الواضح ان نتنياهو نجح مرة اخرى في حشر الفلسطينيين والعرب في مأزق تفاوضي صعب جدا، فبعد ان اجبرهم على اسقاط كل الشروط المسبقة للمفاوضات المباشرة، حتى ابسطها المتعلقة بتجميد الاستيطان، وبعد ان نجح عبر الادارة الامريكية بجر الجميع الى المفاوضات، يفاجىء نتنياهو الجميع ايضا باعلان شروطه هو للمفاوضات والتسوية.فنشرت الصحف العبرية على لسانه انه "يرفض البحث في حدود الدولة الفلسطينية العتيدة قبل حسم قضية الترتيبات الأمنية، إذ يطالب بدولة منزوعة السلاح ومراقبة دولية على الحدود"، ونقلت صحيفة هآرتس/22/8/2010 عن موظفين كبار قولهم "إن نتنياهو أبلغ الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ووزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، والمبعوث جورج ميتشل، إن "الحدود سترسم وفق الترتيبات الأمنية التي سيحصل عليها"، واعلن نتنياهو أمام وزرائه"إن هناك ثلاثة أسس تتمسك بها إسرائيل من أجل إبرام الاتفاق هي : تحقيق الترتيبات الأمنية الإسرائيلية، واعتراف فلسطيني بإسرائيل دولة لليهود، وأن يشكل هذا الاتفاق نهاية للنزاع"، مشيرا إلى "أن هذا الاتفاق صعب جدا لكنه ممكن".المحلل السياسي لصحيفة "هآرتس"، ألوف بن، كتب: " ان التوقعات من المفاوضات المتجددة لا تتجاوز الصفر، وغالبية الجمهور الإسرائيلي لا يهمها الفلسطينيين، وإنما تكتفي بالتهدئة الأمنية، وقلائل هم المعنيون بالعملية السياسية. وهؤلاء – الأقلية يعتقدون أن نتنياهو غير جدي في المفاوضات ويريد كسب الوقت فقط من خلال مفاوضات واهية". والاوضح والاخطر" ان الترتيبات الامنية ستكون اول قضية تطلب اسرائيل بحثها في اطار المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين"، و"ان اسرائيل ستطالب ببقاء غور الاردن وقمم الجبال المطلة عليه تحت سيطرتها لضمان مراقبة المجال الجوي الاسرائيلي والتأكد من عدم تهريب وسائل قتالية وتسلل مقاتلين الى اراضي الدولة الفلسطينية المستقبلية".يكثف المراسل السياسي لصحيفة هآرتس، براك رافيد المشهد قائلا: "بعد عام ونصف من الجمود السياسي والعزلة المتزايدة لإسرائيل، يمكن لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تسجيل أول إنجاز سياسي له، وإن كان متواضعاً. المفاوضات المباشرة مع السلطة الفلسطينية التي ستتجدد في الثاني من ايلول (سبتمبر) المقبل في واشنطن، ستنطلق وفق الشروط التي أصر عليها نتنياهو، رغم ذلك، فإن المفاوضات ستكون التحدي الحقيق أمام نتنياهو عندما سيطالب بإتخاذ قرارات حاسمة في القضايا الجوهرية"، مضيفا: "الإنجاز الكبير لنتنياهو في الأشهر الأخيرة يكمن في أنه نجح في تغيير مسار الضغط الأميركي، فبعد أكثر من عام كم ضغط كبير على نتنياهو من قبل أوباما، بدء الرئيس الأميركية بتفعيل ضغوطات على رئيس السلطة محمود عباس كي يدخل في المفاوضات المباشرة"، مؤكدا:"أنه بمساعدة ضغط الرئيس الأميركي الذي كان يبحث عن انجاز ديبلوماسي في الشرق الأوسط، تمكن نتنياهو من إنجاز ما يرغب وهو اعلان أميركي بأن المفاوضات المباشرة ستجري دون شروط مسبقة، وبهذا الإعلان من قبل وزير الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، وضعت حداً للمطالب الفلسطينية بأن تكون المفاوضات على اساس اقامة الدولة الفلسطينية في حدود 1967".