لا شك أن الجريمة الإسرائيلية البشعة التي ارتكبتها بحق أسطول الحرية، باتت علامة فارقة في تاريخ القضية الفلسطينية المعاصر ، فمن سكوت وصمت مريب من المجتمع الدولي بأكمله تجاه ما يحدث في قطاع غزة الذي أصبح اكبر سجن مكشوف في العالم ، إلى صحوة مفاجئة هزت المنطقة بأكملها ، ولا ندري هل هي صحوة ضمير ، أم صحوة نائم ، بالنسبة لنا كفلسطينيين الأمر سواء المهم النتائج وهذا هو بيت القصيد ، حيث انطلقت الصيحات والدعوات من أقصى الشرق وأقصى الغرب مطالبة بضرورة إنهاء الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة، وذهب بالبعض.. منظمات ودول يعلن عن اعتزامه تسيير قوافل جديدة من السفن لكسر الحصار ، إلا أن الأهم هو ما أعلنه العديد من زعماء العالم بان الحصار على غزة أصبح امراً لا يطاق ومن بين هؤلاء الزعماء الرئيسين الفرنسي والأمريكي ، والأمين العام للأمم المتحدة ، بل عبر عن ذلك بعض قادة إسرائيل ، وبدأت العديد من المقترحات حول إنهاء الحصار تتناثر هنا وهناك ، ومن بينها أن الاتحاد الأوروبي بصدد إعداد خطة لإنهاء الحصار ، وكذلك الولايات المتحدة أعلنت عن اعتزامها إيجاد الآليات المناسبة لإيصال المساعدات إلى غزة ، ولم تغب إسرائيل عن هذه الاقتراحات حيث نشرت بعض سائل الإعلام عن اقتراح إسرائيلي بفتح معبر جديد لإيصال المساعدات إلى غزة ، أو استقبال البضائع الواردة إلى غزة عبر ميناء اشدود الإسرائيلي، وهناك تحركات مصرية وعربية وتركية وكأن إنهاء الحصار أصبح الشغل الشاغل للعالم ، إلى الآن لا نستطيع إلا مباركة هذه الخطوات التي لم تخرج عن كونها مجرد تصريحات ومشاريع قيد الإعداد ، واغلب الظن أن هذه المشاريع ستتأخر كثيرا قبل أن ترى النور ، وربما لا تظهر لأنها جاءت في ظرف طارئ وربما نحتاج إلى تكرار تجربة أخري عل غرار تجربة أسطول الحرية وسقوط عدد من الضحايا لانعقاد أول جلسة في أي مكان تخصص لمناقشة إنهاء الحصار، لكن الملفت للنظر أن معظم هذه التصريحات والاقتراحات أو المشاريع المتوقعة لإنهاء الحصار جميعها تتناول فقط مسألة إدخال المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة ، وكأن الشعب الفلسطيني هم في حاجة فقط إلى هذه المساعدات ، وغابت عن هذه التصريحات والاقتراحات مسألة عجلة التنمية في قطاع غزة ، التنمية الكفيلة بإنهاء مأساة قطاع غزة الاقتصادية ، التنمية الكفيلة بالقضاء على البطالة التي بلغت نسبتها نحو 40% والفقر التي بلغت نسبته نحو 80% في معدلات أصبحت قياسية وهي الأعلى في العالم على الإطلاق ، لقد غابت عن هذه التصريحات والاقتراحات أيضا حرية حركة المواطنين من والى القطاع ليمارسوا نشاطهم كباقي البشر من تعليم وعلاج وتجارة وسياحة الخ . إن نحو مليون ونصف المليون إنسان هم سكان قطاع غزة، لا يمكنهم الاستمرار في الاعتماد على تلقي المساعدات الإنسانية مع عدم جحودنا لكل من يتقدم لنا بأي نوع من أنواع المساعدة ولكن هذه ليست هي الحل المنشود، بل المطلوب إنهاء الحصار بالكامل عن قطاع غزة وليس المطلوب التخفيف أو التجزئة لان في ذلك استمرارا للحصار ، ونريد إن نرى نتائج هذا الإنهاء بسرعة كبيرة إذا كان المجتمع الدولي يريد فعلا إنهاء مأساة قطاع غزة التي دامت ثلاث سنوات وهي الآن تلج في عامها الرابع ، نريد أن نرى قطاع غزة ورشة معمارية كبيرة تعمل على إعادة اعمار ما دمرته الحرب الإسرائيلية الظالمة التي دمرت نحو 20000 منزل بين تدمير كلي وتدمير جزئي ، ناهيك عن مرافق البنية التحتية ، نريد إن تختفي مولدات الكهرباء من المنازل والشوارع لتريحنا من ضجيجها ودخانها ، نريد عودة المئات من المصانع والمعامل والورش للممارسة عملها ، نريد عودة شاطئ غزة ليستقبل أبناؤه الزائرين والعائدين والضيوف من كل مكان ، محصلة القول نريد عودة الحياة طبيعية إلى قطاع غزة .إنني اخشي من أن الدعوات للإنهاء الحصار لإيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة لا تعدو عن كونها مجرد عمليات تجميلية للحصار تؤدي إلى شرعنة الحصار دوليا ، وليس الإنهاء الذي نتطلع إليه . هنا يأتي الدور الفلسطيني الحاسم في كل هذه المواقف أو المبادرات القادمة ، ففي أيدينا نقل حالة الحصار من التخفيف لدواعي إنسانية إلى الإنهاء الكامل ، وكلنا يعرف أن السياسات الإسرائيلية المدعومة بماكينة الإعلام القوية التي تمد أذرعتها في كل اتجاه جعلت العالم كله ينظر إلى القطاع كبؤرة من بؤر الإرهاب في العالم ، لا بد من مراقبته والحذر منه بل ومقاومته ، وهذا هو سر صمت العالم على حصارنا فترة طويلة ، معتبرا إسرائيل دولة ضحية لها كل الحق في اتخاذ الإجراءات المناسبة للحفاظ على أمنها وأمانها ، لقد سر انقسامنا إسرائيل واعتبرته فرصة سانحة للتخلص من استحقاقاتنا عليها نتيجة العملية السلمية بدعوى عدم وجود شريك فلسطيني للسلام ، وبالتالي شرذمتنا وتفتتينا للانقضاض على الأرض الفلسطينية بتوسيع المستوطنات وإقامة أخرى جديدة ، ولتهويد القدس وتهجير سكانها ، إذن لا بد من العمل على إزالة هذا المفهوم الذي اقتنع به الآخرون بأننا شعب مقاوم لنيل حقوقنا المغتصبة ولسنا إرهابيون كما يدعون ، لا بد أن يعرفوا أننا جزء من شعب عربي ذو حضارة ضاربة جذورها في أعماق التاريخ لنا هويتنا على هذه الأرض ولنا شخصيتنا وثقافتنا ولسنا مثلهم قادمون من شتات الأرض نمتص دماء الشعوب .إن الفرصة سانحة الآن لتصحيح أوضاعنا ووضعها في المسار الصحيح الذي يليق بنا كشعب قدم ويقدم التضحيات تلو التضحيات ، وإذا كنا قد عجزنا عن هذا التصحيح بأنفسنا فلنستجيب إلى الدعوات المخلصة من أشقائنا العرب وعلى رأسها مصر الجارة والشقيقة الكبرى وجميع الدول العربية ، ولنعمل على نجاح زيارة السيد عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية ،ـ وعدم إجهاض مهمته لأنه يأتي إلينا ممثلا عن كل العرب وليست دولة بعينها .