المهاتما غاندى زعيم هندى ، نحيف الجسم ، قوى ألأرادة ، أمتلك شفافية ووضوحا فى رؤيته وفكره ، عرف ماذا يريد ابناء شعبه ، وعرف وحدد الوسيلة الناجعة لأنهاء أحتلال أكبر أمبراطورية فى التاريخ ألأمبراطورية البريطانية التى كانت لا تغيب عنها الشمس ، استمد قوته من شعبه ،لقد أدرك أنه لن يهزم بريطانيا بقوة السلاح ، لأنه لا يملكه ، ولكن بقوة قضيته وعدالتها ، وبكشف الصور الكريهة للأحتلال ، وكيف أن ألأحتلال مناقض لكل مبادئ ألأنسانية ، وانه بغيض ، ويعنى استعباد شعب من قبل شعب آخر ، وكانت وسيلته المقاومة السلمية المدنية، ومقاطعة المنتوجات البريطانية ، وفى النهاية نجح فى أنهاء ألأحتلال ، بفضل عوامل ثلاث : قيادة مؤمنة وتعرف هدفها ولذلك قولته المأثورة من لا يعمل من أجل ما يؤمن به فهو غير مؤتمن على قيادة أمته ، والعامل الثانى الوضوح فى الفكرة وألأسلوب كما الوضوح فى الهدف ،، وثالثا قوة ألأمة والشعب ، والتلاحم بين القيادة وألأمة ، عوامل ثلاث جعلت من الهند اليوم دولة نووية ، ودولة ديموقراطية ، ودولة تكنولوجية ومتقدمه صناعيا ، ونجحت فى بناء نظام سياسى على الرغم من التعددية ألألثنية واللغوية فيها ، فهى أقرب الى الدولة الموحدة منها الى الدولة المركبة . أكتفى بهذه المقدمة الموجزة لأدخل منها الى الحالة الفلسطينية ، وأتساءل هلى توفرت للفلسطينيين العوامل الثلاث التى قادت الهند الى ألتحرر وألأستقلال والبناء؟ تاريخيا لم يتوانى الشعب الفلسطينى على مواصلة مقاومته ونضاله ضد ألأحتلال ألأسرائيلى على مدا رسنوات ألأحتلال الطويلة ، وفى هذا السياق قدم مئات ألآلآف من الشهداء ، وله أكثر من عشرة آلاف أسير فى السجون ألأسرائيلية يتزايدون ولا ينقصون ، ولعل هذا العامل هو ألأساس فى استمرارية القضية الفلسطينية ، ونجح هذا الشعب ان يحافظ على هويته الوطنية ، وهو السبب الرئيس فى فشل أسرائيل فى حسم الصراع رغم القوة العسكرية المتفوقة ، ورغم كل أجراءات ألأعتقال والتعذيب والأهانة ألأنسانية والحصار التى تمارسها ، والسؤال أين عنصر القيادة من هذا العامل ؟ وهنا وتاريخيا أيضا توفرت العديد من الزعامات التى تقوقعت فى أطر عائلية وعشائرية وفيما بعد تنظيمية ضيقة ، ولذا ليس من بال الصدفة أن يتم التخلص من القيادات الفلسطينية التاريخية والكارزمية مثل الرئيس عرفات والشيخ احمد ياسين والعديد غيرهم من القيادات ، ولدى هذا الشعب اليوم العديد من القيادات ؟ لكن أين هى من القيادة التاريخية والكارزمية الملهمة للشعب وآماله ونضالاته الوطنية ، وعلى الرغم من التعددية فى القيادة فالحالة الفلسطينية تعانى من أزمة قياده رغم تعددها ، واضف الى ذلك التنازع والتصارع بين هذه القيادات والتشكيك فيما بينها ، والصراع بين القيادات السياسية ، وقيادات المقاومة المسلحة ، ولم تنحصر هذه ألأزمة على التعدد ، بل على التعدد فى الرؤى السياسية ، فكل قياده تقف على رأس حزب أو تنظيم ، ولو اردنا حصر هذه القيادات لأمكن الربط بين ذلك وتعدد التنظيمات الفلسطينية ، فكل رئيس حزب أو تنظيم يعتقد جازما انه هو القائد لهذا الشعب ، والقيادة الحقيقية تقاس بقدرتها على تجسيد آمال شعبها وطموحاتهم ، وبقدرتها على التفاف شعبها حولها ،وبحركة واحده منها كانت قادرة على تحريك كل الشعب .