اذن، المشهد واضح تماما، ومع ذلك يرتبك العرب في الرد، فتعبر الجامعة العربية عن "قلقها البالغ من التفسير الاسرائيلي" لاسس المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين التي ستنطلق في الثاني من ايلول-سبتمبر في واشنطن/ الأحد 22 / 8 / 2010"، وتقول الجامعة العربية في بيان انها "تعبر عن قلقلها البالغ من تفسير اسرائيل (للمرجعية) الذي تدخل على اساسها المفاوضات"، مضيفة:"ان "من شأن" هذا التفسير الاسرائيلي "ان يؤدي الى الدخول مرة اخرى في دارة مفرغة من المفاوضات التي لا تحقق الهدف المطلوب وتدعو الدول العربية وكافة الدول المعنية الى التنبه لذلك". وكان هذه المفاوضات لم تدخل اصلا منذ سنوات الى دارة مفرغة...؟، او كأنها خرجت منها لتعود اليها...؟!الى كل ذلك، ففي ضوء كل المؤشرات والمعطيات المتراكمة يوماً عن يوم بات واضحاً أن عملية المفاوضات سقطت في مأزق بالغ التعقيد ودخلت في نفق مظلم مقفل لا مخرج له إلا بمعجزة لن تتأتى في ظل مرحلة لا تعرف المعجزات ولا يقوى أحد على اجتراحها في ظل غياب الوزن العربي، وسقوط المصداقية لدى الأطراف المعنية أمريكية أو بريطانية أو إسرائيلية. أعلن نتنياهو مراراً مؤكداً "أنه سوف يجعل العودة إلى المفاوضات مطلباً فلسطينياً، وأنه قد يستجيب أولا يستجيب لهذا المطلب وفق شروطه وعلى مزاجه..؟! فإلى ماذا يستند هذا المنطق المتعجرف؟.لعل في مقدمة الحقائق أن نتنياهو شخصياً يشكل خلاصة الفكر الصهيوني الموغل في التطرف والعدائية لـ"الأغيار" و -الاغيار هنا هم العرب-، ويشكل رمزاً للتيار اليميني العنصري الجارف في المجتمع الإسرائيلي.ولعل في مقدمة الحقائق كذلك أن لدى نتنياهو برنامج عمل وخططاً وآليات وإمكانات للتنفيذ تقف وراءها حكومة إسرائيل القائمة وتقف وراءها المؤسسات الإسرائيلية المختلفة برلمانية وحزبية وعسكرية وأمنية وأكاديمية وغيرها.ولعل من أهم الحقائق أيضاً أن لدى نتنياهو لاءات رافضة واضحة حاسمة يتحصن ويتمترس وراءها بمنتهى التحدي والاستهتار والعجرفة مستنداً إلى حد كبير إلى مقولته المشهورة في كتابة "مكان تحت الشمس":"إنه كلما استخدمت إسرائيل القوة ضد العرب كلما رضخوا وتأقلموا مع الأمر الواقع".ولعل من أهم وأخطر الحقائق الماثلة أمامنا أيضاً هي حقيقة الواقع العربي المفكك والمنقسم والضعيف والعاجز عن الارتقاء إلى مستوى وخطورة التحدي الصهيوني أو التحديات الكبيرة متعددة الجبهات...! وعلى ذلك فإن عملية السلام كما هو واضح هي أكذوبة كبرى ولذلك فإن الحديث عن إنقاذها هو حديث عبثي مبتذل لا يعكس حقيقة ما يجري على الأرض ولا ما يجري وراء الأكمة..؟!