بدلا من أن يدرك الفلسطينيون الآثار السلبية للعامل الجغرافي فى استمرار الانقسام السياسي ، وفى أدراك تأثير هذا العامل أيضا على قيام الدولة الفلسطيني مستقبلا، يعملون بوعي أو دون وعى على المضي فى توظيف هذا العامل فى تعميق حالة الانقسام . والذهاب بها بعيدا حتى تصبح حالة بنيوية مركبة يصعب حلها . وفى البداية كيف تدرك إسرائيل وتوظف هذا العامل الجغرافي ؟تدرك إسرائيل أن هناك عاملان حاسمان متكاملان إذا ما أتيحت الفرصة للتكامل والترابط بينهما ، واقصد بذلك الإنسان والأرض فإن من شان ذلك أن تتبدل صورة الصراع العربي ألأسرائيلى ، ومستقبل كل من إسرائيل والقضية الفلسطينية . ولذلك أول شئ تقوم به أسرائيل هو الفصل بين العاملين ، وعدم السماح بتكاملهما وترابطهما . ويتجلى ذلك فى العديد من السياسات وألأجراءات التى تقوم بها على ألأراضى الفلسطينية ، وفى هذا السياق قد نفهم قيام المستوطنات على ألأراضى الفلسطينية بما لا يسمح بالألتقاء والترابط بين عنصرى ألأنسان والجغرافيا ، وهو الذى يفسر لنا ايضا الحواجز التى تقيمها على ألأراضى الفلسطينية فى الضفة الغربية وتحكمها فى كل المعابر البحرية والجوية والبرية . ولعل المثال الصارخ والواضح على هذه السياسة هو تعميق حالة ألأنقسام السياسى بين شطرى الوطن الفلسطينى فى كل من غزة والضفة الغربية ، ولا يتوقف ألأمر عند تجزأة ألأرض وفصلها جغرافيا ، بل الفصل والأبعاد لعنصر السكان ، وهى بهذه السياسة تحتوى كل الخيارات الفلسطينية فى المقاومة والمفاوضات ، وفى الحيلولة دون قيام دولة فلسطينة متكامله بين عنصرها البشرى ، وعنصرها المكانى ، وتقع هذه السياسة فى أطار رؤية أستراتيجية عليا تعمل على تذويب القضية الفلسطينية فى أطار الخيارات ألأقليمية البديلة ، وهو ما يسهل عليها تحييد دور العامل السكانى بالتحكم بالعامل الجغرافى .وتدرك أسرائيل أن قوة الفلسطينيين فى التلاحم والترابط بين ألأنسان الفلسطينى وألأرض. وبالتالى أسهل الطرق وأقصرها لتصفية القضية الفلسطينية هو بتعميق حالة ألأنقسام والفصل بين هذين العنصرين.والمفارقة السياسية فلسطينيا أن العامل الجغرافى يلعب دورا مهما فى أستمرار حالة ألأنقسام السياسى ويدفع فى أتجاه أن تصبح حالة بنيوية متجذرة على ألأرض، فمن ناحية حركة حماس والحكومة فى غزة مطمئنه أن الفصل الجغرافى والبعد بين غزة وبقية الوطن الفلسطينى يساعد على أستمرار خيار ألأنقسام ، فالدولة الوحيده القادرة على تغيير الوضع أسرائيل ، وقد فشلت فى خيار الحرب وخيار الحصار ، وفى نفس الوقت من مصلحة أسرائيل أستمرار الوضع بصرف النظر عن طبيعة الحكومة القائمه، لأن ما يهم أسرائيل فى الواقع أمران :ألأول وقف كل أشكال المقاومة أو بمعنى أدق عدم تحول غزة الى مصدر تهديد لها ، ولذلك تكيف الوضع فى غزة سياسيا بما يتفق ورؤيتها ، ومن ناحية أخرى تفرض وتسهل الحالة الجغرافية والخصائص الطبوغرافية لغزة أستمرار ألأنقسام ، فأسرائيل تتحكم فى كل المنافذ البحرية والجوية ، وهدفها البعيد هو فك ألأرتباط الكامل بغزة ، ومن ناحية اخرى يبقى منفذ رفح المنفذ البرى الوحيد والذى يربط غزة بمصر ، ومن يحكم فى غزة أيضا مطئن للموقف المصرى فى النهاية ، وعدم لجوئه فى جميع ألأحوال الى أستمرار حالة الحصار ، وعليه ماذا يمكن ان يكون مستقبل الأنقسام لو كانت غزة ملتصقة بما حولها بأرض فلسطينية ، وبعبارة اخرى هل يمكن ان يتكرر نموذج غزة مثلا فى جنين أواى منطقة اخرى ؟ وبالمقابل الوضع فى الضفة الغربية لا يختلف كثيرا عن غزة ، فالحكومة والسلطة وحركة فتح أيضا مطمئنة ان نموذج غزة لن يتكرر فى الضفة الغربية مهما كان ضعف الحكومة والسلطة ، فالموقع الجغرافى للضفة الغربية وتلاصقه مع أسرائيل من ناحية ، ومن ناحية أخرى التلاصق والتكامل الجغرافى مع ألأردن ، فالضفة الغربية تقع فى قلب أسرائيل كدولة ، وهذا يفرض أستراتيجية أخرى من قبل أسرائيل ، فأسرائيل لن تسمح بوجود أى حكومة فيها معارضة ومهددة لها ، وبحكم التقارب والتداخل الجغرافى فلن تسمح اسرائيل بأن تتحول الضفة لاى ثكنة عسكرية ، وهذا ألأطمئنان السياسى يقف ورائه العامل الجغرافى ، وهنا ألأدراك والتوظيف المعكوس للعامل الجغرافى ، وبدلا من ذلك كان يفترض أن يكون العامل الجغرافى هو العامل الحاسم فى أنهاء ألأنقسام السياسى ، لأن من شأن هذا ألأنقسام الجغرافى أن يقسم الشعب الفلسطينى الى شعبين تفصل بينهما حواجز جغرافية تتحكم فيها أسرائيل، وقد يمتد هذا الأنقسام الى شكل آخر من اشكال ألأنقسام فى التفاوت والتباين الحضارى ومن ثم الثقافى بين المنطقتين ، والنتيجة النهائية إذا لم ندرك تأثير هذا العامل الجغرافى فمن شان ذلك أن نصبح أمام نموذج غير قابل للحل ، وثمنه السياسى هو أنهاء القضية الفلسطينية فى ظل خيار ألأنقسام السياسى ، وعليه بقدر أدراك خطورة هذا العامل الجغرافى ، وبقدر ألأستقواء بالمصالحة على العامل الجغرافى بقدر الحفاظ على وحدانية القضية ووحدانية هوية الشعب الفلسطينى .