خبر : تأجيل الانتخابات والمصالحة..محمد السودي

الأحد 13 يونيو 2010 08:44 م / بتوقيت القدس +2GMT
تأجيل الانتخابات والمصالحة..محمد السودي



ليس هناك افضل من قول الحقيقة ، منذ ايام اتخذ مجلس الوزراء الفلسطيني قرارا بتأجيل الانتخابات المحلية ، تزامن مع الساعة الاخيرة لاغلاق باب الترشح واذا كان القرار بحد ذاته لم يفاجئ شريحة واسعه من العارفين بمجريات الامور فان الذي يثير الدهشة الدعوة اصلا لاجراء هذه الانتخابات في هذا الوقت بالذات ، والاكثر غرابة المسوغات التي جاءت سببا للتاجيل مع العلم ان موضوع المصالحة الوطنية المامولة ووفقا للوقائع المبرمجة منذ حدوث الانقسام قبل ثلاث سنوات خلت لا توحي باي شكل من الاشكال الاقتراب من نهايتها بل على العكس تماما تجري الامور نحو تكريس الانقسام والانفصال وفي احسن الاحوال التعايش مع الامر الواقع ، بالرغم من الدعوات والنوايا الطيبة لدى غالبية جماهير امتنا العربية والفلسطينية بشكل خاص وقواهما الحية ، هنا لا بد من التوقف امام طبيعة هذه الدعوات ، فهناك من يجد ان رفع الحصار عن قطاع غزة وضرورة فتح المعابر وخاصة معبر رفح البري لا علاقة له من حيث المبدأ بموضوع المصالحة وانهاء حالة الانقسام ، بل يعتبر انهاء الحصار مقدمة لنجاح البرنامج المتكامل الخاص بقطاع غزة مما يؤدي بالنتيجة الى الخطوات اللاحقة التي ستمتد اثارها الى الضفة الفلسطينية ، ويعتقد اصحاب هذا التوجه ان انجاز عملية المصالحة في هذا الوقت بمثابة طوق نجاة للسلطة الوطنية وحركة فتح التي يعتريها الوهن والضعف وبالتالي ينسحب الامر على مختلف فصائل منظمة التحرير الفلسطينية ، ومن هذه الزاوية نرى اصرار منظمي قدوم قوافل السفن والمتضامنين محاولة الوصول الى شواطئ غزة بالرغم من علمها المسبق بموقف سلطات الاحتلال التي استخدمت القوة الغاشمة ضد المدنيين العزل وارتكبت مجزرة كانت نتائجها كارثية بكل المقاييس ، وهذا لا يعني التشكيك بمصداقية هؤلاء المتضامنين الذين قدموا ارواحهم قرابين من اجل هدف نبيل يتمثل برفع الحصار الجائر على قطاع غزة وفك اسر مليون ونصف المليون مواطن فلسطيني رهائن الاحتلال البغيض ورهائن الاهداف غير البريئة ، اذ يمكن بسهولة توفير الجهد والمعاناة بالتوجه نحو الوحدة الوطنية الفلسطينية اقصر الطرق لانهاء الحصار والانقسام ، والتصدي لمخططات الاحتلال الرامية الى شطب الحقوق الوطنية الفلسطينية وبالتالي فان الطريق سهله بين غزة ورام الله والقاهرة وهي اقرب من اللهاث وراء واشنطن والعواصم الاوروبية الاخرى بل مغازلة الاسرائليين انفسهم . عود على بدء فان المشروع الوطني الفلسطيني وادواته بكل تفاصيله لازال يعاني مرحلة الازمة ولم يستطع تلمس طريق الخلاص والوصول الى بر الامان لهذا تكون القرارات المصيرية غير مدروسه ومربكة تؤدي في النهاية الى نتائج غير محموده مثلما حصل مع تقرير غولدستون الذي لم يذكره احد بعد ان استنفذ اغراض التوظيف وتعميق الازمة الراهنة . لقد كشفت الدعوة الى الانتخابات المحلية عيوب الديمقراطية الفلسطينية الذي تغنى بها البعض ولا زال وفي مقدمة هذه العيوب  : اولاً : ان الديمقراطية ليست مجرد شعار منعزل عن بيئته الاقتصادية والاجتماعية التي تعتبر مقياس تطور المجتمعات ورقيها . ثانيا ً : لا يمكن عزل الديمقراطية الفلسطينية عن واقع الاحتلال الذي يتحكم بمجريات الامور ووضع العراقيل امام اي خطوة لا تصب في مصلحته ، ومصلحة اطالة امد الاحتلال وهو ليس بعيدا عن تأزيم الواقع الاجتماعي الفلسطيني بشكل مباشر او غير مباشر . ثالثا ً : انكفاء المجتمع الفلسطيني نحو المؤثرات العشائرية والعائلية ووضعها فوق كل اعتبار وطني او فصائلي وهو امر يدل على خطورة بالغة وفشل ذريع لكافة برامج فصائل العمل الوطني . رابعا ً : غياب دور النخب والمثقفين والتستر خلف الانتماء العشائري والعائلي والجهوي بالرغم من تبوء العديد منهم مواقع وطنية وقيادية وتغليب المصالح الشخصية على غيرها . خامسا ً : تسييس طابع الانتخابات المحلية وتجاوز وظيفتها الخدمية في مصلحة المواطنين وعدم حسن الاختيار للمرشحين . سادسا ً : تركز الامكانيات لدى فصائل ومؤسسات مدعومة محددة مما يفقد التنافس الايجابي معناه في العملية الانتخابية وتكافؤ الفرص لدى الغالبية العظمى من محتواها والغاية منها . سابعا ً : مراجعة القوانين الانتخابية السائدة وامكانية تصويبها وفق متطلبات المرحلة الراهنة وبما يخدم الحد من الظواهر السلبية التي تشكل عائقا في تطور المجتمع الفلسطيني . ثامنا ً : مراجعة وطنية شاملة لكافة البرامج الفصائلية وضبط الفلتان التنظيمي وبناء استراتيجية وطنية شاملة تأخذ بعين الاعتبار تنامي الفعل الوطني التحرري مع عملية التحول الديمقراطي نحو مجتمع تسوده الحرية والعدالة والمساواة  وتكافؤ الفرص . لا شك ان قرار اجراء الانتخابات بالرغم من الاستحقاق القانوني كان قرارا غير صائباً ، وتأجيله لم يكن موفقا على الاطلاق وله ماله من تداعيات اضافية على الازمة التي لاتجد طريق الخلاص في المدى المنظور ، وعلى الجميع ان يرتقي الى مستوى التحديات التي تعصف بالوضع الفلسطيني من كل حدب وصوب ، والحقيقة الماثلة امامنا  لمن يقول ان المصالحة قاب قوسين او ادنى اشبه بسلوك بالنعامة  التي تدفن رأسها بالرمل ، فان الخلاص من الواقع الراهن يبدأ من النفس وترتيب البيت الداخلي واستنباط افضل السبل والوسائل لانهاء الاحتلال اولا ولكن ذلك يتطلب انهاء الانقسام من خلال اعادة النظر الشاملة لما هو قائم حتى الان .