خبر : لم نُبدِع فَنّاً....فراس ياغي

الخميس 17 يونيو 2010 09:52 ص / بتوقيت القدس +2GMT
لم نُبدِع فَنّاً....فراس ياغي



  إن أفضل طريقة لتحطيم الجسر القائم بين المرئي واللامرئي ليس بالشرح ولا بالتشخيص ولا حتى بالدعوات الصادقة بل بالمجازفة في اتخاذ قرارات تعبر عن مصلحة فلسطينية خالصة غير مرتبطه بأي أجندات إقليمية ودولية...أهمية ما يعرف ب "الشرعية الدولية" لا تنبع من إعترافنا فيها كأساس للتعامل معنا، بل بمقدار قدرتنا على فرض رؤيتنا الواقعية عليها، على اساس من وجود برنامج وخطة لدينا مرتبطه بوحدة وطنية كمصلحة وطنية عليا، لا حزبية ولا شخصية، فعندما تكون "فلسطين" بحدودها مُعَرّفه لنا جميعا، يمكن لحظتها بناء شيئا يستطيع أن يفرض نفسه على واقع دولي ظالم تتحكم به رؤيا "أمريكية" مرتبطه بمصالحها التي لا تنفصم عراها عن علاقاتها الاستراتيجية بدولة "إسرائيل"، رغم كلَّ ما قمنا به، فلا الحديث عن اتفاق أمني بوجود طرف ثالث "أمريكي او متعدد الجنسيات او من حلف شمال الاطلسي" كمراقب وكحضور على الارض في الاغوار والمرتفعات الوسطى والشرقية، ولا مفهوم أل ""Swap كإطار لحل المشكلة المسماه "التكتلات الاستيطانية" غير الشرعية والموجودة على الأرض المخصصة للدولة الفلسطينية كشيء إفتراضي، ولا حتى تعريف السلام بأنه "نهاية للمطالبات" و "نهاية للصراع"، ولا حتى حل مشكلة اللاجئين بما أصبح متعارف عليه بمصطلح "حل متفق عليه بين الطرفين"..هذا كله وأكثر منه لن يؤسس ابدا لسلام دائم وشامل بين مختلف الاطراف وبالذات بما يتعلق بالقضية الفلسطينية. أعلم أنك إذا أردت أن تكتشف شيئا فعليك إقتحامه بشكل مباشر، وهذا ممكن الحدوث حينما لا توجد لديك معرفة او حتى توقع للشيء الذي تريد أن تكتشفه.. إما بمفاوضات مستمرة بكل أنواعها، السرية والعلنية، المباشرة وغير المباشرة، التقريبية وجس النبض، بوجود وسيط او وسطاء، بأجندة واحدة او بعدة أجندات، بشروط أو بغير شروط، ب "لفني" او "نتنياهو"، فلا يمكن إكتشاف شيء، ليس لعدم القدرة، وإنما لأن الشيء الذي تبحثون عنه غير موجود لدى الطرف الآخر، فصناع السياسة "الاسرائيلية" الحاليين ليس لديهم لا نية ولا توجه ولا خطة بمفهوم حل الصراع وفقا حتى للمباديء التي طرحها الرئيس "أبو مازن" في خطابه في "معهد بروكينز" في واشنطن ولا في حديثه المباشر والواضح الذي جرى أثناء العشاء الفاخر الذي أقامه على شرفه الملياردير الامريكي "اليهودي" دانيال أبرهامز، وحتى "خواتم إلهام" الكاتب الرائع "كويلو" في قصته الاخيرة "بريدا" لا تنفع أي عرَّاف في الاكتشاف، فكيف بمن يحاول تطمين الطرف الآخر بتصريحات علنية تجاوزت كل ما كان متعارف عليه لدى مجمل القيادة الفلسطينية باسم الواقعية.. خاتم "الشهيدة" لبسه رئيس الوزراء الاسرائيلي "رابين"، بإغتياله تم إكتشاف عمق مشكلة إمكانية السلام مع الطرف الآخر، و "خاتم "القديسه" لبسه الرئيس الفلسطيني الذي وصل أحيانا للتضحية بسمعته من أجل السلام ولم ولن يتحقق شيء، اما خاتم "العذراء" فلم يجرب بعد، فعزل اسرائيل وفرض