خبر : تركيا.. الحريص على المصلحة الفلسطينية..أحمد فايق دلول

السبت 19 يونيو 2010 01:21 ص / بتوقيت القدس +2GMT
تركيا.. الحريص على المصلحة الفلسطينية..أحمد فايق دلول



لا أحد يشك قطعاً بأن فلسطين كانت ولا زالت جزءا أصيلا من النظام الإقليمي العربي (الوطن العربي)، تتمتع بالمزايا التي تتسم بها أجزاء النظام، وتخضع لنفس الظروف التي تسود به. وكانت مصر بحكم موقعها الجيوسياسي المجاور لفلسطين وكغيرها من الأقطار العربية، هي المعين الذي لا ينضب والملاذ الآمن بالنسبة لغالبية الفلسطينيين، ولكن ثمة أسباب موضوعية أجبرتها على التراجع عن مواقفها الأصيلة تلك، كان أبرزها توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين "السادات" و "بيغن" برعاية الرئيس الأمريكي "كارتر" عام 1978م، هذه الاتفاقية حققت العديد من المزايا الإستراتيجية لإسرائيل، فكانت تهدف بشكل أساسي إلى تحييد مصر من الصراع العربي الإسرائيلي، وبهذا تُلغى فكرة القومي العربية التي عكف الرئيس الراحل "عبد الناصر" على تكريسها لدى الأمة العربية، وعلى العكس تمامً، أصبحت مصر للمصريين على حد تعبير الرئيس الراحل السادات. وتنطوي قائمة المواقف المصرية المشرّفة ليس مع الفلسطينيين فحسب، بل ومع كثير من الدول العربية. ولا نريد الاستطراد في الحديث حول هذه الأسباب، ولكن نكتفي بالقول أن الأوضاع الداخلية المصرية الآنية (البرادعي، الأقباط، الانتخابات، حول النيل) جعلتها ترتب سلّم أولوياتها من جديد ووفق ترتيبات مغايرة عمّا مضى، وعليه، لا بد من استغلال الطاقة التي ستهدرها للقضية الفلسطينية أو الدول العربية والمجاورة،  في أمور أخرى أكثر أهمية بالنسبة لها، وبهذا تحاول مصر التخلّي قدر المستطاع عن القضية الفلسطينية، وهذا بدوره يؤسس لمرحلة جديدة على الصعيد الإقليمي الشرق أوسطي، مما أحدث فراغاً في ساحة القيادة لهذا النظام.   هذا الفراغ فتح شهيّة دول أخرى لأن تصبح دولاً مركزية في المنطقة، ومنها إيران على سبيل المثال، والتي سعت نحو التحرّك لملئه، وذلك من خلال المدخل الوحيد للنظام الإقليمي العربي، أو بالأحرى النظام الإقليمي الشرق أوسطي، فبدأ إيران تتعامل مع حركة حماس منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، وما أن تراجع دور مصر في القضية الفلسطينية، حتى أصبحت إيران تشكّل تهديداً إستراتيجياً للنظام الإقليمي العربي بتدخلاتها هذه ومحاولاتها اعتلاء عرش النظام. أما على المستوى التركي، فقد كان بروز نجم "حزب العدالة والتنمية "عام 2002م، وتحقيقه فوزاً كاسحاً، قد مهّد الطريق لدور تركي في المنطقة، فكان أول تدخّل في عهد حزب العدالة والتنمية يتعلق بالقضية العراقية ومسألة الحرب عليها، فوقفت تركيا موقف الرجل المحافظ على وحدة الشرق الأوسط، وكانت مواقفها بهذا الخصوص مشرّفة. والجدير بالذكر أن تركيا حازت على المساحة الأكبر في النظام الإقليمي، وذلك بسبب المواقف والعلاقات المتوترة بين العرب وإيران ودعوة إيران الشعوب العربية بالثورة على حكوماتها من ناحية، والقبول التركي لدى العرب على اعتبار أن تركيا دولة ذات إرث إسلامي عريق، هذا في ظل السياسة الناعمة (الدبلوماسية) التي اعتمدتها تركيا العثمانيين الجدد في سياستها الخارجية.   