يمكن أيضاً قلب السؤال ليصبح: لماذا ترهن المصالحة بكسر الحصار؟ وفي الظروف الراهنة والضجيج العالمي الذي أحدثه أسطول الحرية لكسر الحصار على غزة وما استتبعه من هجوم إسرائيلي عنيف وغير شرعي على المتضامنين الدوليين وسقوط الشهداء الأتراك يتضح أن هذين العنوانين من عناوين العمل الوطني الفلسطيني والتحرك العربي والدولي المساند له يجب أن يحظيا بنفس الاهتمام وأن لا توضع شروط على تحقيق أي منهما ربطاً بالآخر ذلك أن متطلبات المصالحة ومقدماتها تختلف عن تلك المتعلقة بكسر الحصار والقوى المشاركة فيها، حيث يلعب العامل الذاتي دوراً مقرراً في الأولى بينما يلعب العامل الموضوعي الدور المقرر في الثانية. الفلسطينيون يدركون هذه الفوارق ويعلمون أن معركة كسر الحصار طويلة وشاقة رغم التقدم الكبير الذي أحدثته التطورات الأخيرة في هذا الملف، لكن إسرائيل تدرك كذلك أن هزيمتها في هذا العنوان ستعني واقعاً مختلفاً بشكل نوعي في قضية الحل النهائي والمفاوضات الجارية بخصوصها، كما تدرك أن كسر الحصار يعني انتصار حركة حماس في معركة الصمود والتحدي داخل قطاع غزة المحاصر وتزايد وزنها في المعادلة الفلسطينية الداخلية، واستطراداً تعزيز موقفها التفاوضي في قضية تبادل الأسرى لإطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط. لهذه الحيثيات قدرنا أن كسر الحصار سيكون معركة صعبة وتحتاج لجهود كبيرة وتعاون بين القوى الفلسطينية وبينها وبين الدول العربية النافذة والدول الصديقة المساندة لقضية فك الحصار، وهذه كثيرة ويتراوح سقف موقفها بين المطالبة بالضغط على إسرائيل حتى لو تطلب ذلك فرض عقوبات دولية عليها وبين المناشدة الإنسانية بضرورة رفع الحصار ليحصل الفلسطينيون المحاصرون على الطعام وغيره من متطلبات العيش الكريم. إن أحد شروط النجاح في توحيد الجهد العربي والدولي باتجاه إنهاء الحصار وتمكين الفلسطينيين من العيش كباقي الشعوب يرتبط بتوحيد الجهد الفلسطيني ذاته والذي يعني تحقيق المصالحة وعودة الوحدة الوطنية وبغير ذلك لن ينتهي الحصار أو يكسر، والأمر هنا لا يتعلق بموقف الرئيس الفلسطيني أو حتى النظام المصري والشروط التي يضعها الطرفان لفتح معبر رفح وكأن تحرير غزة نهائياً من الاحتلال الإسرائيلي مرهون بهذا الأمر، أو بشروط يضعها هذا الطرف أو ذاك على أشقائه. الزخم الذي تولد نتيجة العدوان الإسرائيلي على قافلة الحرية والحراك الإقٌليمي والدولي لرفع الحصار بما في ذلك قرار البرلمان الأوروبي المتميز للمطالبة بإنهاء الحصار يمنح معركة كسر الحصار أولوية راهنة لصب كل الجهد في هذا الاتجاه وتعزيز الروابط مع القوى الإقليمية والدولية دون النظر إلى التباين السياسي بين حركة حماس وحركة فتح والمماحكات المتعلقة بالشرعية لهذا الطرف أو ذاك. إن رفع الحصار عن قطاع غزة وكذلك عن الضفة الغربية يجب أن يكون الشغل الشاغل للجميع بغض النظر عمن يسيطر هنا أو يحكم هناك لأن هذه يمكن معالجتها في سياق البحث عن حل للخلاف الفلسطيني الداخلي للوصول للمصالحة ومن ثم إنجاز الوحدة الوطنية الشرط الرئيسي لتحقيق الانتصار في المعركة الوطنية الأشمل ولمواجهة الاحتلال وكنسه من أرضنا. الدعوة للمصالحة والمبادرات بخصوصها استمرت منذ ثلاث سنوات وصدرت من كل القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني الفلسطيني والأسرى كذلك، كما كانت طلباً ملحاً وصادقاً من الدول العربية الحريصة على المصلحة الوطنية الفلسطينية واستمرار المقاومة بكل أشكالها، ولم يقتصر الأمر على هذا بل تدخلت دول أجنبية صديقة من أجل رأب الصدع الفلسطيني. هذه الدعوات والمبادرات تصاعدت بقوة خلال الفترة القصيرة الماضية وعلى الأخص بعد العدوان الإسرائيلي الهمجي على أسطول الحرية واستنكار هذا السلوك الخارج على القانون من جانب الأغلبية الساحقة من دول العالم والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وباحترام القوانين والشرعية الدولية. صحيح أن ظروفاً أكثر صعوبة، وعدواناً أعنف، وأحداثاً أخطر مرت بالشعب الفلسطيني قبل هذا الحدث وبالتالي كان موضوع الوحدة الوطنية أثناءها أكثر إلحاحاً وأهمية، غير أن تداعيات الحدث الأخير والاهتمام العربي والدولي بالقضية الفلسطينية وتصاعد نغمة الإدانة لإسرائيل وانضمام مزيد من الدول لمناهضة السلوك الإسرائيلي، وانكشاف حقيقة الدولة العبرية، وبالتالي توفر الفرصة الأفضل لتحقيق إنجازات ملموسة وحقيقية يجعل من مسألة المصالحة وتحقيق الوحدة الوطنية أولوية مطلقة في الوقت الراهن دون وضعها كشرط لكسر الحصار أو اعتبارها العامل الوحيد لذلك، تماماً كخطأ اعتبار كسر الحصار المهمة الوحيدة التي تستوجب تحقيقها. "البيضة أم الدجاجة أيهما أسبق؟" هذا السؤال العبثي يجب أن لا يرد اليوم ونحن نعالج قضايا مصيرية تتعلق بمستقبل الشعب الفلسطيني، والأولويات تحددها ضرورات وطنية يجمع عليها الشعب الفلسطيني من جهة وعوامل التحقق المتوفرة لها من جهة أخرى، ومن هنا يجب أن يعمل الجميع على المهمتين بنفس الروحية وعلى ذات المستوى من الاهتمام دون أن يغيب عن الذهن أن مهمة المصالحة ترتبط كما أسلفنا بالعامل الذاتي وهي بذلك يجب أن تكون أقرب للتحقق من الأخرى.....فهل نكسر حاجز عدم الثقة ونتقدم؟