مضى زمن طويل عندما كانت مهمة السفير (أو سابقًا ممثل فتح أو ممثل م.ت.ف) خدمة مصالح الجالية الفلسطينية في هذه الدولة أو تلك، ومضى زمن طويل قبل أن تكون إحدى مهام مثل هذا الشخص الاجتماع بأبناء الجالية والاستماع إليهم، وأصبحت مهمة السفير الفلسطيني في هذا الزمن الرديء التجسس على أبناء الجالية ومحاولة استعداء السلطات في البلد المضبف لكل من يظهر انتقادًا للسلطة ورجالها . وأترحم على أيام الأخ سعيد المزين (أبو هشام) والأخ رفيق شاكر النتشة (أبو شاكر) عندما كان هاجسهما الأكبر إيلاء القضية وهموم الجالية الأولوية في سلم اهتمامهما وصميم عملهما . ولم يعد يخفى على أحد أن السلطة الفلسطينية لا تشترط فيمن توظفه في إحدى وظائف دويلة رام الله الولاء المطلق لأبو مازن وفياض ودحلان وعريقات ، وإنما أيضًا عدم ترشيح أحد عضوًا قي مجلس الجالية (تحت مسمى الجمعية الخيرية) إلا إذا أثبت ولائه ليس فقط للسلطة ، وإنما أيضا لسعادة السفير . وهكذا تم اختيار أعضاء جمعية (جالية) جدة على هذا الأساس لتضم بعض الأعضاء الذين يعتبر مؤهلهم الوحيد لنبل هذا الشرف (العظبم) أنهم أغنياء ، فيما أستبعد آخرون جديرون بهذا الشرف (العظيم) لا لشىء إلا لأنهم ينتقدون السلطة وبعض قادتها مثل دحلان وغيره . كان أبو عمار – يرحمه الله- يؤكد دائمًا على التمسك بالديمقراطية باعتبارها السلاح الأكثر فاعلية في مواجهة الفساد والبيروقراطية والانحراف السياسي والخروج عن مسار الأطر والمبادئ العامة التي تحكم المسيرة النضالية للشعب الفلسطيني . وكان الرجال حول الرئيس يقتدون بهذا الخيار الشجاع الذي يتحلى به الأحرار من أبناء فتح ، وكنا نسأله أسئلة محرجة ، فلا بغضب ، وكنا ننتقد تصريح أو موقف له أو لأحد زعماء فتح ، فلا يغضب ، وحتى إن حدث ذلك ، يغادر لفترة ، ثم يعود مبتسمًا . وكان يحرص في كل زياراته للمملكة على لقاء الجالية والتحدث إليهم والاستماع منهم ، وهكذا كان الأمر مع أبو إياد وأبو جهاد وخالد الحسن وهاني الحسن وفاروق قدومي. اليوم انقلبت الأمور رأسًا على عقب ، وللأسف الشديد وصل الأمر إلى درجة أن يجتمع رئيس السلطة في زيارته الأخيرة للولايات المتحدة بالجالية اليهودية وليس الفلسطينية ، ناهيك عن التصريحات التي أدلى بها لزعماء تلك الجالية. لعل أهم حسنات عهد أبو شاكر عندما كان سفيرًا لدى المملكة دعوته لتشكيل اتحاد عام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين بالانتخاب، وحيث صادق الأخ د. حسين أبو شنب على نتائج تلك الانتخابات ، اليوم تشكل مجالس الجالية (أو الجمعية الخيرية) بالتعيين . ولا بأس ، لكنني أوجه السؤال لسعادة الأخ السفير جمال الشوبكي ، أو بالأحرى لسعادة القنصل العام وأنتظر منه إجابة صريحة وشجاعة : ما هو المقياس الذي تم على أساسه اختيار أعضاء تلك الجمعية واستبعاد البعض الآخر؟ ويا حبذا لو أعطانا سعادته نبذة عن أعضائها السبعة ، على الأقل لنعرفهم عن قرب ، فأنا لا أعرف منهم سوى ثلاثة أعتقد بأهليتهم ، وإن كنت لا أؤمن بغير الانتخاب ، الانتخاب الذي لا يتم على طريقة (انتخبني وانتخبك) . يبقى شيء واحد ينبغي الالتفات إليه ، وهو أن محاولة استعداء السلطات ضد منتقدي السلطة شيء تجاوزته هذه البلاد منذ أمد طويل التي تعتبر الإصلاح والتطوير ومحاربة الفساد عنوانًا وشعارًا لها في مرحلة البناء والتطوير الشامل التي تعيشها الآن ، وياحبذا لو اقتدت السلطة بهكذا مبادئ .