نعم؛ لأول الليل آخرلم تذهب دماء شهداء سفينة الحرية (مرمرة) سدى، لقد أيقظوا العالم وفتحوا عيونه على حجم الظلم والجريمة التي تمارسها دولة الاحتلال المارقة بحق الشعب الفلسطيني.. لقد كانت التضحيات والمواقف البطولية لمراكب وسفن كسر الحصار ذات جدوى إعلامية وسياسية وإنسانية جعلت الجميع يتكلمون عن عدم شرعية هذا الحصار الظالم المفروض على أهالي قطاع غزة، تحدثت الأمم المتحدة، ومسؤولة الخارجية بالمفوضية الأوروبية كاثرين آشتون وآخرين حيث أكدوا جميعاً عدم وجود أي أرضية أخلاقية أو أمنية تبرر استمرار هذا الحصار.ومن هنا، جاءت كل هذه النداءات والمواقف والمقترحات بضرورة إيجاد مخرج لحالة الحصار يعطي للفلسطينيين الحق في التواصل مع العالم عبر المنافذ المتاحة براً وبحراً.لقد تقدمت بريطانيا بمقترح للاتحاد الأوروبي في سياق تخفيف الحصار، وليس رفعه بالشكل الذي نتطلع إليه أو ينتظره العالم. وقد تمخض عن اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في لكسمبورغ يوم 14 يونيو 2010 مقترح لا يبتعد عن المقترح البريطاني إلا في إعادة تدوير الصياغة، وإن بقى جوهر القضية على حاله؛ أي استمرار الضغط على حماس بأشكال جديدة، وتأمين طوق نجاة للإسرائيليين للإفلات من العقاب والمسائلة القانونية، وهذا يعني قطع الطريق على سفن كسر الحصار. فك الحصار وإنشاء ممر مائيإن من البديهي القول إن إسرائيل (كدولة احتلال) لا تملك الحق القانوني للتدخل في معابر غزة مع مصر، ولا في معبر غزة البحري مع العالم، وأن تدخلها وفرض شروطها هو نوع من الاحتلال أو من استمرار الاحتلال غير المباشر لقطاع غزة، وهو أمرٌ يبرر مقاومة الشعب الفلسطيني، ويجعلها دفاعاً عن النفس، ويبرر استمرار قوافل التضامن مع غزة من أجل كسر الحصار وإنهاء التدخل الإسرائيلي في حياة سكان القطاع.إننا في الحكومة نطالب بالآتي:1- حق فلسطين بميناء بحري دولي تنطبق عليه قواعد القانون الدولي والاتفاقات الدولية البحرية، وميناء غزة القائم حالياً والمعروف بميناء الصيادين هو نواة هذا الميناء.2- حق فلسطين في معبر بري دولي مع جمهورية مصر العربية تطبق عليه قواعد القانون الدولي والاتفاقات الثنائية المنظمة للإجراءات، ولا علاقة لإسرائيل بهذا الممر لا من قريب ولا من بعيد، وإن تدخلها فيه هو نوع من الاحتلال، يستوجب المقاومة.3- إن ميناء فلسطين المقام على أرض بحر غزة هو نافذة فلسطين الحرة مع العالم، وهذا بالطبع لا يلغي حق فلسطين في ممر آمن بين الضفة وغزة تتحقق معه الوحدة الجغرافية والسياسية لشطري الوطن.4- كما أن الحديث عن كسر الحصار وعن معبر رفح البري وميناء غزة البحري لا ينفي حقنا في إعادة العمل في مطار غزة الدولي، وتحرير الفضاء الفلسطيني من الاحتلال، بما يقرّه القانون الدولي. ونؤكد في الحكومة أن أية آليات رقابة أو تفتيش تطرحها أطراف في المجتمع الدولي يجب ألا تجحف بحق الفلسطينيين في السيادة، وحرية التجارة والسفر والتنقل.