وأخيرا نجحت الولايات المتحده من خلال بيان الرباعية العام فى مضمونه وتفسيره ان تلزم الفلسطينيين فى الذهاب الى المفاوضات المباشرة . ومع ذلك لا ضير من الذهاب الى المفاوضات المباشرة ، إذا كانت ستأتى ولو بالدولة الفلسطينية المستقلة التى يؤكد عليها الرئيس أوباما نفسه ، ولا مانع أيضا من المفاوضات المباشرة إذا التزمت الولايات المتحد بان تقوم بدور مباشر فيها ، وان لا تقف موقف المتفرج لما قد تسفر عنه المفاوضات المباشرة ، وأن يقتصر دورها على أستضافة المتفاوضيين فى حديقة البيت ألبيض للتوقيع على أى أتفاق تسوية يتفق عليه ، وهنا الولايات المتحده تجيد إخراج مثل هذه مشاهد سياسية . العبرة ليس بالتفاوض الغير مباشر أو مباشر ، بل العبرة بالنتائج ، وبجدوى العملية التفاوضية ، لأنه ليس من المعقول أن تستمر المفاوضات ألى ما لانهاية . وعليه فاول المخاطر التى ينبغى أدراكها من الذهاب الى المفاوضات المباشرة وهذا ما ينبغى أن تدركه الولايات المتحده أن استمرار المفاوضات دون تسوية سياسية ، هو تفريغ للمفاوضات من أهميتها ووظيفتها ، فلا خلاف ان المفاوضات وسيلة من وسائل أدارة المنازعات بالطرق السلمية ، لكنها إذا لم تحقق هدفها هذا لا تصبح مفاوضات بل شكل من أشكال محادثات ألأذعان ، ومن رفض أى مفاوضات مباشرة دون أن تقوم الولايات المتحده بدورها كراع رئيس للمفاوضات . والسؤال لماذا تصر الولايات المتحده على المفاوضات المباشرة؟ ويبدو أن ألأسباب كثيرة قد يتعلق بعضها بهيبة ومكانة الولايات المتحده التى ترفض ان ينحصر دورها فقط على التنقل ما بين رام الله تل أبيب يحمل ميتشل رسائل ووجهات نظر ألطرفين الفلسطينيى وألأسرائيلى ، والسبب الثانى وهنا تكمن خطورة الطلب ألأمريكى بالمفاوضات المباشرة أنهاا تعنى عودة الولايات المتحده لنفس المنهاج الذى قد أعتمدت عليه فى أدارة المفاوضات عبر أكثر من ستة عشر عاما ، وهو التركيز على منهج أدارة حل المشكلة ، وليس منهج حل المشكلة ، والفارق كبير بين المنهاجين، ووفقا للأول يكون دورها سلبى ، ولا تلزم نفسها بتقديم أى مبادرة للتسوية ، ولا تتدخل بشكل مباشر فى سير المفاوضات ، ولا تحمل نفسها مسؤولية من افشل المفاوضات ، المهم أن هناك مفاوضات ، اما بالنسبة للمنهاج الثانى فالدور مختلف تماما ، هنا تلزم الولايات المتحده نفسها بالتدخل فى المفاوضات ، وتعرض حلولا للقضايا الخلافية ، وتقف على من يفشل المفاوضات ، وعندها تملك المسؤولية ان تعلن مسؤولية الطرف المعوق للمفاوضات ، ولا يقف ألمر عند هذا الحد بل تمارس كل ادوات النفوذ والضغط على الطرفين للوصول الى مفاوضات ناجحة ، واكثر من ذلك تلتزم بما قد تعهدت به من قيام دولة فلسطينية ، وهنا الدور يتناسب ويواكب فعلا دور الراعى الرئيس للمفاوضات ، والسبب الثالث ان الولايات الكتحده تدرك صعوبة هذه المفاوضات ، وتدرك ان ممارستها لضغط وخاصة على الجانب ألأسرائيلى قد يورط ألأدارة ألمريكية فى مواجهات