سألنى محاورى سؤالا قاطعا لا مجال للألتفاف والدوران حوله : هل أنت مع المفاوضات أم ضدها ؟ قلت وبشكل قاطع أنا مع المفاوضات ، وأستدركت ، مع المفاوضات التى تأى ولو بالحد ألأدنى للحقوق الفلسطينية ، ومع المفاوضات التى قد تأتى بالدولة الفلسطينية ؟ وقاطعنى وما الذى يضمن أن تحقق المفاوضات هذه ألأهداف التى تتحدث عنها ؟ اليست المفاوضات تعنى التنازل وخصوصا أننا الطرف الضعيف الذى تمارس عليه كل الضغوطات ؟ قلت له عندك حق فيما تقول ، وانا عندما أؤيد خيار المفاوضات ليس معنى ذلك أننى مع هذا الفريق أو ذاك ، فانا أؤيد خيار المفاوضات كأحد الخيارات التى نملكها لأدارة الصراع العربى ألأسرائيلى ، وكأداة تلجأ اليها كل الدول حتى القوية منها لتحقيق أهدافها ، تماما مثل خيار المقاومة أو أى خيار آخر ، هذا أولا ، قاطعنى أن هذا كلام نظرى لا أساس له من الواقع ، قلت له أتتفق معى أن الولايات المتحده أكبر وأقوى دولة فى العالم قال نعم ، أو اليست قادرة على شن حرب على أيران لتدمير مفاعلها النووية ، قال نعم قلت له ولماذا تلجأ لخيار المفاوضات والحوار ؟ لأن هذا قد يحقق لها هدفان ألهدف ألأول فى حال فشل المفاوضات والحوار ستجد من يدعمها فى هدفها الثانى وهو اللجؤ الى الخيار العسكرى ، وما ينطبق على الولايات المتحده ينطبق على كل الدول ، بما فيها الحالة الفلسطينية ألأسرائيلية . وعندك النموذج الثانى سوريا وأسرائيل ، لماذا ما زال الحديث عى أمكانية خيار المفاوضات بينهما ، على الرغم من أن سوريا تملك القدرة العسكرية لتحرير الجولان ، ومع ذلك التفضيل فى هذه المرحلة لخيار التفاوض ، لكن دون ألغاء للخيارات ألأخرى . وصحيح أن المفاوضات وحتى هذه اللحظة لم تحسم الصراع ،لكن ليس معنى ذلك أن نقول لا نريد مفاوضات ، فإذا كانت ألأطراف المعنية والمباشرة فى الصراع العربى ألأسرائيلى تدعم خيار المفاوضات على أمل هذه المرة أن تأتى بالدولة الفلسطينية ، فكيف لى أن ارفض ، وفى حالة الرفض ما هى الخيارات ألأخرى؟ ، رد بصوت عال المقاومة ، نعم المقاومة ، أو اليست المقاومة تحتاج الى مقومات الصمود ، وحتى المقاومة دون أهداف سياسية تكون بلا معنى ، . إذن ما هى أهدافنا السياسية فى هذه المرحلة .؟ وما الذى يمنع أن نتفاوض ونقاوم معا ؟ المسألة ليست مسألة مفاضلة ألخيارات تكمل بعضها بعضا . قلت المحاور ، أريد ان أسألك سؤالا بسيطا هل توجد قياده فلسطينية قادرة وتملك الشجاعة على التنازل مثلا عن قضية القدس أو أى قضية اخرى . قال لى لا ؟ لكنه أستدرك نفسه بذكاء الم تقل ان المفاوضات تحمل معنى التنازل ، وقلت له هذا صحيح ، المفاوضات تعنى تقديم بعض التنازلات ، وليس كل التنازلات ، وهذا هو الفارق الذى يبغى ألأشارة اليه ، والتنازل ينبغى أن يكون متبادلا ، ولا يمس الحد ألأدنى لمفهوم المصلحة الوطنية . وحتى اكون واضحا وصريحا معك فى المفاوضات لن تعود ألأمور كما كانت فى أولى مراحلها ، بمعنى ، المهم ان نحتفظ بالقدس عاصمة للدولة الفلسطينية ، لكن هذا فى الوقت ذاته قد يعنى التنازل فى جانب من الجوانب ، المهم أن التنازل الكامل لم يحدث ولن يحدث ، وهذا أمر مرفوض وغير مقبول ، فى النهاية قد تعنى المفاوضات أمكانية الوصول الى حلول وسط ن قلت لمحاورى ، دعنا نبسط ألأمور أكثر ، وفى البداية وعلى الرغم من قناعتى بصعوبة المفاوضات ، لكن لا يمكن مصادرة واستباق عدم أمكانية أحراز مكسبا ما يمكن ان يتحقق ؟ وقاطعنى ثانية وكيف ذلك ؟ وأضاف انت تعقد ألأمر أكثر وأكثر وصراحة لا افهمك . بحساب المكسب والخسارة ، الفلسطينيون خاسرون كل شئ طالما ألأنقسام ظل قائما ، وأسألك هل لنا دولة ؟ وهل من المصلحة قيام هذه الدولة ،؟ وهل تستحق المفاوضات إذا كانت ستـأتى بالدولة الفلسطينية ؟ وتصور معى ماذا لو أمكن قيام هذه الدولة ، وقبولها عضوا كاملا فى ألأمم المتحده ، وتصور معى ان قد يأتى اليوم الذى تصبح فيه عضوا فى مجلس ألأمن ؟ أليس معنى ذلك تغيير كل مجرى ومسار الصراع فى المستقبل ، ؟ وهل نملك أقتصادا قويا مستقلا ؟ أو أليست اسرائيل قادرة على أعادة أحتلال كل الضفة الغربية وتدمير كل شئ؟ كل هذه ألأحتمالات قائمه ، ولا تعنى تبريرا للذهاب للمفاوضات ، ولكنها قد تضع أسرائيل أمام مأزق ألأختيار وهذا أحد ألأهداف التى نريدها ، أن ندفع اسرائيل لخيار أعادة ألأحتلال فقد يكون فى ذلك مصلحة فلسطينية ، عندها سنناضل من أجل الدولة الواحده / وهل من مصلحة أسرائيل العودة الى خيار الحرب ، أيضا هذا الخيار ليس من مصلحتها ، وسيجعل كل العالم يشعر أن أسرائيل عبئا على ألأمن ,ألأستقرار العالمى ، وسأذهب التى التساؤل وهل من مصلحة أسرائيل الذهاب الى المفاوضات ؟ والأجابة بلا ، لكنها تريد أن تحمل الفلسطينيين مسؤولية فشل هذا الخيار ، وهدفها فى الواقع ليس المفاوضات بقدر ما هو فرض حقائق على ألأرض ، وتذويب للقضية الفلسطينية ؟ ونفس الشئ ينبغى أن نفكر فيه ، ومع التسليم بأن المفاوضات خيار فاشل ، وفى الواقع الفشل سببه ضعفنا أولا ، المهم هنا أن نذهب الى خيار المفاوضات بمرجعية وطنية واضحه ومحدده ، وبموقف وطنى قوى ، ومن الخطأ تصوير الرئيس مثلا بانه قد باع القضية ، وانه خائن ، وأنه يتنازل عن كل شئ . أعتقد أن هذه مفاهيم خاطئه وغير صحيحه . وهل يجرؤ الرئيس أو أى شخص آخر على القيام بذلك ؟ لكن سبب ذلك هو حالة ألأنقسام ، وبدلا من التكتل حول موقف تفاوضى قوى ، نعيش حالة من ألأستقطاب وألأحتقان السياسى الفلسطينيى ين القوتين الرئيسيتين فتح وحماس . فى أسرائيل هناك مؤيد ومعارض للمفاوضات لكن ما هو الفارق بيننا وبين أسرائيل ، الفارق بسيط تؤكد أسرائيل على رؤيتها وشروطها مسبقا أو بعبارة أخرى تحدد مرجعيتها الخاصة بها ، وفى الوقت ذاته كل المعارضة تقف مع حكومتها ، وهنا أشير ألى ما صرحت به تسيبى ليفنى زعيمة المعارضة ، بقولها نحن مع أى نجاح سيأتى به نيتينياهو فى هذه المفاوضات . هذا هو الفارق الكبير ، المفاوض ألأسرائيلى يستمد قوة من المعارضه ومن كل القوى ، والمفاوض الفلسطينى يستمد ضعفا .أعود الى التساؤل ثانية هل من مصلحة فلسطينية فى الذهاب الى المفاوضات ؟ نعم إذا كانت فى أطار التوافق الفلسطينى ، وفى أطار مفهوم الخيارات المتكامله ، وفى سياق أن نعرف ماذا نريد من هذه المفاوضات ؟ وماذا نريد فى حال فشلها ؟ وسأفترض الفشل لهذه المفاوضات ، عندها يمكن تفعيل الخيارات البديلة كخيار الذهاب الى مجلس ألأمن لأستصدار قرارا دوليا بقيام الدولة الفلسطينية ، والمطالبه بإنهاء ألأحتلال ألأسرائيلى ، وخيار تحميل المجتمع الدولى والولايات المتحده لمسؤولياتهما لأى فشل ، ومسؤولياتهما لحل القضية الفلسطينية ، وإلا فليتحمل الجميع تداعيات هذا الفشل . وفى الوقت ذاته لا يعنى الذهاب الى المفاوضات تجميد الخيارات الفلسطينية الوطنية من أنهاء ألأنقسام ، وأعادة بناء النظام السياسيى على أسس من الديموقراطية الحقة التى تضمن للجميع المساهمة والمشاركة فى صنع القرار ، والتساؤل ثانية اليس من المصلحة الفلسطينية مشاركة كل القوى الفلسطينية فى صياغة خيار المفاوضات ، لم تعد لغة الرفض فى حد ذاتها مجدية و المسألة ليست مرتبطه بمستقبل سياسى لأشخاص أو حتى تنظيمات بقدر أرتباطها بمستقبل شعب وقضية ، ولا شك ان صورة المفاوضات وقوتها ستختلف كثير فى حال أنهاء ألأنقسام والضعف التى نعانى منها . فى هذا السياق العام أفهم ماذا تعنى المفاوضات ، وماذا يمكن أن تجلب لنا ؟ وأخيرا كيف نوظف المفاوضات كخيار بما يخدم مصالحنا الوطنية . ويبقى خيار المصلحة الوطنية هو معيار الحكم على نجاعة أى خيار مقاومة أو مفاوضات ، ويبقى السؤال مطروحا متى نتفاوض ؟ومتى نقاوم وكيف نقاوم ؟ وكيف نوظف خياراتنا لتحقيق مصالحنا الوطنية ؟. لكن طالما هناك أنقسام سياسى ، وطالما هناك نزاع وتصادم على الحكم والسلطة ، وطالما هناك حسابات أقليمية ودولية ، ستبقى المعارضة قائمه للمفاوضات . والسؤال الذى فى حاجة ألى اجابة هل لو وجدت أيران او سوريا أو حتى تركيا أو أى دولة أخرى حتى لو كانت عربية أن مصلحتها الوطنية تقتضى الذهاب الى خيار المفاوضات ، هل سيربطون ذلك بالقضية الفلسطينية ؟ أكاديمى وكاتب عربى drnagish@gmail.com