تعددت المقالات، وتعددت الآراء في الفترة الاخيرة، حول الذهاب لمفاوضات مباشرة، من عدمه، بل وِضعت مُحددّات وليس شروط للذهاب في معظم المؤسسات الفلسطينية التي إجتمعت والتي لم تجتمع، البعض طرح مقترحات حول كيفية تبرير الذهاب للمفاوضات، فطلب من الراعي المنحاز للطرف القوي ضرورة التفاوض على وضع جدول أعمال أو تحديد مرجعيات، حُددت سابقا وفي أكثر من مناسبة، كان آخرها مثلا، مرجعيات مؤتمر "أنابوليس"، وهناك من طالب ببيان جديد أو إعلان ما من قبل "الرباعية" ليتم إعتماده كمرجعية أو إعتماد بيان سابق لهذه أل "الكوارتت" التي أخذت دور المؤسسات الدولية الشرعية كهيئة الامم المتحدة وغيرها من المؤسسات الممكن استخدامها..طبعا كل ذلك يأتي في سياق البحث عن مبررات للذهاب لهذه المفاوضات التي لا بدَّ عنها ومنها في وضعنا الحالي بتكلفة أقل إن كان ذلك ممكناً..الجميع يجمع على أن أوضاعانا ليست كما يرام..بل هي أكثر من ذلك بكثير..إنها في حالة لا نُحسد عليها..فَالذهاب له إستحقاقات قد تكون كارثية بدون مرجعيات وجدول زمني واضح..وعدم الذهاب أيضا كارثي لعدم توفر البدائل الممكنة والواقعية، بل أصلا هذا غير مطروح لدينا ليس بسبب كونه ممكن الحدوث أو لأننا نريده وفقا لقرار مؤسساتنا الشرعية، بل لأنه لم يعد أصلا خياراً، ولعدم القدرة..المشكلة الحقيقية تكمن فينا ومِنا وليس في المفاوضات ولا في الذهاب اليها من عدمه..فالبعض ينتظر قرار "الرئيس" الذهاب ليَشنَّ حملةٌ شرسه ضده وكأن عدم الذهاب فيه كل الخير للشعب الفلسطيني، بل يرى في بقاءه في صومعته التي يحاول الخروج منها وبشتى الطرق التي تبقيه على قيد الحياة، هي الطريق المثلى للصمود والمقاومة..هو لا يعلم أنه أحد أهم أسباب ما نحن عليه، وما جناه على نفسه قبل أن يجنيه على شعبه وعلى مستقبل القضية الفلسطينية ككل..إنه أحد أهم الأسباب التي نحن نعيشها كوضع فيه كل أنواع التدهور والانحطاط بأشكاله المختلفة، إنه من حول القضية من مرحلة الهجوم لمرحلة الدفاع، وتحويلنا لقضية إنسانية لمليون ونصف مليون فلسطيني محاصر. الشجاعة تكمن دائما في إختيار المناسب حتى لو كان صعبا، لان الكف عن المحاولة تعني الانتهاء والتوقف، والصراع لا يتوقف عند لحظه معينة تفرض نفسها وبقوة على جميع الاطراف، الصراع لا ينتهي بمجرد إعطاء موافقة هنا أو هناك، لأن الحق لا يمكن أن ينتهي ما دام هناك من هو قادر على قوله والمطالبة به..المفاوضات سنذهب لها لعدم وجود خيارات أخرى اصلا..نحن وضعنا قضيتنا في مسلك بإتجاه واحد لا عودة أبداً عنه أو منه..نحن من خاض الصراع ضِدَّ نفسه وإستطاع أن يُرَوِّدُها في طريق لا يَحتملْ التعرجات، بل ممنوعٌ علينا وضع "دِوّارٌ" فيه يَسمحُ لنا بالعودة إذا أردنا..الاتفاقات التي وقعناها سابقا هي الحكم لاننا لا زلنا مُتمسكين بها..