على الرغم من نجاح الولايات المتحده حتى ألأن فى أنتزاع موافقة فلسطينية بالذهاب الى المفاوضات المباشرة ،، يبقى التساؤل القائم هل نحن امام تسوية دائمه أم تسوية مؤقته ؟ وهل سيكون بمقدور ألأطراف المفاوضة من تجاوز كل السلبيات التى أعترضت مسيرة التسوية على مدار أكثر من ستة عشر عاما ؟ والسؤال ألأهم ما الذى قد تغير حتى نذهب للقول أن المفاوضات قد تنجح هذه المرة ؟ فالملاحظ أن أسباب الفشل أكبر بكثير من عوامل النجاح ، ولعل التغير الوحيد هو تغير ألأدارةألأمريكية وتولى الرئيس أوباما الرئاسة ألأمريكية وأصراره على الدفع فى أتجاه تسوية غير معلومة الملامح ، وهلى التغير فى الأدارة ألأمريكية تغيرا أيضا فى التوجهات والحلول والتصورات ؟ وفى الوقت ذاته الطرفين الرئيسيين ألفلسطينى وألأسرائيلى ما زالت تحكمهما فجوة من عدم الثقة كبيرة ، وتزداد قوى المعارضة أكبر من ذى قبل ، بل إن قوى المعارضة فى أسرائيل من النفوذ والقوة ما يجعلها تفشل أى أمكانية لنجاح المفاوضات ، ويكفى أن نذكر بقوة المستوطنيين ، وتوجه المجتمع ألأسرائيلى نحو مزيد من اليمينية المتشدده ، وما زالت المحددات ألأيدولوجية قائمه وصلبة وتقف كالسد المنيع امام هذه المفاوضات ، والوضع ليس أحسن حالا على المستوى الفلسطينى فالمعارضة للمفاوضات أقوى من ذى قبل ، وحالة ألأنقسام تغوص فى أعماق الجسد الفلسطينى ، وحالة من الضعف ، وغياب التاييد المجتمعى الذى فقد كل ثقته فى سياسييه ، وعدم قدرتهم ، وتطحنه أعباء الحياة اليومية ، ويرى قياده غير قادرة على حل هذه المشاكل فكيف يمكن لها حل القضية الفلسطينية ؟ فالتباين فى المواقف التفاوضية يرشح بين الحين والآخر حول طبيعة واهداف العملية التفاوضية وهل هى مجرد ألإعلان عن مبادئ عامه بعبارات فضفاضه وغامضه ووعود بحل قد يذهب أدراج الرياح مع أول حالة عنف أو حرب أقليمية قد تلتهم اليابس وألأخضر فى المنطقة كلها ، أو تغير فى الحكم هنا أو هناك ، أم أن المطلوب هو الوصول الى وثيقة وإطار محدد للتسوية يحصر العملية التفاوضية فى أطر زمنية محدده ، ويضع الأسس الواضحه للقضايا الرئيسة للتفاوض وفى مقدمتها قضية اللاجئيين ؟ فمن قبل بدء المفاوضات طفت على السطح السياسى خلافات حاده حول المرجعيات ، أسرائيل لها مرجعيتها ، والفلسطينيون لهم مرجعيتهم ، والولايات المتحده تقول لا مرجعية محدده ، أما عامل الزمن فقد تركه بيان اللجنة الرباعية غامضا ومفتوحا ومرهونا بالنتائج المثمرة ، وهو ما يعنى مفاوضات غير مقيده بعامل الزمن . ولعل المعضلة ألأساسية التى ستواجه المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية هى البيئة التى تعقد فى إطارها , فمازالت بيئة المفاوضات بمحدداتها ألداخلية فى كل من فلسطين وإسرائيل والمحددات الإقليمية والدولية تعمل فى غير صالح الطرف الفلسطينى . وأن نتائج أى تسوية وما سيتمخض عنها من توازنات قوى ستعمل بلا شك ضد إمكانية الوصول إلى تسوية متوازنه لصراع تاريخى ممتد ومركب . إلى أن يتمكن العرب والفلسطينيون من تغيير المعادله التفاوضية والدخول فى مرحلة جديده قد تنتهى بتسويةأكثر توازنا وإستقرارا . ولعل أبرز ما إنفرد به الصراع العربى الإسرائيلى هو هذا التشابك فى المصالح القومية للعديد من الدول فى المنطقة وخارجها وإرتباطه بموازين القوى , ولذلك فإن إحدى أهم معضلات هذا الصراع التعدد فى أطرافه والتناقضات فى رؤياهم السياسية ومصالحهم القومية . والتى غالبا ما تأتى على حساب المصلحة الوطنية الفلسطينية . وعليه كيف يمكن أن نتخيل تسوية تحقق التوافق والتقارب فى المصالح القومية لهذه الدول وألأطراف ؟