ولطالما كانت القضية الفلسطينية هي القضية الأهم على ساحة النظام الإقليمي الشرق أوسطي، فإن الأمر يستلزم من تركيا مزيداً من العمل الدءوب لصالح القضية الفلسطينية، لأنها الأكثر ارتباطا بالنظم الإقليمية والنظام الدولي، وعلى هذا الأساس تقف تركيا بجانب الشعب الفلسطيني قلباً وقالبا وكأن فلسطين جزء، وما أن فازت حركة حماس في الانتخابات التشريعية 2006م، حتى بدأ تركيا بفتح قنوات اتصالاتها مع الحركة وحكومتها، فاستضافت رئيس المكتب السياسي للحركة ولأكثر من مرة. لم يقف الأمر عند هذا التصرّف، بل توسّطت بين حركتي فتح (الرئاسة) وحماس (الحكومة) من أجل تحقيق الوفاق والمصالحة الوطنية عام 2007م، قبل اتفاق مكة وبعد تغيير الأوضاع في القطاع يونيو 2007م. وربما يقع الظلم على شخص الفارس أردوغان، حيث يعتبره بعض الجاهلين سياسياً بأنها يقف مع طرف فلسطيني على حساب الآخر، وهذا محض افتراء، لأن السياسة التركية تقف على مسافة واحدة من الفرقاء الفلسطينيين جميعا، وقد كان لزيارة الرئيس "أبو مازن" أهميتها بالنسبة للسلطة الفلسطينية، وقع في هذه الزيارة تأكيد على أن تركيا حريصة على مصلحتنا أكثر من الدول العربية، هذا في الوقت الذي تقف مصر فيه موقف المعيق لهذه المصالحة. وبهذا تكون الشقيقة تركيا قداجتازت مدخل النظام الإقليمي العربي من مدخل القضية الفلسطينية.   وكان لتركيا موقفاً صلباً شجاعاً غير معلن عنه في أغلب الأحيان، وذلك حينما قام وزير خارجيتها "أوغلو" بجولة دبلوماسية مكوكية أدّت في نهاية المطاف إلى وقف الحرب عن غزة التي شنّتها إسرائيل بتاريخ 27/12/2008م، وقد اعتبر "أردوغان" أن تلك الحرب على قطاع غزة بمثابة ازدراء بتركيا واستخفافاً بدورها الإقليمي الصاعد، لأن الهجوم جاء بعد أربعة أيام من زيارة رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق "إيهود أولمرت" إلى أنقرة، وعلى الأثر، أشفى غليلَنا ما حدث في مؤتمر "دافوس"، عندما وقف الفارس التركي "أردوغان" موقف الشجاع ووبّخ الرئيس الصهيوني "شمعون بيرز" وحمّله كامل المسئولية. ومن ثمّ انسحب من المؤتمر حفاظا على كرامة تركيا وغزة.   وبغض النظر عن مدى توسع الدور التركي أو محدوديته، فمن غير المعقول أن ننكر الدور الكبير الذي قامت به تركيا في الآونة الأخيرة من إرسال قوافل بحرية (سفينة مرمرة) لكسر الحصار عن غزة، هاجمت إسرائيل هذه السفن، وسقط ضحية الهجوم عشرات الجرحى والشهداء، فقامت تركيا بحرب دبلوماسية على أعلى مستوى، وطالبت إسرائيل بالاعتذار للشعب وللحكومة التركية على ما اقترفته، وقامت تركيا بتقليص علاقاتها مع الأخيرة إلى أدني مستوى وطالبت مجلس الأمن بفتح تحقيق في عملية القرصنة، وهذا في جانب من جوانبه يُحسب لصالحنا كفلسطينيين، الأمر الذي لفت أنظار العالم تجاه حصار قطاع غزة، ودبّ الحقد والكراهية لدى أحرار العالم ضد دولة العنصرية إسرائيل. وتركيا اليوم غير مطالَبةً بإيجا حلٍّ سحري للقضية الفلسطينية، هذا في ظل دول عربية انهزامية غير قادرة على مقاومة الذات.   وفي ختام سياق هذه المقالة، نثني على الطيب رجب أردوغان، ونستحضر مقولته الغالية على قلوبنا: "إذا كان هناك من أدار ظهره لفلسطين فإن تركيا ستبقى تقف إلى الحق الفلسطيني". ونطرح سؤالاً، ونترك للقارئ الكريم أن يبدي رأيه: ألا تستحق تركيا زعامة العرب والمسلمين بعدما خرجت الحكومات العربية من قيادة النظام الإقليمية العربي؟