ليس كل ما يقال أو يُسمع أو يتردد بين الناس هو الحقيقة أو الصواب ،وكما يقول المثل الشعبي " حكي السرايا غير حكي القرايا " .. وتهامس الناس لا حدود له خاصة في ظل غياب دقة المعلومات وكثرة الناطقين والمصرحين ورواد الفضائيات والتلفزيونات ووسائل البث المسموع والمقروء وغير ذلك الكثير..وما أكثرهم حين يتسابقون على الوقوف أمام عدسات آلات التصوير.. إن المتتبعين والمضطلعين على وسائل إعلامنا المختلفة وأقوال وتصريحات " الزعماء" و" القادة " و "المتنفذين" و"أصحاب القرار" ،سيدرك دون ريب كم هي واسعة الفجوة والهوة بين حقائق الأمور وبين القدرة على فهم وتحليل والربط بين كل هذا الضجيج المتناقض من الأقوال والتصريحات والمواقف... وحين يسترخص البعض الكلام ويُكثر منه معتقدا إن لا أحدا سيحاسبه على ما يقول ، وحين يعتقد البعض أن خربشاته وأكاذيبه في تصريحا هنا ومقابلة هناك سيبرزان محاسنه وقدراته على فن الخطابة والظهور الجميل أمام المتفرجين... فان ذلك كله لن يكون أكثر من انعكاس على تدني في الوعي والمعرفة، واستهانة مقيتة بالمستمعين أو المشاهدين أو القارئين.. لقد انشغلت المستويات الفلسطينية السياسية والحزبية والعشائرية المختلفة طوال الفترة الماضية والحاضرة بقضية انتخابات الهيئات المحلية التي كان مخططا لها أن تجري في شهر تموز القادم، والتي تم إلغائها _ تحت قرار تأجيلها_ إلى اجل غير مسمى دون إعطاء المبررات والحجج والأسباب الحقيقية وراء التأجيل تاركة الباب مفتوحا على مصراعيه للتحليل والتأويل والتبرير، " وعسكري دبر راسك "و "الشاطر يفهمها ".. وهنا بدأت حروب الداحس والغبراء بين المستقلين والأحزاب والأطياف والملتزمين والرافضين والمحتجين والحردانين والمتمردين والفرحانين والزعلانين وغيرها من المسميات التي يطفح بها الشارع الفلسطيني.. إلى درجة أننا سنرى قضاتنا ومحامينا ورجال القانون مشغولين ومنهمكين في رفع الدعاوى والمرافعات والشكاوى والبحث عن النصوص والقوانين التي تُدين أو تبرئ أصحاب القرار.. ونحن لن نفاجأ حين يدور الحديث عن المبررات ،وهي جاهزة – بعون الله – وأهمها وفي مقدمتها وعلى رأسها ،المصالحة الوطنية والوحدة الوطنية وإمكانية عودة المغتصب والمسروق والمخطوف من بقايا الوطن ..وهنا أيضا لن نفاجأ عندما ترفع حركة حماس الغطاء وتكشف لنا- كما فعلت في كل المرات السابقة- ضعف هذا التبرير وضحالته وعدم صحته، لأنها ببساطة لن تتخلى عن ما تعتبره ارث أبائها وأجدادها وأسلافها وأولي الأمر منها..ولكنها تترك لنا الباب – مشكورة – لان نحلم ونأكل الرز مع الملائكة في مناماتنا.. وحين نصحو من نومنا نكتشف أننا ما زلنا في المربع الأول من رقعة الشطرنج... ولكن، هل هذا هو حقا تبرير حكومتنا الحقيقي لتأجيل انتخابات الهيئات المحلية في الضفة الغربية؟؟؟؟؟؟أنا لا اعتقد ذلك , وكُثر هم الذين يشاركونني هذا الاعتقاد، لان وراء "الأكمة" ما ورائها.. ويا حبذا لو أخذت الحكومة موقف الشارع الفلسطيني من جهة وموقف القوى والأحزاب وكل الأطياف الفلسطينية من جهة أخرى بعين الاعتبار وقررت حينها تأجيل الانتخابات أو إجراءها وفق الموعد المحدد لها..حتى لا تترك الناس يعيشون وسط كم هائل من التصريحات والتحليلات والمواقف وألاراء والتناقضات التي لا نعرف متى ستنتهي نتائجها... وهنا لا بد من القولـ،،إننا ملزمون في النهاية بقبول الأمر الواقع ،لسبب بات معروفا - ومن نوافل القول الحديث فيه وحوله – ألا وهو أن قضيتنا باتت لا تحتمل الانقسام والانشقاق والتبعثر والمزايدات والمهاترات..مع معرفتنا أن الاختلاف لا يُفسد للود قضية عند من يتمتعون بالوعي والمعرفة والدراية ومن يتحملون المسئولية الوطنية ويعتبرون أنفسهم الأقدر والأكثر كفاءة لامتلاك ناصية القيادة ...مع ايماننا أن قبولنا بالأمر الواقع لا يعني أننا نضع رؤؤسنا كالنعام في الرمل أو تحت رحمة السياف ،ولكنه قبول ناتج عن فهم واعي لطبيعة الساحة الفلسطينية من حيث تركيبتها الاجتماعية وتعبيراتها السياسية والتنظيمية ،التي ما عادت تمثل محطات يحج إليها ذوي الشأن عند الحاجة أو وقت الضيق أو حين وقوع المصائب والزلازل...ولأننا ندرك تماما أن قرارا كهذا لم يأتي إلا لينقذ فصائلنا وتنظيماتنا من هزائمها وانتكاساتها ومشاكلها الداخلية ــــ والحدق يفهم ـــــ... وفي النهاية إننا نتضرع إلى الله أن يلهم من خطفوا نصف التوأم أن يعيدوه إلى النصف الأخر ليتربيا معا ويواجها الحاضر والمستقبل وكل الإخطار معا ،حتى لا يندم الجميع عندما تأتي لحظة – ونتمنى أن لا تأتي – أن لا يعرف الشقيق شقيقه من حسرة البُعد وطول الاغتراب.