في نهاية الاسبوع، بعد الزلزال الاعلامي الذي هز مركز بث قناة الجزيرة في الدوحة وأثار موجات عالية من الشماتة في القنوات المنافسة، انتظر الجميع ما يخرج من أفواه أرباب العمل الكبار. يستطيع حاكم قطر حمد بن خليفة وابن عمه رئيس حكومة قطر الشيخ حمد بن جاسم ان يلغيا بحركة أصبع الاستقالة الجمعية لنجمات القناة الخمس اللاتي يقدمن يوميات الأنباء والنشرات الرائدة. إن الأمير، وهو المالك والمنفق، يعطي الصبغة السياسية وهو الذي يتحمل الانتقاد الرئيس ايضا – من البيت الابيض في واشنطن حتى جميع حكام العالم العربي الذين لهم حساب مر طويل مع القناة – ما زال يستطيع ان يعيد الأمور الى ما كانت عليه وأن يسكن النفوس العاصفة في مقر البث. لكن الحاكم ورجاله ما زالوا لم يفعلوا شيئا. لم تفتح الجميلات الخمس للاعلام العربي أفواههن ولم يقلن ما الذي حدث حقا مدة شهور طويلة من وراء أستار القناة المتقدمة من حيث نسبة المشاهدة. اذا قررنا الاستجابة للمراوغة التي لا تنقطع من محطات التلفاز العربية والاجنبية، فسيفتح صندوق بندورة اعلامي ويتوقع ان تنجم قصص مثيرة من كل زاوية. على سبيل المثال يشيع عن مقربي النجمات قصص عن طائفة من المضايقات الغامضة تثير الاعلام الامريكي والبريطاني. ان المقدمات الخمس وعلى رأسهن جمانا نمور ولينا زاهر الدين وليلى شيحلي يشكون من مضايقة كلامية لا تنقطع من مديري الأخبار في قناة الجزيرة. وقد وسمنا محرر الأخبار الرئيس، أيمن جاب الله المصري بأنه "مشايع للتيار المتطرف من حركة الاخوان المسلمين". واتهمن نائبه، رئيس ملف الأخبار أحمد الشيخ الفلسطيني الذي طاردهن في طريقهن الى السماعات زاعما أنهن متجملات بزينة مغرية وأن لباسهن "لا يلبي المعايير الاخلاقية للمشاهدين". استمرت المضايقات في شأن معايير الظهور، كما تشكو لينا زاهر الدين، شهورا طويلة "الى ان ضقنا ذرعا وقررنا المضي الى بيوتهن". انضم الى الحسناوات الخمس المستقيلات ثلاث نجمات أخر، على رأسهن خديجة بن قنا الجميلة التي تحرص على لبس الجلباب مع البث، لكن الجلابيب الحريرية الملونة وعينيها المموهتين بالزينة القاتمة دائما أثار غضب مديري الأخبار فصدر عنهم ملحوظات سامة. قبل شهرين، عندما تلقت ملاحظة دينية – جنسية، ثارت صارخة. بعد مضي اسبوع، في أوج جدل في التبرج، رفعت الحسناء النحيفة من الجزائر كأسا زجاجية ورمت بها غاضبة. تهشمت الكأس في القاعة وجعلت الضجة الفريق الكبير يقوم على أقدامه. سارع أكثرهم الى التعبير عن المشايعة. وفي غرفة التزيين هددوا بموجة استقالة أخرى. "لن تملوا علي ما أفعل"، صاحت الحسناء خديجة بمحرري الأخبار، "لستم مخولين أن تقرروا كيف يجب ان تظهر مقدمة أخبار". الكاميرا ترى كل شيء. بدئت الحرب وراء الأستار في كانون الثاني، عندما افتتحت الجزيرة منتدى البث اللامع المزود بتقنية جديدة على نحو خاص وأثارت حسد المنافسين في "العربية" السعودية وفي محطات بث في دبي ولبنان والقاهرة. على حسب الترتيب الجديد طلب الى مقدمي الأخبار أن يقوموا من المقاعد وأن يخطوا في بث حي نحو عدسات التصوير. هذا السير، وهو أربع خطوات سريعة في الحصيلة العامة هو الذي أثار المعركة. وخز محرر الأنباء أيمن جبالة ونائبه احمد الشيخ نجمات القناة، وذكرا لباسهن ووزعا معيار لباس: لا يحل الظهور في سراويل ضيقة، لأن عدسة التصوير ترى كل شيء؛ ولا يحل أن تكون أزرار القميص مفتوحة، لأن الخيال قد يشتعل؛ ولا يحل أيضا أن يرى العقيبان من حذاء الكعب العالي أو أن تلحظ طبقات زينة الوجه؛ فماذا عن التنورة الطويلة؟ بيقين. والاكمام الواسعة؟ لما لا. والنقاب؟ يوصى به بحرارة. والأساس الاجتهاد أكثر في الحرص على معيار الظهور وعدم التملق على أية حال أو ارسال تلميحات اشكالية تشعل خيال المشاهدين الاتقياء. في ذروة معارك الزينة ومعيار اللباس جهد مديرو البث في تذكير ثماني نجمات الجزيرة (خمس منهن استقلن وثلاث أخر اكتفين الان برسائل احتجاج على المضايقة) بأنهن موجودات في مركز بث القناة بمنزلة "ضيفات": فثلاث منهن من أصل لبناني وواحدة من سورية، وثلاث من تونس وواحدة وهي النجمة المجيدة ذات الجلباب من الجزائر. "عندكن في البيت"، قال محررو الانباء في قطر ، "البسن كما تشأن" اظهرن هناك أنصاف عاريات وفي لباس فاضح معريات المعاري. لكن عندنا يجب على الضيفة ان تأخذ بالمعيار الظهور المحلي". أي أن تلبس جيدا طول الوقت وأن توحي بسحنة حامضة. بعد أربعة أشهر من الجدل خلت نجمات الجزيرة في بهو فندق كبير وصغن رسالة الاستقالة. أصبحن في هذه الاثناء خارج الشاشة في مقام انتظار. اذا لم يدعوهن الى العودة فان المقدمات ينوين تبني مقترحات عمل تتدفق عليهن من قناة الأخبار الجديدة للـ بي بي سي بالعربية او من القناة المنافسة "العربية". واذا لم تصل الامور على ما يرام، كما يقلن، فلا مشكلة عندهن أن يعدن الى أوطانهن وأن يندمجن في نشرات الاخبار المحلية. الاقتراح الجديد الذي ينتظر قريبا هو الاشد غمزا: فالأمير السعودي الوليد بن طلال، الذي يلمع نجمه منذ سنين طويلة في قائمة أثرياء العالم العشرة، يستعد لافتتاح قناة أخبار منافسة للجزيرة قريبا. لا توجد مشكلات تمويل عن الامير صاحب المليارات. فمحفظته مفتوحة والدولارات ستقع فوق رؤوس نجمات الجزيرة مثل شآبيب غيث في يوم خماسين. وهن من جهتهن سيأتينه بالتجربة الغنية قبالة الشاشة. إن الأمير السعودي الذي يملك شبكة الفنادق الدولية "الفصول الأربعة" وقناة التلفاز الناجحة "روتانا"، اكتسب ايضا سمعة طيبة بأنه مؤيد ومحارب ظاهر من أجل تقديم مكانة النساء في العالم الاسلامي. والاشاعة الدائرة تصر على أن النجمات المستقيلات قد حصلن منه على مسودات عقود وأن بعضهن ردت بالايجاب. الامبراطورية تنتشر أدركت الرجة في منتديات الجزيرة حاكم الأمارات النائية، الشيخ حمد بن خليفة، في أوج مناسبتين جعلتاه هو والقناة يقفزان الى العناوين الدولية: ففي الاسبوع الماضي اشترى الامير صاحب المليارات فندق هارودز في لندن من المالك السابق محمد الفايد المصري والد دودي الذي قتل في حادثة طرق مع عشيقته الأميرة ديانا. في موازاة النشرات الصحفية عن الصفقة، التزم حاكم قطر الاستمرار على التغطية بسخاء يثير الحسد لميزانية تشغيل قناة الجزيرة: 400 مليون دولار لسنتين، تنضاف الى ايرادات من بث الاعلانات ونفقات شاذة تقتضي زيادة الميزانية في كل