الكل يتحدث عن عدم جدوى المفاوضات ، وذهابها لطريق مسدود ، وان مصير المفاوضات المباشرة القادمة لن يكون أحسن حالا من مفاوضات أستمرت ستة عشر عاما . وهذا الرأى له حججه المنطقية والمدعومة بالوقائع على ألأرض الفلسطينية التى فرضتها أسرائيل والتى تنفى ، وتسلب المفاوضات من اى مضامين سياسية حقيقية للتسوية . وفى الوقت ذاته هناك من يرى بصيص امل بسيط ، أو فرصة لا بد من أن تستغل وتوظف مع أدارة الرئيس أوباما الذى يصر على المفاوضات المباشرة ، ويؤكد على رؤيته وألتزامه بقيام الدولة الفلسطينية ، وتاكيده على أن هذه هى الفرصة المناسبة لأمكانية تحقيق اختراق فى عملية التسوية بقيام دولة فلسطينية . ويذهب أصحاب هذا الرأى أن كل ألأدارات ألأمريكية قد أعطيت الفرصة ، فلماذا لا تعطى للرئيس أوباما ؟ وأضف الى ذلك ولو عن بعد فى هذا الطرح ما الذى سيضير القضية الفلسطينية شهورا أخرى للتفاوض ، فاسرائيل بمفاوضات أو بدونها مستمرة فى سياساتها ألأستيطانية وحسم المفاوضات والصراع على ألأرض . ويضيف أصحاب هذا الرأى وهم الى حد كبير محقون فى ذلك ان كل الحكومات ألأسرائيلية بكل أيدولوجياتها وبرامجها ورؤاها الفكرية تتحد حول مفهوم التسوية السياسية ، ومواقفها واضحه وثابته من المفاوضات ، ومن كل القضايا التفاوضية . لكن السؤال هنا : إذا كان ألأمر كذلك فلماذا نتفاوض ؟ والسؤال له مشروعيته . وألأجابة السريعة لأننا لا نملك رؤية واضحة ، ولا نملك خيارات بديلة ، وإذا توفرت هذه الخيارات ، لا نملك القدرة على تطبيقها وتنفيذها دون دعم دولة وأقليمى . فالموقف الفلسطينى لا يبعث على التفاؤل أولا ، حالة من ألأنقسام السياسى التى تضعف الموقف التفاوضى ، وقد يذهب البعض أن هذا مقصودا ، فنحن لآ نريد مفاوضات ، ونريد مقاومة ، ونريد كل فلسطين ، ولتذهب أسرائيل من حيث أتت ، ولا شك ان هذا الموقف لا يضعف الموقف التفاوضى فقط ، بل يسلبه أيضا كل عناصر القوة فلسطينيا . ليس خطئا الذهاب الى المفاوضات إذا كانت ستأتى لنا بالدولة الفلسطينية ، وستعالج قضايا اللاجئيين والقدس ، والمستوطنات والحدود والمياه ، ولا ضير فى ذلك ، ولتكن بداية لمرحلة جديده فى أدارة الصراع ولكن بطرق جديده ، أليس هذا يتفق مع موقف من يرفض المفاوضات ، وفى الوقت ذاته الحديث عن المقاومة يحتاج منا الى وقفة شجاعة ، فلا أحد يجادل فى حق الشعب الفلسطينى فى المقاومة من أجل انهاء ألأحتلال وقيام الدولة الفلسطينية ، ولكن هذه المقاومة إذا لم تكن لها أهدافا سياسية تصبح غير مجدية ن وألأمر الثانى المقاومة بالمعنى الواسع والشامل تعنى فى أدق معانيها دعم صمود ألأنسان على أرضه ، وهذا الصمود يحتاج الى توفر مصادر قوة أقتصادية ، وعليه التنمية والبناء مقاومة ، فالمقامة الجاده كما المفاوضات تنبع وتنطلق من جوهر الصراع ، الحال الفلسطينى عكس الحال ألأسرائيلى ، لأسرائيليون موحدون فى خياراتهم السياسية