تسود الشارع الفلسطيني,خاصة في قطاع غزة,حالة من الإحباط واليأس وخيبة الأمل فيما يتعلق بالطريق المسدود الذي آلت إليه كل الجهود التي بذلت من جانب , كل من يهمه إغلاق الجرح الوطني الفلسطيني النازف والمتمثل في وضعية الانقسام الجغرافي,السياسي والاجتماعي الذي يترسخ يوما بعد يوم مهددا وحدة الوطن الجغرافية والاجتماعية وكذا النظام السياسي الفلسطيني ناهيك عن تراجع المسألة الوطنية الفلسطينية وانحصارها, هذه الأيام في البعد الإنساني والغذائي ...إحباط ,احتقان,قنوط,خيبة أمل غير مسبوقة يعاني منها المثقفين والوطنيين الفلسطينيين وكذا الرأي العام الفلسطيني لما آلت إليه كل جهود الوسطاء الذين باءت مساعيهم بالفشل ذلك أنها لم تصمد أمام متطلبات ودوافع وضغوطات وملاحظات واستدراكات استمرارية الانقسام التي لا تزال تفرض نفسها في مواجهة عوامل الدفع نحو إنهاء هذه الوضعية الفلسطينية الغريبة على التاريخ الوطني الفلسطيني . في إطار هذا المناخ استقبل الشيخ ,الإمام الأكبر لمؤسسة الأزهر الشريف في مصر الشقيقة ,دكتور احمد الطيب وفدا من الشخصيات الوطنية الفلسطينية المستقلة التي لا تزال تعمل على طرق كل الأبواب بحثا عن الخلاص من وضعية الانقسام الراهن ,وفي نهاية هذا اللقاء أطلق سماحة الإمام الأكبر فتوى شرعية أكد فيها على أن المصالحة الفلسطينية فريضة شرعية وواجب مقدس وان حالة الانقسام الحالية بين الفلسطينيين قد ألحقت ضررا محققا بالمنطقة وان إزالة هدا الضرر تقتضي زوال الأسباب التي أدت إلى ظهور الانقسام الراهن . في هذا السياق خاطب الإمام الأكبر ,من خلال هذه الفتوى ,أكثر من جهة لها صلة بالوضع الفلسطيني الراهن,داعيا إلى تكثيف الجهود من اجل انجاز المصالحة بين الفرقاء الفلسطينيين وكان ذلك على النحو التالي : أولا:المصالحة الفلسطينية هي فرض شرعي وواجب مقدس طبقا لقول الله تعالى:"وأطيعوا الله ورسوله وأولي الأمر منكم ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين". ثانيا :إن من يضع العراقيل في طريق واجب المصالحة الشرعي والمقدس هو آثم وعاصي وحسابه عند الله يوم القيامة . ثالثا:على الفصائل الوطنية الفلسطينية الارتفاع فوق خلافاتها وان تتقي الله في الشعب الفلسطيني والأمة العربية وان تعمل على رأب الصدع وإزالة كل عوامل الفرقة ....على الفلسطينيين مهما كانت انتماءاتهم الارتفاع فوق الخلافات والمصالح الحزبية الضيقة واستشعار فداحة المسؤولية التاريخية والشرعية. رابعا: إن مسؤولية انجاز المصالحة الوطنية الفلسطينية لا تقتصر على الفلسطينيين وحدهم بل هي مسؤولية تقع على عاتق الأمتين العربية والإسلامية وهما تتحملان مسؤولية تاريخية وشرعية لنصرة الشعب الفلسطيني في سعيه المشروع من اجل استرجاع حقوقه الوطنية ..وعلى الأطراف التي تعرقل الجهود الصادقة لانجاز المصالحة التوقف فورا عن كل ما من شأنه اعتراض طريق المصالحة أو تأخيرها. ما هو مهم وجديد,في إطار المحاولات التي تبذل بين الحين والأخر ,على طريق تحقيق المصالحة الفلسطينية ,من جانب هذه الجهة أو تلك ,أن أقوال إمام الأزهر الشريف جاءت لتسلط الأضواء _وسط مناخ من اليأس وخيبة الأمل _ على حرمة وعدم شرعية حالة الانقسام في الساحة الفلسطينية وان إزالة وضعية الانشراخ الحالية هي بمثابة فرض شرعي مقدس يقع على عاتق الفلسطينيين والعرب والمسلمين من منظور أن انقسام الفلسطينيين الحق الضرر الكبير بالحقوق والمصالح الوطنية ,العربية والإسلامية . من هنا وعلى الرغم من حالة اليأس والإحباط التي تخيم على الشارع الفلسطيني تجاه إمكانية تحقيق المصالحة , بعد خيبات الأمل المتلاحقة وبعد حالة الانسداد التي آلت إليها جهود المصالحة ..على الرغم من ذلك نأمل أن تجد الفتوى الشرعية لإمام الأزهر الشريف , التي تدعو كل الأطراف ذات الصلة لانجاز المصالحة الفلسطينية , طريقها إلى الواقع وتدفع في اتجاه الخلاص من هذا الوضع المركب المأساوي الذي يعاني منه شعبنا وان يدرك الجميع في نهاية المطاف أن لا بديل عن المصالحة إلا المصالحة التي تفتح الأفاق السياسية الحقيقية أمام تجسيد الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة والقفز فوق كل عوامل المعاناة الراهنة.