ضغوطات السياسة الداخلية ، ومواجهة مع اللوبى الصهيونى ، وفى النهاية هذا التدخل قد يكلف الرئيس ألأمريكى البقاء فى منصبه من عدمه ، ناهيك عن ضغوطات الكونجرس الذى لا يستجيب ألا لضغوطات السياسة الداخلية ، ولا يعنى أعضائه ألا الفوز فى أحد مقاعد الكونجرس فى النواب أو الشيوخ ، وأنتخاباته تخضع لتاثير المال والصوت اليهودى، ناهيك أن الولايات منشغلة بأجندة أقليمية القضية الفلسطينية لا تحتل أولوية كبيرة ، . لهذه ألأسباب تمارس الولايات المتحده ضغطها من أجل المفاوضات المباشرة . وعليه وكما أشرنا المشكلة لا تكمن فى شكل المفاوضات مباشرة أو غير مباشرة ، ولكن على طبيعة وحدود الدور ألأمريكى ، وعلى ما تقدمه الولايات المتحده من ضمانات أولا لتحقيق الرؤية ألأمريكية لحل الدولتين ، ولتقديم تعهدات وضمانات حقيقية وملزمه لذلك ، وان تدفع فى اتجاه توفير كل الضمانات لنجاح هذه المفاوضات ، سواء من خلال دورها فى سير كل مراحل التفاوض ، وان يكون لها حضور مباشر فى جلساتها ، وبدلا من ان يقوم ميتشل بدور غير مباشر يقوم بدور مباشر فى متابعة ومراقبة المفاوضات مباشرة ، والتدخل أيضا فى جسر هوة الخلافات من خلال تقديم الحلول ألأبداعية لأى خلاف ،وخصوصا أن الولايات المتحده قد تكون ألأكثر خبرة ، واكثر أنغماسا فى موضوع المفاوضات ، فهى ملمة بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة ، وتعرف مسبقا حدود اى طرف تفاوضى ، وان تستعد حتى فى النهاية لتقديم مبادرات شامله تاخذ فى ألأعتبار الخبرة التفاوضية السابقة ، وبناءا عليه الولالايات المتحده مطلوب منها ، دور تفاوضى مباشر فى أى مفاوضات مباشرة ، ومطلوب منها وضع معايير محدده موضوعية وزمنية لهذه المفاوضات ، ومطلوب منها تحديد أجندة ومرجعية المفاوضات ، ومطلوب منها ألتزام مباشر ان تدعم قيام الدولة الفلسطينية فى مجلس ألأمن إذا لم تحقق المفاوضات هدفها . عندها تصبح للمفاوضات المباشرة قيمة وهدف ، ويصبح للدور ألأمريكى معنى ، ومسؤولية جاده فى مفاوضات مباشرة ناجحة . وأخيرا مستقبل أى مفاوضات يتوقف على حدود الدور ألأمريكى ، وعلى مبادرة ورؤية أمريكية متوازنه فى ظل غياب دور ألأطراف ألأخرى ، وفى ظل عدم قدرة الطرفين النتفاوضين على المبادرة الذاتية ، ومواجهة تفاوضية متكافئة. ولعل معضلة المفاوضات لا تكمن فى المواقف التفاوضية للأطراف المباشرة ، ولكن فى السياسة ألمريكية وشموليتها فى المنطقة ، فالولايات المتحده لا يمكن أن تفصل بين عملية السلام والتطورات والمستجدات فى موازين القوى والتغيرات فى دور ومكانة دول المنطقة ، وفى التصورات الجديده للمخاطر ، وفى التغير فى الموازين الجيوبوليتيكية ، والربط ما بين السلام الدائم والحاجة الى نظام امنى دائم ، والأخذ فى ألأعتبار الحاجات ألأمنية لكل دول المنطقة ، وهو ما يؤكد لنا تجاوز المفاوضات المباشرة لقدرة جميع ألأطراف. دكتور ناجى صادق شراب |أكاديمى وكاتب عربى drnagish@gmail.com