للمرة الواحدة والعشرين حط جورج ميتشل فى فلسطين المحتلة وللمرة السادسة منذ انطلاق المفاوضات غير المباشرة اوائل ايار الماضى بنفس المنطق والذهنية الاصرار على تكريس الانطباع فى المنطقة بجدية ادارة اوباما فى التوصل الى حل للصراع فى المنطقة مع النزوع دائما الى التوصل الى حلول وسط امريكية اسرائيلية على حساب الحقوق والمصالح الفلسطينية .لم تخف الادارة الامريكية حقيقة الهدف من جولة ميتشل الاخيرة والمتمثل باقناع او بالأحرى الضغط على السلطة الفلسطينية للذهاب الى المفاوضات المباشرة مع حكومة نتن ياهو رغم عدم تحقيق اى تقدم فى المفاوضات غير المباشرة .يجب الا ننسى فى السياق ان المفاوضات غير المباشرة كانت اصلا اخراج ميتشلى و طريق التفافى على رفض اسرائيل التجميد المطلق والتام للاستيطان وفق خارطة الطريق التى صيغت اساسا بايادٍ امريكية علما ان ادارة اوباما تعهدت للسلطة عند انطلاق المفاوضات فى ايار مايو اسرائيل بصفر من النشاطات الاستفزازية الاسرائيلية فى القدس والضفة الغربية فى اشارة الى الاستيطان وهدم البيوت ومصادرة الاراضى وهى تعهدت ايضا بالتصريح العلنى عن الطرف الذى يعرقل المفاوضات ويحول دون نجاحها .الان وبعد تفاهمات اوباما- نتن ياهو فى البيت الابيض اوائل تموز الحالى تم تجاوز بند الاستيطان وازاحته عمليا عن جدول الاعمال وتريد ادارة اوباما - ميتشل من السلطة ان توافق على المفاوضات المباشرة فقط مقابل بعض "التفضلات" الاسرائيلية فى قضايا انتقالية تتعلق بالحواجز وحرية الحركة وتوسيع االسيطرة الامنية للسلطة فى الضفة الغربية علما ان التجارب السابقة اظهرت ان اسرائيل تقدم تفضلات وهمية يمكن فى اى لحظة سحبها تماما كبطاقة فى اى بى لكبار شخصيات السلطة بينما تشكل المفاوضات وسيلة او غطاء لفرض الامر الواقع وافراغ عملية التسوية ككل من محتواها .يجدر الانتباه الى ان ادارة اوباما والعقل الغربى عموما اقرب الى الذهنية الاسرائيلية وهى قبلت من هذه الزاوية منطق نتن ياهو باستحالة الحسم فى القضايا الصعبة والشائكة دون الحديث المباشر وجها لوجه كما انها كسابقاتها بدت مستلبة للوضع الداخلى الاسرائيلي وتعقيداته وتشابكاته فتماهت مع فكرة نتن ياهو عن استحالة تمديد الكبح المؤقت للاستيطان فى غياب المحادثات المباشرة كما خدعت بوعوده عن امكانية حسم قضية الحدود قبل اواخر ايلول سبتمبر القادم ما يمثل تجاوزاً تلقائياً ومباشراً لملف المستوطنات .لا يبدو غريبا اصرار نتن ياهو على المفاوضات المباشرة التى تخفف العزلة الدولية والضغوط الخارجية عليه كما على الدولة العبرية ككل مندوبة اسرائيل السابقة الى الامم المتحدة غابريلا شاليف التى انهت مهامها منذ ايام قالت ان اسرائيل هى الدولة الاكثر عزلة فى العالم علما ان اهود باراك وزير الدفاع والقائم ايضا باعمال او جزء من اعمال وزير الخارجية يحاجج دائما ان استئناف المفاوضات وعملية التسوية بشكل جدى يتيح ليس فقط تخفيف العزلة الدولية وانما يوفر الشرعية فى السياق ايضا لاى اعمال عسكرية اسرائيلية محتملة ضد اعدائها كما تتيح المفاوضات لنتن ياهو ليس فقط الوقت لادامة عمر ائتلافه المتطرف وتنفيذ خططه الاستيطانية خاصة فى القدس المحتلة ومحيطها وانما الاخطر من ذلك ان نتن ياهو سيعرض على السلطة دولة على مساحة ستين بالمائة من الضفة الغربية دون القدس ودون اللاجئين ظاهرا بمظهر الايجابي المسالم ومتهما الفلسطينيين بالافتقاد الى الارادة والشجاعة للتوصل الى تسوية واتفاق سلام نهائى للصراع .مهم جدا تمسك السلطة الفلسطينية بموقفها الرافض للانتقال الى المفاوضات المباشرة و عدم الانصياع لضغوط عربية محتملة لاجبارها على ذلك واهم من ذلك الاقلاع عن انتظار ميتشل وجولاته او التعويل على وعوده وضماناته الوهمية والاقتناع ان عملية التسوية بمسارها الحالى لن تؤدى الى اى نتيجة وكما دائما لا فائدة وجدوى من اى موقف سياسى فى غياب الوحدة الفلسطينية ودون المصالحة وانهاء الانقسام واعطاء الاولوية لترتيب البيت الداخلى لا يمكن مواجهة الخطط والمشاريع الاستيطانية ولا حتى الانحياز الامريكى والدولى للمصالح والرؤى الاسرائيلية على حساب الحقوق والامال الوطنية الفلسطينية . مدير مركز شرق المتوسط للاعلام