إذن ما يفتقر أليه الشعب هو هذه القيادة القادرة على حشد شعبها ليس حول شخصها ، بل حول الرؤية والبرنامج السياسى الذى تشعر ألأمة كلها أنه يعبر عن نبضها ، وان هذه القيادة هى القدوة الجديرة أن تقف ألأمة كلها ورائها ، وهذا التلاحم هو سرنجاح أى حركة نضال ، وهو الدافع الرئيس وراء نجاح حركات التحرر فى نيل ألأستقلال والحرية ، الشعب من جانبه لم يبخل على العطاء والتضحية والصمود ، والذى يدفع الثمن هو الشعب دائما ، وليس معنى ذلك أن الشعب الفلسطينيى لا تتوفر له قيادة قادرة ، بل هناك العديد من القيادات التى ضحت وأعتقلت ، وما زالت معتقله ، وقدمت أبنائها ثمنا لمواقفها ، لكن ألأزمة الحقيقية على مستوى القيادة غياب التوحد بينها فالملاحظ ان القيادة الفلسطينية قد أنغمست فى الشأن السياسى السلطوى ، وأخذتها حظوة ووجاهة الحكم ،بعيدا عن شعوبها ، وقد أدى ذلك ألى حالة من ألأبتعاد وعدم التلاحم بين القيادة والشعب ، وقد انقسم الشعب الى مجموعات وكتل كل منها قد يقف وراء زعيم أو قائد معين ، وهو ما خلق حالة من ألأنفصام والتباعد بين القيادة وشعبها ، وتعبر هذه الظاهرة عن نفسها فى حالة اللامبالاة واللاانتماء والولاء السياسى ، والسلبية السياسة ، وعدم المصداقية فيما يعد به الحكام والقيادات ، وحالة التباعد هذه تفسرها حالة ألأنقسام السياسيى ، وتراجع الشرعية السياسية التى تتمتع بها القياده والنخب الحاكمة .ولعل من المعضلات التى تواجه الفلسطينيون عدم الوضوح فى الرؤية السياسية ، والتنازع حول كيفية التعامل مع الصراع ، واى الخيارات ألكثر تأثيرا وفعالية فى أنهاء ألأحتلال ، والتراوح فى أطار الفكر ألأحادى ، وإما خيار المقاومة أو خيار المفاوضات ، حتى فى أطار الخيار نفسه هناك خلاف حول ماهية الخيار ذاته، ولعل معضلة أى أمة فى قياداتها ، لأن القيادة هى التى تقود برؤيتها السياسية الثاقبة ، وبقراءة تاريخ ألمم والشعوب وخصوصا دول العالم الثالث دائما تكون المشكلة فى القياده التى تعلو عن أى مساءلة ومحاسبة ، والفلسطينيون اليوم هم فى حاجة التى تفعيل هذه العناصر الثلاث والضرورية للتحرر وألأستقلال : قيادة تاريخية وطنية مؤسساتية ملهمة مستوعبة قضيتها ذات رؤية تمتد بإمتداد تاريخ القضية الفلسطينية وتعقيداتها ، وشعب قوى متوحد حول شخصيته وأرضه ، ورؤية سياسية واضحة ألأهداف والمراحل والقابلية للتنفيذ ،ولو كان لنا هدفا واضحا من ستين عاما ، ولو توفرت القياده والرؤية فكان من المنطقى أن نصل اليه بعد كل هذه السنوات من النضال ، لكن أن نظل ندور فى حلقة دائرية حول دائرة القيادة نفسها فهذا هو سبب دوران الشعب أيضا حول نفسه . ولا أريد أن أذهب بالمقارنة مع أسرائيل ، وأقول أن الصهيونية توفرت لها قياده عبر عنها هيرتزل عام 1798 فى أول مؤتمر صهيونى عقد فى العام نفسه فى بال السويسرية عندما حدد الهدف يقيام دولة لليهود بعد خمسين عاما ، ولم يكتفى المؤتمر بالهدف بل حدد الوسيلة والآلية ، وعرف قيمة التاييد والتبنى الدولى لقيام هذه الدولة ،وأستمرت الحركة الصهيونية فى أتجاه تصاعدى كالقطار الذى يعرف محطته النهائية ، ويعرف الزمن الذى يريده للوصول لها ، فإذا ما زادت سرعته قد ينقلب ولا يصل ، وايضا إذا ما تبطأ فى السير فلن يصل لهدفه ن لأنه قد تستجد عوامل لا تكون فى الحسبان ، ويبقى ان نتساءل اين نحن من كل ذلك ؟ اكاديمى وكاتب عربى drnagish@gmail.com