يعد العملاء الركيزة الأخطر التي يعتمد عليها العدو الصهيوني في ردع المقاومة الفلسطينية وخصوصاً في قطاع غزة، كون القطاع يشكل تهديداً استراتيجياً خطيراً للكيان الصهيوني، ولا يمكن للمقاومة الفلسطينية التخلص من حالة الردع والانتقال إلى حالة توازن الرعب وجعل الردع حالة متبادلة مع العدو الصهيوني مع استمرار ظاهرة العملاء. ولا شك أن وراء كل عملية اغتيال ينفذها العدو الصهيوني ضد المقاومة الفلسطينية عميلاً، ولا شك أن العدو الصهيوني نجح بشكل استثنائي بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية في بناء أجهزة أمنية فلسطينية عميلة له يشرف عليها قادة عسكريون أمريكيون، ويكلفونها بمهام أمنية في إطار الحرب الصهيوأمريكية على المقاومة الفلسطينية في الضفة المحتلة، حيث تهدف هذه الحرب إلى عدم تحول الضفة إلى غزة أو جنوب لبنان، وهذا ما أكده وزير الحرب في الكيان الصهيوني "إيهود باراك" في مكالمة هاتفية جرت مؤخرا (31/7) بينه وبين رئيس حركة فتح واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس. ويعد ذلك اختراقاً خطيراً وغير مسبوق في تاريخ الصراع الفلسطيني – الصهيوني، بل نكبة أخرى للشعب الفلسطيني لا تقل خطورة عن نكبة 1948 وما تلاها من نكبات، إذ تجاوز الأمر حد استخدام أفراد أو شبكات من العملاء تعمل سراً لخدمة أجهزة العدو الصهيوني الأمنية إلى تشغيل أجهزة مدربة تعمل بشكل علني ورسمي لتنفيذ مخططات العدو الصهيوني الهادفة إلى القضاء على المقاومة الفلسطينية وبنيتها التحتية في الضفة المحتلة، وذلك بذريعة حماية سلطة فتح في الضفة المحتلة من حركة حماس في سياق النزاع السياسي المحموم بين الحركتين الذي بدأ في التصاعد والتعقيد منذ رفض حركة فتح التسليم بفوز حركة حماس في الانتخابات العامة سنة 2006، ورفض فتح الاعتراف بالحكومة التي شكلتها حماس بسبب عدم إذعانها لشروط المجموعة الرباعية الدولية. تتمثل حالة الردع الراهنة في الرد الصهيوني الفوري على عمليات المقاومة مثل إطلاق الصواريخ على المناطق المحتلة المحاذية لقطاع غزة، وذلك باستهداف المقرات الأمنية الحكومية ومواقع المقاومة والمقاومين أنفسهم، وقد اغتال العدو الصهيوني قبل يومين أحد قادة كتائب الشهيد عز الدين القسام في قطاع غزة، وهو الشهيد عيسى عبد الهادي البطران، رحمه الله، وذلك رداً على إطلاق صاروخ غراد من غزة وسقوطه في مدينة عسقلان المحتلة، حسب ما زعم العدو الصهيوني، إضافة إلى قصف بعض المواقع الأمنية الحكومية في القطاع. ولم يكن العدو الصهيوني قادراً على تنفيذ جريمته لولا حصوله على معلومات عن تحرك الشهيد والمكان الذي كان يتواجد فيه لحظة الجريمة، ويحصل العدو الصهيوني على هذه المعلومات من العملاء، الذين يرصدون حركة المقاومين وقادتهم، ويحددون المواقع العسكرية لأذرع المقاومة... وهكذا. ورغم أن الحملة التي أطلقتها الحكومة في غزة ضد تخابر العملاء مع العدو الصهيوني قد نجحت في دفع عشرات وربما مئات العملاء إلى تسليم أنفسهم للشرطة، إلا أن جريمة اغتيال البطران تؤكد أنهم ما زالوا يعملون بفعالية في غزة، وأنهم يشكلون خطراً كبيراً على المقاومة، إذ لا يمكن للعدو الصهيوني ردع المقاومة دون مساعدة هؤلاء العملاء. وهذا يؤكد أن التصدي لهؤلاء العملاء يجب أن يكون على قائمة أولويات الحكومة والمقاومة في غزة، وأن رفع مستوى الحس والحذر الأمنيين أمر بالغ الأهمية والخطورة، خاصة أن غزة تعيش الآن حالة استرخاء أمني، فتنتشر المخيمات التربوية والعسكرية التابعة لحركة حماس وغيرها بشكل مكثف في كل مكان في القطاع، وقد شهدت الأيام الماضية عقد اجتماعات للحركة ضمت أعداداً كبيرة من كوادرها وقياداتها من الصفين الأول والثاني في مكان واحد، وربما ضمت بعض هذه المؤتمرات زهاء 1500 عنصر من عناصر الحركة تحت سقف واحد، ناهيك عن إفشاء معلومات عن الأنفاق والأسلحة والتكتيكات التي سيتبعها المقاومون في الحرب القادمة. وهذه أخطاء فادحة من الناحية الأمنية والإستراتيجية، فاستهداف العدو الصهيوني لأي من هذه الاجتماعات قد يؤدي إلى كارثة تستمر لسنوات عديدة قبل أن تسترد حماس عافيتها، ولذا وجب الحذر وعدم التعويل على الهدنة أو ما يوصف أحياناً بحالة توازن الرعب، فعدونا مجبول على الغدر. ولا يعني التصعيد العسكري الصهيوني الأخير ضد قطاع غزة بالضرورة أن العدو الصهيوني ينوي شن حرب جديدة على غزة قريباً، وإنما يعني أنه يثبت حالة الردع ويصونها بعد إطلاق عدة صواريخ صوب المغتصبات الصهيونية، وأنه يسعى لإجبار الحكومة في غزة على التصدي لمطلقي الصواريخ، ليحقق أهدافاً سياسية صهيونية معروفة، أخطرها تشويه حركة حماس وحكومتها، وإزالة بعض الفوارق بينها وبين حكومة رام الله المتعاونة معه، إضافة إلى الإيقاع بين حركة حماس وغيرها من فصائل المقاومة الأخرى في غزة. ولذلك لا يمكن التخلص من حالة الردع الصهيونية والانتقال إلى حالة توازن الرعب دون الحد من قدرة العملاء على تزويد العدو الصهيوني بمعلومات حول تحركات المقاومين، وفقط عندها يفقد العدو قدرته على اصطياد المقاومين، ولا يجد أمامه سوى المقرات الأمنية لقصفها، والتي يجب أن يتدرب الأمن والشرطة على إخلائها فوراً عند الضرورة، أو بعض الأهداف المدنية التي يحاول العدو تجنب قصفها أحياناً لما تسببه له من أزمة علاقات العامة. الجامعة الاسلامية - غزة