العقوبات عليها لاجبارها على إكتشاف الحكمة من السلام غير مطروح فعليا من قبل حليفتها وراعييها الذي اشعبنا خطابات وكلمات جميلة في "القاهرة" و "أنقرة"، في حين خاتم "العرّافه" الذي يستخدم ذاكرة الزمن والاستقراء والتحليل والاستنتاج إن كان بمفهوم "السحر" أو حتى بمفهوم "العلوم السياسية" والذي إستخدمه غالبية المحللين السياسيين بموضوعية، يؤشر لعدم إمكانية حدوث أي تقدم أو أي حل في الموضوع الفلسطيني، فالاسرار هنا واضحه، مكشوفه..إحتلال وحق..إستيطان وشعب..قدس ودولتين..حصار وجلاد..جدار و"أبارتهيد"..الحكمة ليست هنا في الاكتشاف، وإنما في الاستعداد لفرض الممكن، واذا كان الممكن غير قابل للفرض والتحقيق، فماذا يمكن فعله إذاً؟! سؤال مطروح للواقعيين في القيادة الفلسطينية وحتى للعرب المعتدليين..لجنة تحقيق دولية محايدة فيما حدث في عرض البحر المتوسط وفي المياه الدولية غير قابلة للتحقيق، فما هو الشيء الذي يمكن تحقيقه إذاً؟! مرة أخرى، سؤال يبقى بدون جواب..ليس لعدم توفر الاجابه..بل لعدم توفر الاستعداد الذاتي لطبيعة الاجابه، لدينا معادلة واضحة، طرف يريد السلام من أجل السلام، والآخر يريد الحقوق مقابل السلام..سياسة فرض الامر الواقع في القدس والاستيطان مقابل سياسة التفاوض اللامحدود واللانهائي " سياسة أل Infinity"" كمعادلة رياضيات".. طريق سهل باسم القدرة القابلة للتماشي مع ما يسمى "الشرعية الدولية"، ولكنه الاصعب لعدم وجود هذه "الشرعية" كواقع وكنتيجه، والموجود هو "المصالح" مع القوي، و"النفاق" مع الضعيف، ولأنه يُنظر لنا دائما من باب الضعفاء، فسياسة "النفاق التفاوضي" الدولي هي العنوان منذ أكثر من عشرين عاما.. تصوروا لو أن العصفور لم يبني عشا لبيضه، فهو سينقرض، ولكن لأن لديه غريزة الثقة بالعالم فقد بنى عشه، كما قال الفيلسوف الفرنسي "غاستون باشلار"، ونحن  ولأننا ضعفاء، لدينا غريزة حب "النفاق"، وحب "الشرعية الدولية"، وغريزة عشق "أمريكيا" ليس كمفهوم ليبرالي تحرري، وإنما كسياسة بيدها 99% من أوراق الحل "رحم الله السادات". استراتيجية الحركة الوطنية الفلسطينية وعلى رأسها "منظمة التحرير" كما يبدو فشلت، فمن شعار الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة، إلى الكفاح المسلح وحرب التحرير الشعبية وتحرير كل فلسطين، ومن "حيفا" و "يافا" قبل "جنين" و "نابلس"، إلى بناء السلطة الوطنية على أي شبر يحرر من فلسطين، إلى دولة بداخل دولة في "لبنان"، إلى قمة "فاس" وغيرها الكثير، إلى أخيرا "المبادرة العربية للسلام" كمشروع كلامي، إلى مفاوضات مباشرة وغير مباشرة، على ماذا؟! على الحدود والامن، بعد أن كنا نفاوض في جميع الملفات العالقة والدائمة، كرزمة واحدة، يمكن من خلالها تحقيق الممكن لنا، بالتنازل في ملف لصالح آخر، ووفقا لمفاهيم علوم التفاوض، ولكن فصل الملفات عن بعضها..