ومع كل ما سبق، فإننا في الحكومة نرى أن ما تقترحه شخصيات دولية حول إدارة معبر رفح مع مصر من خلال شركة دولية خاصة ذات خبرة بما يتفق مع القوانين الدولية ويحفظ حقوق الشعب الفلسطيني هو مقترح جدير بالدراسة. الدور التركي، وحكومة أردوغانإن تركيا تربطنا بها علاقات تاريخية ذات أبعاد دينية وحضارية مميزة، ففلسطين لا يختلف على حب أهلها الإسلاميون والعلمانيون في تركيا، ونحن نرى أن حكومة الطيب رجب أردوغان قد أولت اهتماماً بالغاً لجهود تخفيف المعاناة عن الشعب الفلسطيني، وذلك بالعمل على تقديم كافة وجوه الدعم والمساعدة لقطاعات واسعة من ضحايا العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، وتحركت سياسياً لإقناع العالم بالظلم الذي لحق بالشعب الفلسطيني وبضرورة إنهاء العزلة المفروضة على حكومة حماس، باعتبار أنها حكومة شرعية، وأنها قد جاءت عبر خيار شعبي منحها الصدارة في الانتخابات التي جرت في يناير 2006، وهي كحركة تتمتع بالأغلبية في المجلس التشريعي الفلسطيني، وهذا يفرض على المجتمع الدولي التعاطي معها، وفتح آفاق التواصل والحوار مع قياداتها السياسية والبرلمانية.كما أن حكومة أردوغان سعت - من خلال تواصلها مع الأطراف الفلسطينية - بالعمل على تقريب وجهات النظر والمواقف بهدف تحقيق المصالحة بين الفلسطينيين، وحاولت أن تكون داعمة للجهود المصرية المشكورة في هذا الاتجاه.. إننا - كفلسطينيين - نعوّل كثيراً على الدور التركي لاستعادة التوازن الجيواستراتيجي بالمنطقة، وتركيا مؤهلة – أكثر من غيرها الآن - لملأ الفراغ القيادي الهائل في الخريطة الشرق أوسطية، ولعب دورٍ فاعلٍ يعيد للعرب والمسلمين مكانتهم الحضارية بين الأمم.إن تركيا اليوم هي لاعب مركزي في السياسة الدولية، وهي – بلاشك - الأقدر على تولي دور "صانع الحلول" لمعظم مشاكل المنطقة، وقد تمكنت من تحقيق نجاحات وتفكيك أزمات وتطويق توترات على أكثر من صعيد قريب أم بعيد، الأمر الذي جعلها محل ثقة الجميع وإعجابهم؛ عربياً وإسلامياً ودولياً.كما أن تضحيات الشعب التركي تجاه فك الحصار لن ينساها شعبنا، وستبقى دماء شهدائهم أمانة في أعناقنا وصفحات تاريخنا المجيد. المصالحة الفلسطينيةإننا نستطيع أن نقول إننا اليوم أقرب للمصالحة من أي وقت مضى، والاستعدادات النفسية والوطنية أضحت أكثر تقبلاً لدى كافة الأطراف الفلسطينية، لاعتبارات تتعلق بتداعيات حالة الانقسام على نسيجنا الاجتماعي والسياسي والنضالي، وعلى مستقبل وجودنا ومشروعنا الوطني في التحرير والعودة.لقد بدأنا نلمس إدراكاً أعمق بالمسؤولية، وتوجهات أنضج نحو المصالحة الوطنية لدى كافة الأطراف.. ولعل الإشارات التي إنطلقت من جهة رئيس الوزراء إسماعيل هنية والسيد الرئيس (أبو مازن) هي بمثابة مبشرات ومعجلات لقرب التوقيع على الورقة المصرية، مع ضمان أخذ الملاحظات التي أبدتها حماس في الحسبان من خلال آلية سيتم التوافق عليها فلسطينياً. زيارة عمرو موسى لقطاع غزةلقد كانت زيارة السيد الأمين العام للجامعة العربية لقطاع غزة هي في الحقيقة ذات بعدين: الأول؛ أن الحصار لم يعد هناك ما يبرره، وأن على العرب والمسلمين وأحرار العالم أن ينشروا أشرعتهم في اتجاه غزة، وهذا هو الأمين العام الممثل لـ22 دولة عربية قد أبحر بسفينته إلى غزة وأعلن من هناك - رسمياً - انتهاء حالة الحصار.. والثاني؛ أن المصالحة الفلسطينية هي محل احتضان ورعاية من قبل الجامعة العربية، حيث إنها ستمنح شبكة أمان إضافية تعزز من جهود مصر الشقيقة في انجاح المصالحة وإنهاء حالة الانقسام، واستعادة الساحة الوطنية الفلسطينية لبوصلة نضالها نحو الدولة الفلسطينية الحرة والمستقلة.لذلك، فإن الأسابيع والشهور القادمة هي – بلاشك – محطات هامة في تاريخ شعبنا، وسنشهد فيها تحولات إيجابية على مستوى بناء الشراكة السياسية والتداول السلمي للسلطة، وكذلك في التواصل المثمر مع عمقنا العربي والإسلامي، وأيضاً في اتجاه فتح قنوات وإطارات عمل أوسع مع المجتمع الدولي.