَصَ شهيدنا ببصره .. وهو تلميذاً في المدرسة مع أقرانه نحو القاهرة .. وسُمْعة القائد العربي جمال عبد الناصر تتنامى في أركان الوطن العربي عامة ، وبين صفوف الشعب الفلسطيني خاصة ..، فها هو يؤيد ثورة شعبنا العربي الشقيق في الجزائر تأييداً منقطع النظير تسليحاً وتدريباً وتمويلاً ودعماً سياسياً لم يسبق له مثيل في الساحة العربية.. ويقاتل بلا هوادة سياسة الارتباط بالأحلاف الغربية خاصة  ( حلف بغداد ) ، لأنها تصطنع من الاتحاد السوفياتي عدواً ثابتاً للأمة العربية ..، وها هو يطرد الانجليز من قناة السويس ( 1954 ) ، ويقاتلهم في العدوان الثلاثي (1956) وينسحبوا .. ثم يقيم دولة الوحدة العربية (1958) ، والأهم .. إن أمتنا العربية تناضل وتقاتل ضد سياسة الاحلاف الأجنبية خاصة لانها تجعل من ( الكيان الصهيوني ) – بشكل أو بآخر ، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة – عضواً كامل العضوية في هذه الأحلاف الشرق أوسطية بل وتجعل منها عضواً مميزاً وبارزاً .. وإن لم يكن ظاهراً على الموائد الرسمية أمام الكاميرات .       شَخَصَ شهيدنا نحو / جمال عبد الناصر / كما شَخَص كل أبناء جيله ..وهو يُحاكم تجار صفقات الاسلحة الفاسدة/ أحد الأسباب الرئيسة لهزيمة ونكبة عام 1948 .. وبعد اعترافه بالصين الشعبية (1955) يُعلن في سبتمبر- أيلول / عام 1955م صفقة السلاح الشرقي / التشيكي – الروسي / ، وسمع والده .. المناضل المُـسَـيَس المؤيد للهيئة العربية العليا  بزعامة الحاج محمد أمين الحسيني وهو يتحدث مع أصحابه في المخيم .. بأن ما يدور حول صفقة ’ السلاح الروسي ’ هو مسألة في غاية الأهمية ..، فهذا ’سلاح -الستار الحديدي ’ ويهزأ ساخراً هذا السلاح شيوعي/ سلاح كافر / سلاح ملحد.. وهذه الصفات أطلقها ’الغرب’ على ’ الكتلة الشرقية – الاشتراكية ، بقيادة الاتحاد السوفياتي ’ ، وهذه الكتلة / كتلة حلف وارسو / ، هي معادية للغرب الذي سَلَم قضيتنا للصهاينة .. ، حقاً إن أوروبا هي أم وداية إسرائيل وأمريكا الحاضنة والمربية والراعية . إنه الغرب نفسه الذي لم يحتج على التهجير القسري لشعبنا .. ، أي لقد وافق الغرب .. بكل ما لديه من علم وثقافة وحضارة على التطهير العرقي في فلسطين سواءاً بالقتل المباشر أو الطرد الجماعي / ’الترانسفير’ / .، لقد مارست الحضارة الغربية عنصريتها بالتخلص ( إبادة ) من أتباع الأديان والالوان والقوميات والتجمعات البشرية غير النقية ، منذ الكشوفات الجغرافية ( 1492 ) ، وعبر تاريخها الإستعماري بشعوب وأمم الأرض ، وبرز ذلك بوضوح ضد الهنود الحمر في الأمريكيتين ، حيث لم يعترفوا بأن السكان الأصليين .. هم بشر لهم روح .. وبالتالي لا يمكن تعميدهم مسيحياً ، وهذا دام لأكثر من ثلاثة قرون منذ إحتلال جيوش الجنس الأبيض لبلادهم . لقد أبادوا عشرات الملايين من الهنود الحمر على أيدي الجنس الأبيض ، ولعل التجربة العنصرية النازية الألمانية التي نفذها هتلر ليست إلا جزء لا يتجزأ من المفهوم الحضاري الغربي ،  الذي أُحرق اليهود وهُلَكَ معظم الغجر وقُتل الملايين من أبناء الأمم بالسلاح الألماني ، وقامت الحضارة الغربية بتصدير بقايا اليهود كفرصة تاريخية للتخلص منهم ، وكأنها تُـكَـفِّـر عن آثامها وتتخلى عن عقدة الدم .. ولكن هذا التكفير ! تم على حساب الحق التاريخي للمواطن العربي الفلسطيني . تحدث أهلنا .. وسمع شهيدنا هذا الحديث بشكل أو بآخر .. حول هذه المواضيع ، حول السياسة وما يدور فيها ومن حواليها .. تحدثوا كبار الأهل .. والصبي اليافع يستمع بكل شغف .. بأن صفقة السلاح هذه تمت لعوامل وأمور كثيرة .. ولكن أهمها أن جمال عبد الناصر يريد تسليح الجيش المصري ، بعد تكرار الغارات العدوانية ’ الاسرائيلية ’ على كامل الحدود العربية مع فلسطين المحتلة ، وخاصة بعد الاعتداء الإسرائيلي الكبير على غزة [ ما أطلق عليها حادثة 28/فبراير -شباط / 1955..] واستشهاد اكثر من 39 جندياً وضابطاً مصرياً وفلسطينياً ..، وبالفعل تم كسر احتكار السلاح الغربي ، بما لهذا العمل من نتائج ومضاعفات على مستوى فلسطين والمنطقة والعالم ، حيث وصل ’الروس ’ أخيراً إلى المنطقة العربية ومن أوسع الأبواب ، بعد حرمان دام قرون بقرار من الدول الأوروبية جميعها ، فالوطن العربي منطقة صراع أوربي فيما بينهم ما عدا ’ الروس ’ . وإلى اللقاء في [ الجندي المجهول / الشهيد مجاهد ] الحلقة الثانية غداً ...  أبو علي شاهين رام الله / ليلة القدر 6/9/2010