حين ينام الجياع في الظلام دون أضواء وأنوار وكهرباء كما في قطاع غزة، فهذا شئ طبيعي ،لان هنالك عوامل كثيرة تتدخل وتمنع وصول النور إلى مهاجعهم أو منازلهم أو أمكنة كدهم وبيع قوة عملهم ..الخ أو أنهم لم يتمكنوا من شراء مولد كهربائي كما يفعل الأغنياء وأصحاب رؤوس الأموال وميسورو الحال، وهذه قضية لها أسباب كثيرة ومتعددة هي أيضا.. ولكن الشىء الذي لا يمكن لهؤلاء الجياع أن يناموا عليه ،أو يقبلوا به أو يستوعبوه أو يعضوا أصابعهم غيظا وتحسرا وندما على قبوله وتحمل نتائجه وإرهاصاته ،هو الظلم والقهر والاضطهاد والقتل وتكسير الأطراف وتكميم الأفواه والملاحقة والمطاردة والوقوع تحت ضربات العصي الغليظة، وقولوا ما شئتم من المترادفات اللغوية والسياسية واللاوطنية والقهرية الأخرى .. في كل يوم يمر على المقهورين والمكبوتين والمضغوطين والصابرين في قطاع غزة ،نكتشف ويكتشف معنا كل ذوي الضمائر الحية والإنسانية والتقدمية في العالم،كم هو قاسٍ ومؤلم ومحبط العيش في ما درجت ألسنتنا على تسميته بالوطن ومسقط الرأس والديار والبلاد.. لقد تحدثت كثيرا في مقالاتي وكتاباتي المختلفة ،عن قضية هي في غاية من الخطورة الكبرى إذا ما تُركت تتفاقم وتتسع دائرتها بحيث ستنعكس تخريبا وتدميرا على مجمل بنائنا الوطني ونسيجنا الاجتماعي،وكل فعلنا الوطني ،ألا وهي قضية الغربة والاغتراب في بقايا هذا الوطن، الذي ما زال الحلم يراودنا في أن نراه موحدا أو أن نرى شارعا واحدا يربط أطرافه ،نسلكه دون أن توقفنا وتتحكم في سيرنا على الأقدام أو سير مركباتنا مجندة أثيوبية تتسع بدلتها العسكرية لدزينة من المجندات لملأها،هذه البقايا التي رأيناها ونراها محطمة ومكسورة الجناح بفعل الفكر الموتور والارتباطات المشبوهة والسياسات اللاوطنية التي أعادتنا إلى الوراء عشرات السنين .. نحن نستوعب أننا ما زلنا نعيش تحت نير الاحتلال ،ونستوعب أيضا أننا لا نملك القوة والقدرات والإمكانيات المادية كي نهزم الأعداء،ونستوعب أن ثمن الحرية والديمقراطية والبناء والتقدم لن يكون إلا بشلالات من الدماء ..ولكن الذي لا نستوعبه ،هو أن لا يكون لنا وطن ،وان يلجا الشيوخ وأبناء الشيوخ وأحفاد الشيوخ إلى إصدار الفتاوى والقرارات والتعليمات وكل ما من شانه أن يجردنا ويحرمنا من حقنا في بقايا حصتنا المتبقية لنا كورثة من أبائنا وأجدادنا، وممن دفعنا بها أكثر بكثير وبما لا يُقاس بيننا وبينهم من دماء وعذابات ومطاردات وسجون وقتل، وغير ذلك.. فلست ادري أي حق يعطيه لأنفسهم حكام غزة حين يحرمون القوى السياسية والتنظيمية الأخرى من التصرف بحقهم في ارثهم وحصصهم المتبقية لهم من بقايا ساحات محروثة بفعل صواريخ الطائرات..؟ بالأمس دعت الجبهة الشعبية لاعتصام سلمي في ساحة الجندي المجهول في وسط غزة،كان الاعتصام خال من مدافع" نافرون"، ولم يكن به مارشات عسكرية،ولم تُطلق منه صواريخ عبور القارات،وفجأة تتقدم جحافل القوات الضاربة المحمولة ،المدججة بالسلاح الناري والقنابل والدروع والهراوات لتنهال بقوة على رؤوس المعتصمين دون رحمة أو شفقة ،رؤوس أطفال ونساء وشيوخ وصبايا بعمر الورد ، لا لذنب اقترفته أياديهم الطاهرة إلا لأنهم لم يخروا ساجدين عند أقدام الشيوخ ،لكي يعطوهم الاذن باستصدار تصريح مشفوع بالقسم لعمل اعتصام سلمي في ساحة الجندي المجهول في وسط مدينة غزة.. وليست الجبهة الشعبية هي الأولى التي تتعرض للضرب والتنكيل ،فقد سبقتها فتح والديمقراطية والنضال والمبادرة وكل القوى الوطنية الفلسطينية ، وكذلك الطلاب والطالبات في الجامعات والمدارس ووسائل الإعلام، وحتى الجمعيات الخيرية لم تسلم هي الأخرى من قرارات المنع والإغلاق والفصل وإجراءات متعددة..وكأن قطاع غزة صار محرما على من حرروه وناضلوا وقدموا كل شي من اجل عزته والذود عن حياضه،وقارعوا جيوش الاحتلال لعشرات السنين ،في الوقت الذي كان فيه 99/.9 ممن يدعون القيادة والزعامة والقدرة على إصدار الفتاوى، يمارسون حياتهم وكأن لا وجود لاحتلال أو لثورة أو انتفاضة. وهنا لا بد من سؤال أوجهه إلى زعاماتنا الوطنية ،هل يا ترى وقفتم بمسئولية أمام كل الأحداث التي مررتم بها طوال سنوات عمر الانقلاب في غزة..؟؟وهل توصلتم إلى أية نتائج تعترف بخطأ مواقفكم وسياساتكم وعلاقاتكم مع من يحرمونكم ويعملون على تجريدكم من حصتكم في ارض أبائكم وأجدادكم وما قدمتموه من أثمان باهظة من اجلها..؟؟؟ أم أنكم قنعتم بالمثل القائل.."حط راسك بين هالروس وقول يا قطاع الروس.."!!!؟؟؟ وانتم تعرفون معنى ذلك جيدا..لأنكم حينها ستصبحون غرباء حتى على اقرب الناس إليكم ،وليس فقط غرباء في بقايا وطن فحسب..!!