لم تهدأ بعد عاصفة القرصنة الإسرائيلية على " قافلة الحرية " في عرض المياه الدولية للبحر المتوسط اواخر شهر ايار من عام 2010 . ربما لا تزال الكرة تتدحرج. لكن سؤالي اليوم يتعلق بتداعيات القرصنة الإسرائيلية وحصادها السياسي . * ابدا باسرائيل ,الدولة المعتدية . لقد وقفت اسرائيل اليوم عارية من كل غطاء على حقيقتها , اذ هي نفذت الجريمة في المياه الدولية منتهكة بذلك العرف الدولي المتعلق بالبحار , والهدف كان اناسا مدنيين ينتمون الى حوالي اربعين دولة منهم السياسيون والصحافيون والبرلمانيون والمتضامنون انسانيا جاؤوا يحملون معهم مساعدات انسانية لشعب محاصر منذ اربع سنوات .لقد كانت ردود الفعل هذه المرة تنديدا وشجبا على كل المستويات الرسمية والشعبية . اصدقاء اسرائيل التقليديون رددوا الذرائع الإسرائيلية المبررة للمجزة بشيئ من الدبلوماسية واحيانا بالوقاحة المعتادة.لقد وقعت اسرائيل في ورطة كبيرة , استثمارها فلسطينيا واجب وطني * عربيا, نددت الانظمة على مستوى الجامعة العربية بالقرصنة الإسرائيلية . وصمتت بعض الانظمة تماما .مستوى الردود العربية جاء ليكشف من جديد ان الانظمة العربية باتت تماما على هامش التاريخ , وبعيدة عن شعوبها . هي الآن مكشوفة تماما , والفراغ السياسي في المنطق جاء من يحاول ملأه من منطلق المصلحة الوطنية , اعني بذلك الدولة التركية . تركيا اليوم تملك الكثير من اوراق المنطقة , فهي اولا دولة اسلامية سنية , وليس للعرب الرسميين مصلحة في معاداتها مثلما هي الحال مع ايران الشيعية , وهي ثانيا قد وثقت , من قبل علاقاتها مع جارتها سوريا , وسوريا دولة مركزية في المنطقة , وهي ثالثا قد حيدت تقريبا الدور الإيراني عبر الدور المشترك مع البرازيل في الموضوع النووي الإيراني , وهي رابعا عضو في الحلف الأطلسي , الناتو , الذي تسيطر عليه امريكا , واي محاولة عربية سلبية تجاه الدور التركي , قد يُنظر اليه امريكيا بعين غير راضية , الأمر الذي يتحاشاه العرب الرسميون , وهي خامسا تمد يدها في الداخل الفلسطيني لإجراء المصالحة بين غزة " حماس " والضفة " فتح " . لقد سحبت تركيا اليوم البساط من تحت اقدام الأنظمة العربية , والشارع العربي اليوم متوجهة انظاره نحو تركيا . صحيح ان مصر حاولت ان لا تضيع مع العاصفة التركية , فسارعت الى التنبيه على دورها من خلال فتح معبر رفح , لكن الشارع العربي فسر ذلك بانه امتصاص لغضب الشعب المصري الشقيق , بل ذهب بعضهم الى القول إن فتح معبر رفح جاء بتنسيق امريكي اسرائيلي مصري للتقليل من غضب الراي العام العالمي على الوضع الإنساني في غزة نتيجة الحصار . * الحصاد السياسي على المستوى الامريكي والأوروبي كان الدفع باتجاه منع الرد الفلسطيني ان يتجاوز التنديد والإستنكار الى درجة وقف مفاوضات التقارب , وهذا ما حصل , اذ لم يتطرق اي مسؤول فلسطيني الى هذا الموضوع في حملة التنديد والأدانة . يمكن ايضا رصد التوجه الامريكي والاوريبي تجاه معالجة النواحي الأنسانية لأهل غزة . * اما التداعيات السياسية على الساحة الفلسطينية فيمكن ايجازها بالتالي : اولا : خرجت حركة " حماس " بمعظم البيدر : تزايد في مصداقيتها بعد هبوط مؤشرها كثيرا قبل الحدث , لقد ارتفعت اسهم " حماس " السياسية , وجيرت " حماس " الحدث لمصلحتها فلسطينيا وعربيا واسلاميا وحتى دوليا , إذ لم تعد " حماس" كما كانت في الصورة دوليا . ثانيا : تصدر حصار غزة اجندة الأولويات الدولية . الكل يتحدث اليوم عن الحصار , الشعوت العربية والعالمية تريد رفعا كاملا للحصار , اما المثلث الرسمي : امريكا , اسرائيل , اوروبا , فيريد معالجة الناحية الأنسانية لتداعيات الحصار . يذكرنا هذا الموقف بذاك الذي تعامل فيه العالم الغربي معنا يوم النكبة وبعدها من منظور " لاجئين" . وهنا يجب التنويه بان المطلوب هو رفع الإحتلال بكل ادواته عن غزة وعن الضفة .ونحذر من الإنزلاق الى مستوى الإدارة او المعالجة لجزيئات الإحتلال واهمال لب المشكلة : الإحتلال . ثالثا : لم يستثمر الفلسطيني مجزرة " قافلة الحرية " الإستثمار الصحيح , لا سيما في موضوع المصالحة الوطنية , وكل ما سمعناه لم يكن غير كلام منمق , مختارة كلماته بعناية من قبل الطرفين الفلسطينيين المتصارعين . لقد كان الحدث على مستوى ان ينسى الجميع خلافاتهم وتهافتهم على سلطة غير موجودة خارج سياق الإحتلال . ما يدمي اكثر من مجزرة البحر المتوسط هو هذا التشرذم والإنقسام الجيوسياسي . لقد كتب احد قادة حماس بان الوضع الفلسطيني يتطلب منا " إما الإستدراك وإما الأنتحار ". اعتقد انه اصاب كبد الحقيقة.