فالخلاصة المكثفة المفيدة في هذا الصدد، ان العرب يواجهون عملياً برنامجاً سياسياً أيديولوجياً عنصرياً اغتصابياً تهويديا غاشماً تعمل الحكومة الإسرائيلية الحالية-امتدادا لسابقاتها- على تطبيقه ليل نهار وبلا كلل أو ملل وبصورة مسعورة وفي سباق مع الزمن وعملية المفاوضات، مستغلة في ذلك الخلل المفجع في موازين القوة وحالة العرب المزرية، وموظفة إلى أقصى الحدود كل طاقاتها وإمكاناتها المالية، السياسية، العسكرية، الأمنية، الإعلامية على الصعيدين المحلي والدولي.فالفلسطينيون والعرب يواجهون برامج ومواقف ولاءات إسرائيلية صارخة، ويواجهون جدلاً إسرائيلياً عقيماً حول عملية السلام المزعومة بغية كسب الوقت والزمن لبناء المزيد والمزيد من حقائق الأمر الواقع في أنحاء القدس وفلسطين والمنطقة التي تنسف بالمحصلة كل مبررات وأسس ومصداقية عملية السلام.ورغم الجدل الإسرائيلي المبيت فإن الفلسطينيين والعرب يصرون على التمسك ب"المفاوضات" و"إنقاذ السلام" في حين أن ما هو آخذ بالتبلور رغم الجميع هو نقيض السلام تماماً ...وهو الصراع على الأرض ... والصراع على الهوية والانتماء ...والصراع على المستقبل.وما هو آخذ بالتبلور والتكرس هو الصراع الملموس إن شئنا أم أبينا بين الإرادة العربية في تحصيل الحقوق وبين مشروع الاحتلال والاغتصاب الإسرائيلي المتعاظم.يقول الفلسطينيون "إن الاعتراف ب"يهودية إسرائيل" يهدد عرب 48 في الداخل، ويضر بحقوق اللاجئين الفلسطينيين، و"إن احتفاظ إسرائيل بكتل استيطانية في الضفة الغربية غير مقبول، ويصف عريقات تعليقات نتنياهو بـ"اشتراطات لا مفاوضات"، مضيفا:"إذا أراد المفاوضات فهو يعرف أن هذه الشروط لا يمكن أن تقبل"، مهددا: " إن السلطة ستغادر المفاوضات إذا استأنفت إسرائيل الاستيطان في الأراضي الفلسطينية".ومن جهته قال الرئيس محمود عباس في رسائل وجهها إلى اللجنة الرباعية الدولية إن استمرار بناء المستوطنات يعني أن إسرائيل قررت وقف المفاوضات المباشرة.وأكد في الرسائل -حسب ما ذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية- الالتزام بمرجعيات مجلس الأمن والجمعية العامة وخريطة الطريق ومبادرة السلام العربية ومبادئ مؤتمر مدريد، وأيضا بجدول أعمال يشمل القدس والحدود والاستيطان واللاجئين والأمن والمياه والإفراج عن المعتقلين ضمن سقف زمني لا يتجاوز 12 شهرا.فهل تسير الامور والارادات والقرارات الفلسطينية في هذا الاتجاه الذي ذهب اليه عريقات والرئيس عباس...؟وهل توفر الجامعة العربية المظلة لذلك...؟في هذا الصدد فأن مسألة الخيارات والبدائل العربية تطرح نفسها في هذا المشهد بقوة متعاظمة، وبالتالي فإن كانت "عملية المفاوضات والسلام" تراوح مكانها وفي غرفة الانعاش، وفقدت أسسها ومصداقيتها وبوصلتها، فإن ذلك يستدعي من الفلسطينيين والعرب البحث عن خيارات واوراق اخرى اكثر فعالية وجدوى مع حكومة نتنياهو، فالصراع ما زال صراع وجود وأرض وهوية ومستقبل بين الأمة العربية برمتها من جهة، ودولة الاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى... والصراع ما زال صراع لاءات وخيارات، يتوجب أن تستعيد الأمة العربية في إطاره إن عاجلاً أم آجلاً خياراتها القومية الصحيحة التي تقود في نهاية المطاف إلى تحرير الأرض والحقوق المغتصبة سليبة في فلسطين. nawafzaru@yahoo.com