هنا في غزة حالة حياة نادرة ، لم تفلح أدوات النقل من صحافة وفن وغيرها ، أن تحكي قصة اللحظة الراهنة فيها ، أحتاج أن أكون مباشرا وغير منتظم ولا تابعا لشرط في أتونها ، لقد تحول جزء كبير من أهلها الأصليين – الطيبين - إلى مسوخ ، فيما أتلف الفقر قدرة التقليديين البسطاء على تجاوز تضاريسهم ويومياتهم التي تلوك بأضراسها جثثهم دون رحمة ، وسرت لوثة التحاسد والكراهية بين الناس إلى حد صرت تخشى فيه فعلا ، أن ينظر أي من الناظرين لطفل صغير وسيم ، في غزة وقبل حوالي عام أوقف قائد سياسي وثقافي على خلفية جرائم وتعديات جنسية ، مثل هذه الحادثة عادية جدا لولا هذه / ألا وهي أنني شخصيا أتحدى أيا منكم أن يجد لما فعل هذا الرجل ثيمة نفسية واحدة داخل شخصيته فلا هو منها ولا هي فيه ، ورغم ذلك حدث ما حدث يقينا لا كذبا ؛ وبتفنن ووقاحة منقطعة النظير ، وفي غزة تحديدا اكتشفت بما لا يقبل مجالا للشك أن مدراء في مؤسسات كثيرة يسرقون جزءا من رواتب صغار الموظفين دون كبارهم خاصة لدى المؤسسات الأهلية ، ابن رجل محترم وقائد سياسي ، تاجر فعلا بفروش الحشيش التي تأتي ملفعة بمبرر الإغاثة عبر الأنفاق ، الأنفاق وما أدراك ما هي ؟؟ عرفت في مناطقها مجموعة من الناس أقسم بالله أنها لا تساوي في سوق النخاسة شيكلا واحدا ، أصبحوا أصحاب رؤوس أموال تتراوح بين 300 ألف دولار إلى مليوني دولار ، وغيري سواي حدثني عن أحدهم وصلت ثروته النفقية لا النفطية إلى قرابة ثلاثين مليون دولار – يعني كجورج وسوف – ، ولدي أمثلة وقصص تتعلق بممسوخين من نوع آخر ، يربون لحيتهم معتقدين أنها مدخلهم لسادة غزة الجدد بل يلونون لهجتهم بعبارات سادة غزة الجدد كقولهم ( الله يكيمك يا أخي الكييم – الله يرضى عنك بدلا من الله يرضى عليك ) ، وسط ذلك كله ، فإن طبقة التجار ضربوا أسعار سلعهم بعشر أضعافها بحجة إغلاق المعابر ، والمضطرون يشترون / وهم هنا أهل غزة كلهم ، فيما انتشرت طوائف من الشيوخ الروحانيين الموصوفين سرا ؛ تفوق كشفياتهم فاتورة أكبر الأطباء في لندن أو برلين ، جزء كبير من الفتيان يتزوجون ولا أدري لماذا ؟؟؟ حيث لا منازل لهم ولا عمل ولا أمل ؛ ورغم ذلك " ربك بيرزق بس اعزق " . في غزة أيضا تسود حالة من الحقد المتبادل والكيد الدائم بين أي زملاء في أي مؤسسة ، موظفون في مؤسسات كثيرة يطرحون أنفسهم في أماكن عملهم كملاك للمكان ، يحاكمونك دون أن يعلنوا ، على مجرد مجيئك لمكاتبهم حتى لو مستفسرا/ لا طالبا خدمة ، وألاحظ أيضا إقبالا مهولا على الطعام وتحديدا اللحوم ، حيث أشاهد الناس يهجمون عليها بأنواعها من طيور وحيوانات وربما بشر ، ويشترونها سواء مجمدة أو مجففة أو طازجة ، فيما الكل الكل الكل يبحث عن عمل ، وأكرر الكل هنا أي حتى من يمتلك عملا محترما يعيش منه ، يبحث عن عملين غيره ، والكل الكل الكل يقسم أغلظ الأيمان على أنه لا يستفيد من عمله شيئا وينوي تركه ؛ فيما الحقيقة أنه يمزق الظل لو اقترب منه ، وهناك في غزة مشاع عاطفي لا حدود له ولا شكل لملامحه ، نسبة كبيرة جدا من النساء يجرين خلف نسبة كبيرة من الرجال وبالعكس ، فيما تشتكى كتل بشرية مهولة من الملل باعتباره مرض اللحظة الراهنة ، أما الصحفيون ف" رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون " من أراد أن يعرفهم فليسأل عنهم زمن حرب غزة ، وكيف تعاملوا مع المشهد الدموي الفاجع الضخم ، كما لو كان موادا خامة لصنع سلع تلفزيونية مربحة كلما كان الدم فيها أكثر ، كلما انتفخت صفقة الأجر أكثر ؛ فيما كثر تزوير الفواتير الخاصة بقيمة تكاليف العمل ، وتم إحاطتها بهالة من التخطير والتدبير ، للحصول على الأكثر ، ومن أثر الحرب توجد آلاف الأسر الغزية التي تعيش في الشارع ، وهي بتراكمها الديمغرافي الشوارعي وتردي يومياتها ، إنما يخشى على بنيتها من أزمات أو عقد نفسية غير محددة ، في