القدس المحتلة / تتواصل حرب الجنرالات القذرة في الدولة العبرية بوتيرة عالية للغاية، فلا تكاد تمر ساعة واحدة دون أنْ يُنشر خبر جديد عن تعيين خليفة للجنرال غابي اشكنازي، رئيس هيئة الأركان العامة، والذي سيُنهي مهامه في شهر كانون الثاني (يناير) من العام القادم. وحتى أقذر الحالات التي عرفها ما يُسمى إسرائيليا بجيش الشعب أو الجيش الأكثر قيما في العالم، بدت نظيفة نسبيا لما يجري اليوم، إن أقذر الحالات وهي أكثر تلوثاً من الوثيقة الحالية، تتعلق بتعيين دان شومرون رئيسا للأركان في 1987. وزير الأمن الحالي، إيهود باراك، الذي كان آنذاك قائدًا للواء المركز، تعجّل لأنْ يُعين في المنصب، وبدأت حرب الإشاعات ضدّ شومرون، وقامت فوق الجميع سحابة ملوثة من إشاعات بثها ذو مصلحة، لم يكن لها أي أساس، عن ميول شومرون الجنسية، التي تنفي استحقاقه لأرفع منصب عسكري.الجولة الجديدة استعرت بعد نشر وثيقة تتناول احد الجنرالات الخمسة المرشحين لرئاسة الأركان، وهو الجنرال يوآف غالانط، قائد لواء الجنوب، واحتلت القضية صدارة عناوين الصحف الإسرائيلية التي طالبت بفتح تحقيق على وجه السرعة لتحديد صحة الوثيقة، وبحسب النشر في القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي فإنّ المرشحين لرئاسة الأركان خلفا لأشكنازي، لجأوا إلى استئجار خدمات مكاتب دعايات لتقوم بتسويقهم في صفوف الجمهور وأصحاب القرار، وأن هذه المكاتب تدير حملات ترويج لزبونها الجنرال، بل وأخذت تعمل أيضا من أجل تشويه سمعة المنافسين. وأثار هذا الكشف ردود فعل صاخبة داخل الدولة العبرية، وخرج عشرات الجنرالات السابقين بتصريحات حادة ضدها، قائلين إن مثل هذا الأمر لم يحدث في أي دولة في العالم، حيث إن رئيس الأركان يتم اختياره حسب مواهبه وقدراته ومعلوماته وتجاربه ومفاهيمه الشخصية، وليس حسب قوة مكتب الدعاية الذي يستخدمه . وكان أكثرهم حدة في استخدام الدعايات ما يسمى بوزير الدولة يوسي بيلد، وهو جنرال سابق كان منافسا لإيهود باراك في رئاسة الأركان سنة 1992، فقال خلال لقاء مع التلفزيون الإسرائيلي إنّه إذا كان صحيحا ما يقال عن وجود هذه الظاهرة ولم نفعل ما يجب فعله لمحاربتها واستئصالها إلى الأبد من تقاليدنا، فإننا نكون قد بدأنا في كتابة نهاية إسرائيل، على حد تعبيره. وكان قد كشف الصحافي أمنون أبراموفيتش، في القناة التلفزيونية الثانية، وهي تجارية مستقلة، عن وثيقة صادرة عن مكتب دعايات مشهور في الكيان لصاحبه إيال أراد الذي يقدم الخدمات الإعلامية لعدد كبير من زعماء تل أبيب، تحتوي على برنامج عمل في حملة أحد المرشحين أثارت عاصفة في الجهازين العسكري والسياسي. وقالت القناة إنّ مضمون هذه الوثيقة يخدم مصالح المرشح الأقوى لمنصب رئيس الأركان وهو غالانط، إذ أنّه يمجده بفضل قيادته، التي تعتبر في إسرائيل ناجحة جدا، للحرب العدوانية الأخيرة على قطاع غزة، وبما أن العلاقات بين غالانط وأشكنازي سيئة، فإن الوثيقة تدعو إلى تشويه سمعة رئيس الأركان الحالي وتخويفه وإظهاره رجلا ضعيفا يشكو باستمرار من أنه يتعرض للتحريض مثلما حصل للسياسي اليهودي الشرقي ديفيد ليفي، الذي تبوأ منصب نائب رئيس الحكومة وزير الخارجية، وظل يشكو من التمييز ضده على خلفية عنصرية. كما تحتوي الوثيقة على برنامج حملة لتشويه سمعة الجنرال بيني غنيتس، أقوى المنافسين لغالانط، الذي يعتبر أفضل المرشحين في نظر أشكنازي. وفي الوقت نفسه يروجون لوزير الأمن إيهود باراك ويشيدون بجهوده لحسم قضية اختيار رئيس أركان جديد قبل 6 أشهر من موعد انتهاء دورة أشكنازي، بدعوى أنه تصرف مسؤول، مضافا إلى ذلك، تروج الوثيقة المذكورة بأن باراك يريد التبكير في هذه المهمة، لكي يتاح للجنرال غالانط وضع خطة مشتركة مع باراك للحرب المقبلة بوجود رئيس أركان قوي قادر على خوض الحرب التي لا يريدها أشكنازي. ونفى مكتب أراد أن تكون هذه الوثيقة صادرة عنه، وأعلن أن الوثيقة مزيفة، لكن أمنون أبراموفتش، الصحافي الذي كشف الوثيقة، يصر على أن مصادره مجربة وموثوقة مائة في المائة، وبعد ذلك اوعز يهودا فاينشطاين، المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية، بتجميد عملية اختيار خليفة لرئيس هيئة الأركان العامة في الجيش، وأعلن في ختام جلسة طارئة للبحث في الوثيقة في مكتبه أنّه قرر تجميد عملية اختيار رئيس لهيئة الأركان حتى انتهاء التحقيق في الوثيقة من قبل الشرطة في أسرع وقت ممكن. وحتى اليوم تمّ التحقيق مع كبار الجنرالات في جيش الاحتلال ومع كبار المسؤولين في وزارة الأمن، ولكنّ الحرب، كما قالت يوم أمس الثلاثاء صحيفة ’يديعوت أحرونوت’ انتقلت إلى التنافس بين قنوات التلفزة في الدولة العبرية، حيث أكدت القناة الأولى الرسمية على أنّ الوثيقة مزيفة، وأنّ النشر في القناة الثانية لم يكن صحيحا، الأمر الذي دفع بالمسؤولين عن القناة الثانية إلى اتهام الأولى بنشر الأنباء الكاذبة. من ناحيته قال الكاتب غدعون ليفي في صحيفة ’هآرتس’: أيّا كان رئيس الأركان القادم فلن يحدث أيّ تغيير حقيقي في الجيش الإسرائيلي’، وتساءل: هل يوجد شك عند أحد في أنّ الجيش سبب في السنوات الأخيرة لإسرائيل ضرراً كبيرًا، وأنّ عدد لجان التحقيق التي نشأت على أثر عملياته يدل على شيء فاسد في أساسه، وخلص إلى القول: بعد قليل ستنسى قضية الوثيقة، التي تتناول كالعادة الغث لا السمين، وسيتولى غلانط أو غينتس أو ايزنكوت المنصب، يمكن الاعتماد عليهم بعيون مغمضة: فلا أحد منهم يبشر بأي تغيير، فما كان هو ما سيكون، وسيظل الجيش ومن يرأسونه على حالهم، في آلية خطرة تثير الكآبة، على حد تعبيره