على ضؤ ذلك هل نحن على أعتاب تسوية دائمه أم تسوية مؤقته ؟ والسؤال بصيغة أكثر دقة وعلمية وشفافية :هل نحن الفلسطينيون بل والعرب عموما قادرون على تحقيق تسوية دائمه يكون لنا فيها جميعا دورا محسوسا ومؤثرا ونساهم من خلالها بشكل فاعل فى صياغة المستقيل السياسى للمنطقة ؟ تاريخيا ، تحدد الصراع بأنه رفض أو عدم قدرة طرف على إستيعاب ألأطراف ألأخرى ، فالحركة القومية العربية والحركة الصهيونية ، وهما حركتان أو قوميتان متعارضتان ومتناقضتان لا يمكن أن يتعايشا معا ، ومن هنا نجد أن أدبيات الصراع خلال أكثر من نصف قرن إتسمت بالحدة والرفض وعدم القبول أو الإعتراف ، وسادت مفاهيم مثل عنصرية وعدوانيه وإحتلالية وغير شرعية .والغريب فى ألمر أن هذه المفاهيم بدات تطل برأسها وكأننا فى مراحل الصراع ألأولى. ومع ذلك نجد اليوم أن هناك بعض التحولات قد طرأت على الثقافة الفكرية ، والمدركات ألأيدولوجية وبدأ يبرز تأثير العوامل ألأخرى كالمصالح الوطنية والتغير فى مفاهيم القوة ، وفشل ألأداة العسكرية لكلا الطرفين وخصوصا إسرائيل فى حسم الصراع فى أى مرحلة من مراحله السابقة ، وكذا التحولات التى طرأت على بنية النظام الدولى وبداية تحولات فى موازين القوى ألأقليمية ، لذلك بدأ الحديث فى مرحلة من مراحل التسوية ،وبدات تبرز مفاهيم جديده كانت فى وقت من ألأوقات محرمه فى القواميس السياسية لكلا الطرفين مثل الإعتراف المتبادل والدولة الفلسطينية ، وألإستعداد لتطبيع فى العلاقات فى سياق تسوية شامله ، إلا إن هذه المفاهيم كانت فى حاجة الى قوة دفع سياسية إفتقدتها بسبب فشل المفاوضات حتى ألأن ، والواقع المتناض على ألأرض لأى مفاوضات ناجحة ، فكيف يمكن حل قضية القدس وأسرائيل مثلا تهود المدينة بكامها ، وكيف يمكن تصور عودة الأجئيين وحتى لو كانت رمزية وأسرائيل تتمسك بيهودية الدولة ، وكيف يمكن ان تقوم الدولة الفلسطينية وعملية ألأستيطان مستمرة وتبتلع قلب هذه الدولة ؟ والسؤال هنا هل يمكن أن تشكل المفاوضات القادمة قوة دفع سياسية تدفع بالمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية الى حالة من التحليق دون التأثر بما يحدث من تراجعات أو إعتراضات على الأرض . والعملية أشبه بالطائرة الجاثمه على ألأرض وفى حاجة الى قوة دفع حتى يمكنها ان تنطلق فى رحلة منتظمه غير عابثه بالصدمات الجوية ، وقوة الدفع فى نموذجنا تتمثل فى ألأساس بالموقف الأمريكى ألأوربى المدفوع بالموقف العربى ، ففى حال توافر قوة الدفع يمكن لنا ان نتصور تحليق العملية التفاوضية وتجاوزها مرحلة إعلان مبادئ أو إطار للتسوية . ولعل هذا ما يفسر لنا فشل المفاوضات الفلسطينية فى الماضى لعدم إستعداد الولايات المتحده ألأمريكية تقديم قوة الدفع المطلوبة . وعلى الرغم من كل ذلك ستظل إحتمالات الصراع قائمه طالما لم تحدث تحولات هيكلية فى البنية الفكرية ألأيدولوجية لحالة القبول والتعايش المتبادل ، وقد يبدو فى هذه المرحلة أن القدرة على الوصول الى هذه الحلول الدائمه أمرا بعيدا بسبب المعطيات الداخلية المتحمكه فى صياغة النسيج السياسى والفكرى لصانعى القرار فى إسرائيل . وأخيرا تلوح فى ألأفق البعيد بعض من مظاهر التحول وصولا الى تسوية تاريخية لهذا الصراع التاريخى لكن ألأمر لا يقتصر على طرفى الصراع الرئيسيين بل على قوة الدفع التى يمكن أن توفرها الولايات المتحده ، وقد يشكل قيام الدولة الفلسطينية بحدودها الواضحه وسيادتها المحددة قوة الدفع المطلوبة فى هذه المرحلة , فهل الولايات المتحده على إستعداد لتقديم قوة الدفع هذه فى المفاوضات القادمة والتى قد تحمل عنوان الدولة الفلسطينية؟. أكاديمى وكاتب عربى drnagish@hotmail.com