والعسكرية ، على عكس الحال الفلسطينى ، هجوم على خيار المفاوضات ووصفها بكل ألأوصاف ، وهجوم ايضا على المقاومةووصفها بصفات لا تليق بقدسيتها ومشروعيتها ، والنتيجة النهائية لهذا التشتت العقلى والفكرى ، والتشتت فى الرؤية السياسية ، هو أنحسار لكل الخيارات الفلسطينية ، ومن ثم عدم جدواها وفشلها فى تحقيق ألأهداف السياسية منها ، فالمفاوضات بدون أهداف سياسية ثابته ومتفق عليها وطنيا ، ليست بالمفاوضات ، والمقاومة بدون أهداف سياسية أيضا مقاومة غير مثمرة ، والذى يجمع بين الخيارين هو ألأهداف السياسية ، وللأسف الفلسطينيون منقسمون ومختلفون حول هذه ألأهداف السياسية وماهيتها وحدودها ، وأبعادها ، وهنا تكمن معضلة العمل الفلسطينى ، غياب الرؤية ألأستراتيجية الواقعية والشامله ..ورغم كل هذه السلبيات ، ووسط كل المعارضة للمفاوضات ، لكنها ستستأنف فى القريب العاجل ، وهنا يجدر بنا التذكير ببعض المواقف السياسية ، فقبل اتفاقات أوسلو وتحت تأثير التحولات ألأقليمية والدولية وأنهيار النظام الدولى وغياب ألأتحاد السوفيتى ، ذهب الفلسطينيون الى المفاوضات تحت مظلة الوفد ألأردنى ثم بعد ذلك بوفد منفصل ، وكانت هناك معارضة فلسطينية شديده لهذه المفاوضات ، ولكل ما جاءت به أتفاقات أوسلو التى لم يتبقى منها ألا أسمها ، لكن فى النهاية وقعت هذه ألأتفاقات وفرضت واقعا سياسيا لا يمكن تجاوز آثاره حتى اليوم ، واتهم الرئيس عرفات يومها بكب أوصاف الخيانة وبيع القضية الفلسطينية ، اليوم يتكرر نفس المشهد ، ونفس الخطاب السياسى بكل مفرداته ـ وهذه مشكلة أخرى الكل يتغير ، والقضية الفلسطينية تتعرض لموجات من التغير والفلسطينيون الطرف الرئيس فى معادلة التفاوض والمقاومة لا يتغيرون ، واليوم السؤال الذى أطرحه مسبقا ، وسأذهب وأتخذ موقفا مغايرا ، ماذا لو وصلت هذه المفاوضات الى توقيع أتفاق تسوية ، وتم توقيعه فى حديقة البيت؟ ، ما هو الموقف الفلسطينى ، قد نذهب الى حد حرب أعلامية وسياسيه لم يسبق لها مثيل ، لكنها ستبقى حربا فلسطينية وهذا هو المطلوب ، لكن أى أتفاق يخلق أمرا وواقعا سياسيا جديدا لا يمكن لأحد من تغييره . وعليه علينا التعامل مع المفاوضات من هذا المنطق ، نحتاج الى مرجعية وطنية ، مؤتمر وطنى عام يتفق عليه ويحدد لمن يتفاوض على ماذا يتفاوض ، ولكن بمنظور المصلحة الوطنية الفلسطينة ، وبواقعية تخدم هذه المصلحة ، وبتشكيل هيئة وطنيه عليا للتفاوض بعيدا عن مؤسسة الفرد الواحد غير القابل للتفاوض . واخيرا لن تتحقق الأهداف الفلسطينية الوطنية بقيام الدولة الفلسطينية ألا بخيارات وحسابات وطنية فلسطينية ، وليس بحسابات أقليمية . فكل دولة تسعى لتحقيق مصالحها الحيوية والقومية . والسؤال الذى نطرحه متى يحقق الفلسطينيون مصالحهم وبأى الخيارات والحسابات وألأدوات والآليات وبأى القوى ألأقليمية والدولية ؟ اكاديمى وكاتب عربى nshurrab@hotmail.com