لا نحتاج الكثير من الذكاء اوالكشف عن معلومات سرية ولا نظريات مقعورة ولا مستطيلة لوضع الامور في نصابها لنفهمها في سياقها الصحيح ولنعرف اين تقف اقدامنا. يلاحظ المراقب منا ان نشرة الاخبار تتضمن يومياً ومنذ عشرة اعوام خبراً عن العراق وخبراً عن فلسطين، فالظاهر ان الهجوم على العراق قد تزامن مع الهجوم على مناطق السلطة الفلسطينية فهل كان التخطيط يستهدف البلدين؟ العراق كانت الدولة العربية القوية التي يمكن ان تهدد اسرائيل بعد خروج مصر من المعادلة والسلطة الفلسطينية كانت تطالب بالارض مقابل السلام وكان ذلك تهديداً واضحاً للمخطط الصهيوني وكان لا بد من الايقاع من العراق والسلطة الفلسطينية وتدمير طموح كليهما واذا لزم تدميرهما. بدات القصة في 1997 حين اصدر تجمع المحافظين الجدد في امريكا بيانه حول نظرة جديدة للمستقبل Clean break, securing the realm. "بداية جديدة لاحكام السيطرة". وكانت تلك الوثيقة هي التي وضعت ملامح الخطة القادمة للشرق الاوسط الجديد. الخطة قدمت الى نتنياهو بناء على طلبه حين اصبح رئيساً للوزراء في 1996 ولم يكن راضياً عن اتفاقات اوسلو وطب النصيحة حول كيف يمكن التخلص من هذه الاتفاقية التي رآها تهدد المشروع الاستيطاني وتهدد اسرائيل بالحديث عن السلام واقامة دولة فلسطينية. نصت الوثيقة التي وضعها عتاة المحافظين الجدد من امثال وولفتز وريتشارد بيرل على ضرورة التخلص من صدام حسين ونظامه، وايجاد قيادة بديلة لياسر عرفات، وضرب حزب الله وسوريا والانتهاء من قصة الارض مقابل السلام وقد قرروا في هذه الوثيقة ان السلام يجب ان يكون مقابل السلام فقط دون علاقة ذلك بالارض. لكن ذلك يتطلب التخطيط الدقيق فلا شئ ياتي صدفة. التهمة للعراق كان يتم تحضيرها حين وقعت هجمات سبتمبر 2000 على مركز التجارة العالمي، ولا يمكن استبعاد تلك عن المخطط. في ذات الوقت كان لا بد من افشال المسعى الفلسطيني للسلام في كامب ديفد. وفي كل الاحوال فقد كان لا بد من اختلاق الذرائع الضرورية وكان يلزم حملة ضخمة للترويج بان المسؤولية تقع على العراقيين وعلى الفلسطينيين وكان من المهم الاستفادة من الشخصيات القيادية بدراسة ردود افعالها المحتملة حتى تنفذ ما ينسجم مع تطلعاتها وكبريائها وكان لا بد من الاستفادة من المقربين الذين تمت زراعتهم حول القيادات لاعطاء "النصيحة" عندما يحين الوقت. ولم يكن صدفة ان يدخل الى المسرح جورج بوش وارييل شارون في نفس الوقت وكلاهما ينتمي الى عقل الهجوم والحرب. بوصول جورج بوش الى الرئاسة الامريكية دخل اصحاب الوثيقة الى الحكم في ادارته ووضعوا الخطط التفصيلية مع القيادة الاسرائيلية لتحقيق الاهداف. بدأ الهجوم اولا على ياسر عرفات بانه سبب فشل مفاوضات كامب ديفيد وعرقلة عملية السلام وعاد عرفات الى فلسطين ليجد نفسه في مواجهة تحدٍ شارونيٍ جديد حين قام الاخير باقتحام الحرم الشريف في عملية استفزازية مبرمجة لاثارة الفلسطينيين واهانتهم ليقدموا القرابين والضحايا ويضطروا قيادتهم لاستعمال السلاح. كان الشبان يحاصرون مستوطنة نيتساريم في وسط القطاع ويقذفون الحجارة بينما ترد عليهم القوات الاسرائيلية بالرصاص الحي. سقط في القدس وفي غزة وفي الناصرة العشرات. تصاعدت المطالبات الشعبية بتدخل الاجهزة الامنية في المعركة الدائرة وكان ذلك القرار الاخير بدخول قوات الامن مطلوباً لتسير الخطة في طريقها. الفلسطينيون اصبحوا المعتدين والارهابيين ولهذا فهم لا يريدون السلام ولاسرائيل الحق في الدفاع عن امنها ومعاقبة الفلسطينيين. قامت اسرائيل فوراً بالاغارة على البنية التحتية والمؤسسات الحكومة والمطار والميناء ومحولات الكهرباء. واوقعت اسرائيل عرفات في الشرك ودبروا له ايضاً قصة سفينة السلاح الايرانية. وحين احكموا السيطرة اضطر عرفات للتخلي عن سلطاته وتعيين رئيس وزراء ثم وجد نفسه في الخندق الاخير للدفاع عن كل ما آمن به فقام بطلب المساعدة من حماس والجهاد على امل ان يعدل في ميزان الرعب، وكانت تلك الخطوة مطلوبة ايضاً لاعلان الحرب والقضاء على حماس "الارهابية" حيث كان هناك ما يشير الى انها كانت مرشحة لوراثة فتح. بقية القصة في فلسطين اصبحت واضحة، وانتهت الخطة الجهنمية الى حصار عرفات وموته، وبناء السور العنصري، وانتشار الاستيطان، وقتل عملية السلام مقابل الارض وتم ايضاَ حصار حماس. اما في موضوع العراق فان التهمة تم اعلانها بان العراق يدعم الارهاب(!) وانه يمتلك اسلحة ذرية(!) وبحسب السيناريو الموضوع طلب بوش من صدام حسين مغادرة العراق وهو يعلم ان صدام سيرفض بالطبع وكان ذلك بالضبط هو المطلوب من اجل تدمير العراق حسب الخطة الموضوعة سلفاً بغض النظر عن الادعاءات الامريكية والتي ظهر بطلانها. انتهى العراق الى ما نعرفه اليوم وانتهت فلسطين الى ما نعرفه اليوم. وبعد كل هذا الدمار يصل اوباما للحكم ويبشر بسياسةٍ جديدةٍ لكنه يتراجع بسرعة امام قوة المحافظين الجدد الذين ما زالوا في الحكم وامام اللوبي الصهيوني في امريكا ولهذا نراه اليوم يضغط على الطرف الضعيف من اجل الاجهاز على كل امل في وقف الاستيطان او انهاء الاحتلال حتى يكتمل المشروع الصهيوني. السؤال هو: الا يكفي كل هذا ليعيد الجميع الى الصواب والتمسك بالوحدة وبمشروع وطني واحد؟؟؟ وهل اصبحت السلطة عقبة امام الطموح الفلسطيني يلزم لفظها وحلها بقرار وطني، ام انه يمكن تطويرها لتصبح اداة التحرير؟ وهل لدينا الوقت؟ والسؤال الاكبر وهل لدينا العزيمة؟؟ .