غزة أيضا يتصل فريق برام الله ليخبره كذبا عن دوره في الحفاظ على ما تبقى من حركة فتح ، وكون متلقي الإتصال لا يوجد هنا ، فإن رسالة المتصل تخرج صادقة جدااا ؛ لكن الفاجعة أنني اعرف البعض يتصل ليتسول بأساليب إبداعية ، ومن جهتي وكوني في غزة لا أعرف كيف يتعاطون مع هذه الفئة الغزية الرعناء الكاذبة المتسولة ، لكنني أدرك أن هناك عقولا برام الله لم يؤثر الحصار عليها مثلنا ، وبالتالي لا تزال سليمة معافاة إلا من عاطفة هلامية أحيانا إزاء كذابي غزة . هناك فئة من الناس هنا خائفون قلقون رغم وجودهم في حالة مريحة نسبيا ، فهم يقولون إن حياتنا للوراء رغم هدوئنا النسبي لكنهم يخشون أن يصيروا جزءا من الوراء هذا ، كل ما في غزة يخرب غزة يا سادتي ، أينما وجهت عيني سال دمعي ، ونسيت في غمرة الحديث أن أقول إن هناك تهامسا عن هوس جنسي بغزة من خلف ستار ، والبعض يتكلم بمرارة عن بعض ضحاياه باعتبار السبب هو الفقر ، أما جنوب قطاع غزة ، حيث تتكوم البيوت والشوارع الضيقة وتتشرد الكتل البشرية ذات البيوت المهدومة منذ الانتفاضة الأخيرة فوق بعضها ، فقد سادت وتسود حالة من التواصل الإجتماعي المريض غير المنظم بين الناس هناك ، يتسبب بنوع من الخطايا والأخطاء المخبأة ، إذا تطورت سنسمع عنها جميعا . ما أكثر الجامعات في غزة ، لها حكايات جبارة ، بعض أساتذتها يجعل من المادة الاكاديمية خمسة أوراق فقط لا غير ، لكي لا يرهق نفسه ويضمن استمراره في الجامعة باعتبار حب الطلاب الذين خفف عنهم سيكون رصيدا له ، إلا أن بعض الأساتذة الجامعيين بات يتعامل مع عمله كرفاهية لا أكثر ، إذ اتجه لتجارة الأنفاق التي تدر مبالغ خيالية وفي مدد قصيرة ، كما تتطور في غزة ظاهرة البخل والمنع ؛ مرتبطة طرديا مع كثرة الحصول على المال ، حوااادث كثيرة وآثااام بيضاء وسوادء كثيييرة في غزة ، مما ينذر بحالة من تداخل المستويات والأطر فيها ، وتدافع الظواهر نحو بعضها البعض في مشهد لن يكون من السهل الفصل بين جزيئاته للتشخيص ذات يوم ، إنها لحظة يأس حقيقي في عمر غزة ، يأس لم يسبق له مثيل ، هذا اليأس مختلط إلى حد الالتحام باستسلام أعمى وأجساد ماتت فيها إرادة الحياة ، ومن هنا فإنني لا أتنبأ بشيء ، فالتنبؤ يقوم على الحركة أو التفاعل ؛ والحركة كاحتمال ليست واردة لا من أي نوع ولا من أي حجم . بقي أن أشير إلى أن الكذب في غزة وأقسم بالله على ذلك ، يتعامل معه أكثر من الهواء ، أعرف إنسانة ومن قبلها إنسانا آخر ، نسيا تماما كيف يصدقان ، معذوران وبإمكان أحدنا أن يسحب من جسمهما كذبا لا دما في حالة الحاجة له ، كل شيء كذب .. الكذب الكذب حتى في المواضيع البسيطة ، ربما كي يؤسس له في الكلام الكبير ، سادتي سادتي هذه هي غزة اليوم ، لا حطبا حطبت ولا عادت من الأحراش سالمة ، غزة مدينة منهكة من الداخل ، كاذبة من الخارج ، متسولة في حقيقتها وطماعة إلى حد القرف ، من المسؤول يا سادتي ؟؟ لا تسرحوا كثيرا ، قد تكون هي وبامتياز .. الناس هنا كذابة وحزينة ومقرفة وطيبة ، الناس هنا مثل اليأس ، جميل الملمس ومريح للأمعاء من الانقباض ، لكنه خادم المرض الأمين ، ومضيعنا .. لست أدري ماذا أقول سادتي ، ثم من أنتم ؟ هل انتم فعلا أيها السادة سادة ، إن كنتم من غزة فلا سادت لكم لحظة على راحة ، وإن كنت يا قارئي من غير هذه المدينة الهلام ، فارحل عن هذا المقال ، لأنه لن يجديك ولن تجديه ، انظر حولك قد تكون غزة هي النموذج الذي كان لا بد له بما آل إليه أن يصير كذلك ، لينفع أن يشبه بقية أنحاء العالم العربي تحديدا ، غزة جزء لا يتجرأ من عالم تشبهه ، لكنني وهي نعاني صدمة الاستيعاب ؛ مع انفرادنا هنا في غزة بسلعة أنفسنا وآلامنا المتكلفة حينا والحقيقية حينا ؛ نتاجر فيها على ضوء الشموع في ظل أزمة الكهرب ؛ الكهرب وليست الكهرباء . سلام يا صاحبي . الكاتب . صحفي وشاعر .