وهي حَددت وبوضوح أن طريق الحل يَكْمُن عبر المفاوضات ومهما تكن طبيعتها وبأنواعها الكثيره التي يُكتب فيها كُتبٌ الآن خاصة بما يتعلق بالقضية الفلسطينية أكثر من أي شيء آخر، لقد قال "إسحق شامير" رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق عام 1990 وأثناء مؤتمر "مدريد" وبعد الضغوطات التي مورست ضده من قبل الادارة الامريكية وقتها، بأنه سيفاوضنا مفاوضات ماراثونيه تستمر لعشر سنوات، ولكن ما حصل أننا دخلنا مفاوضات "بليارية" و"ضوئية" المسافة لا نهاية لها..وهذا تم بإرادتنا، فكل ما قمنا به ونقوم به حتى الآن يصب في خانة واحدة..لا بديل عن المفاوضات..لقد تم تَلقِينَنا لكي نُصبح ذاك الإنسانَ الذي هو ليسَ نحن بل ما يُريدُه الآخر الذي لَقَنَنا. سنذهب لهذه المفاوضات، وسنخوض معركة غير متوازنه مطلقا، نتائجها محفوفة المخاطر..نذهب بقرارنا الذي هو ليس قرارنا وبسقفٍ ليس بِسقفنا.."نتنياهو" رئيس الوزراء الإسرائيلي والإدارة الأمريكية تبادلوا لجنة التحقيق الأممية الخاصة بما يعرف "أسطول الحرية" بالمفاوضات معنا، فَ "تركيا" أهم بكثير للولايات المتحدة منا ومن العرب جميعا..إسرائيل وافقت على التعاطي بالحدود الدنيا مع هذه اللجنة مقابل عدم إجراء أية ضغوط من قبل الادارة الامريكية فيما يتعلق بالمفاوضات المباشرة، وتُرك الأمر للجانبين الإسرائيلي والفلسطيني ليقرران فيه، طبعا هنا لا يوجد جانبان..بل جانب واحد فقط يفاوض نفسه ويقرر، فموازين القوى لا تسمح لنا حتى بأن نُرى بالعين المجردة أمام طرف يتمتع بكل عناصر القوة، خاصة العربية المعتدلة منها إقليميا، وبإرتياح كبير أمريكي – أوروبي دوليا، وحين نقرأ طبيعة ما يخطط لنا، مرتين، نعلم أننا لسنا أحياء في مخططاتهم، وأننا موتى بلا قبور،"عفواً لِ غسان كنفاني"، فَقَرن ونيف من الزمن ونحن غير موجودين، لا في كتبهم ولا في مخيلاتهم، كنا ولا زلنا كابوسهم الذي يأتيهم ليلاً وفي مناسابات ليست دائمة، نحن اللاشعب للا أرض، نحن الأغيار الذين سينظفون البراري لذاك السيد الاوروبي القادم الذي تملك كل شيء لدينا جوا وبرا وبحرا، وما فوق الأرض وما تحتها..هم كمثل فتاة "شكسبير" التي تطلب من الدنيا زوجا، فإذا جاء طلبت منه كل شيء، وهم عندما أخذوا دولة لهم، أصبحوا يطلبون كل الدول وكل الأرض وكل الفضاء. لقد خضنا الطريق السهل ولكنه الأصعب، فالمفاوضات التي جرت ولا تزال وسوف تستمر كانت الأسهل لنا في مسيرة النضال الوطني، ولكننا ولأننا إستسهلناها فقد كانت من التعقيد بحيث أضعنا الطريق وتُهنا في صحراء لا نعرف تضاريسها جيداً..لم نكن نعرف ذلك، لأنه لم يكن لدينا الوقت الكافي لنكتشف كل شيء من البداية، لأننا لا نريد وليس لأننا لا نستطيع..لقد طبقنا مقولة "وايلد" الذي قال أن "الطريقة المثلى للتعامل مع الإغراء، هي أن تستسلم له"، ونحن إستسلمنا للمفاوضات وما عدنا قادرين على غيرها.