في "الحدود" لكي نعرفها لوضع حد لمشكلة الاستيطان التي لا تستطيع دولة "الاستيطان" وقفها، فبمعرفة خطوط "الحدود" وبدون "القدس" تستطيع هذه الدولة الاستمرار في خططها الاستيطانية، وفي ملف "الامن" لكي نظهر مدى استعدادنا الفعلي المستمر والدائم للحفاظ على أمن الجارة المفترضه، ولإعطاء كل الضمانات المطلوبة منا، التي نستطيع وما لا نستطيع، والمطلوبه من غيرنا الاقليمي والدولي لحماية دولة تُعد قوة إقليمية كبرى عسكريا بل هي دولة "نووية" وفقا للتسريبات، وحليفه استراتيجيا للدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة..هذا بالضرورة سوف يؤدي لتقديم تنازل في كل ملف على حده، لنصل إلى التنازل عن كل شيء، ولا نحصل على شيء، فيبدو أننا قمنا بما هو محظور، فقد سلكنا كل الطرق، ومن يفعل ذلك، فسينتهي به المطاف لأن لا يسلك أحدٍ منها. مشروع الحركة الوطنية الفلسطينية منذ تفجر الثورة الفلسطينية المعاصرة، فشل، وعلينا أن نعترف بذلك بشجاعه، وإلا اصبحنا حالات مرضية بحاجة لجلسات نفسية إرشادية، فلا المقاومة أثبتت نجاعتها في طبيعة الممارسة الفلسطينية لها وليس كمفهوم، ولا السلام والتفاوض ايضا حقق شيئا يذكر، لا مفهوم الدولتين لشعبين قابل للتحقيق في ظل موازين القوى الحالية، ولا مفهوم الدولة الواحدة ممكن في المدى المنظور..التفاوض والسلام لن ينهي الصراع ولن يضع حدا للمطالبات، فلا قُدرةٌ للطرفين على ذلك..الرغبة موجودة لدى الطرف الفلسطيني ولكن مع عدم وجود الاستطاعة لتطبيقها، في حين لا الرغبة ولا القدرة موجودة لدى الطرف "الاسرائيلي"..علينا أن نعيد بناء حركتنا الوطنية وأن نحدد مشروعنا بدقة، ماذا نريد؟ وكيف نصل لما نريده؟ وما هي الوسائل المستخدمة في كيفية الوصول؟..علينا أن نعود عودة حقيقية لشعبنا في كافة اماكن تواجده، وبطرق ديمقراطية ومن خلال إجراء إنتخابات لتجديد القيادة ككل..علينا أن نوقف مهزلة الانقسام ونحقق المصالحه باتفاق فلسطيني-فلسطيني وبدون وساطات من أحد، ومن باب الحرص على الشخصية والهوية الوطنية الجمعية، وليس من باب السياسة والبرنامج فقط..القضية الفلسطينية كموضوع تجاذب عربي واقليمي ودولي شيء طبيعي في السياسة، ولكن الذي لا يمكن تصديقه أن نكون نحن جزءا من هذه التجاذبات، نميل لهذا لصالح ذاك، وندعم ذاك لصالح هذا..يجب وقف الصراع الذي نخوضه ضد أنفسنا من أنفسنا، ونعيد ذاتنا التي ذابت في المحيط الاقليمي والدولي لذاتنا الفلسطينية كهوية وطنية لها حق في تقرير مصيرها وفقا لمباديء "الامم المتحدة" وليس وفقا ل "الشرعية الدولية" المزعومة، فلا شرعية دولية خارجه عن نطاق هذه المباديء، ولا شرعية تأتينا وفقا لرغبات وتطلعات العشيق لفتاته الجميلة، فقد سلمنا أنفسنا لعشيق محكوم بحب لا ينفصم عراه، وممتزج بقضايا عاطفية ونفسية وشراكه، وصلت حتى لدرجة عدم امكانية التمييز بينهما، والموقف من موضوع الاستيطان وأسطول الحرية خيرُ من يشهد على ذلك، وكما قال الكاتب الفرنسي "إندريه جيد" الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1947 "إن المشاعر الجميلة تفرز فنا رديئا، ودون مساعدة من الشيطان لن يتم إبداع الفن"، ونحن ذهبنا لكل الشياطين، ولكننا لم نُبدع فَناً، بل أبدعنا إنقسام ومفاوضات لا تنتهي.     Firas94@yahoo.com