عملية طارئة. وكذلك يواجه الاشاعات الكثيرة عن ثورة اسلامية مخطط لها في هارودز في لندن، حظيت قناة الجزيرة بانجاز ذي شأن كبير في وسائل الاعلام البريطانية عندما توجت بأنها وسيلة الاعلام الأقوى والأكثر تأثيرا في العالم العربي والاسلامي كله. يوجد للجزيرة اليوم قناة أخبار بالعربية على مدار الساعة، وقناة موازية بالانجليزية، وقناة لبرامج الاطفال، وقناة للأفلام الوثائقية و 12 قناة رياضة، وتهدد الامبراطورية بأن تتسع لقناتين أخريين – الأخبار الاقتصادية، وقناة البورصة الدولية – في القريب. لكن تبين أن الفرح أصبح صداعا وخازا. فقطر تفضل دائما أن تراوح بين ملعبين: أن يلمع نجمها من جهة على رأس مسيرات نسب المشاهدة وأن تثير غضب زعماء العالم. ومن جهة ثانية أن تغمز غمزة كثيرة المعاني مسددة الى المعسكر الاسلامي المتشدد في أنحاء العالم. ولا يحل أن ننسى أيضا أنه لم تقل كلمة واحدة في أثناء الـ 14 سنة النشاط من النقد الموجه الى ما يحدث داخل الامارة وفي قصور حكامها. تساعد محفظة الأمير المفتوحة على اتساعها في نقل أفرقة كبيرة من الجزيرة الى كل مكان يحدث فيه حدث يقتضي علاجا وتغطية على مدار الساعة. ففي الأيام الأخيرة مثلا أرسلت القناة أفرقة معززة الى السفن في الرحلة البحرية الى غزة، وأقامت مراسلين في الميدان ونقلت تقارير على مدار الساعة. عندما بدأت الدراما الاعلامية تجري في عرض البحر، وقعت رسائل استقالة نجمات القناة مثل رعد في يوم صاف على مائدة مدير الجزيرة العام، وهو مندوب الأمير ورجل سره، الأمير تامر بن حمد. تلقى المديرون ومستشارو الحاكم على الخصوص الشكاوى بكامل ما تقتضيه من الجد. فقد وعدوا قبل كل شيء بانشاء لجنة تحقيق داخلية. واستدعوا في المرحلة الثانية المديرين "المضايقين". أول من أمس ليلا، في ذروة الدراما، بدأ قطع الأعناق. فقد رمي جبالة محرر الاخبار الى منصب مستشار استراتيجي. ونقل نائبه الشيخ ليعمل مستشارا للمدير العام للقناة. ان من يعرف مكانة المستشار في العالم العربي يعلم أن الحديث عن منصب لا وزن له ولا أهمية. الحديث في واقع الأمر عن قبلة وداع باردة قبل حزم الامتعة والمضي في عار الى البيت. يدل تقرير أخير من مركز أعصاب القناة الكبيرة على تبديل مقاعد هستيري في القمة: فقد عزل المدير العام للأخبار وعين محله آخر؛ وتولى نائب محرر رئيس جديد عمله وحيك للصحفي القديم محمد داود منصب جديد هو رئيس ملف المراسلين الخارجيين. تبين آنذاك فقط أن ليس النساء فقط هن اللاتي يشكون من المديرين. فعباس ناصر المراسل النشيط في لبنان، أرسل رسالة احتجاج شديدة اللهجة على سلوك المكتب في بيروت. وقد هدد ناصر بالانتقال الى قناة التلفاز الجديدة للـ بي بي سي بالعربية، وسارع المديرون الى مكافأته بصعود سفينة "بلو مرمرة" في الطريق الى غزة. فقد رأوا أن استعبادا صعبا كبيرا كما يحب، سيطرد عن رأسه خطط المغادرة. عندما احتجزت قوات الجيش الاسرائيلي ناصرا وأخذته للتحقيق في اسدود، جعلوه بطلا في القناة. سارع مركز البث في قطر الى اظهار رسالة شديدة اللهجة على الشاشة: "ليعلم نتنياهو وباراك ورئيس الاركان اشكنازي أنهم عندنا، وهم فقط مسؤولون عن سلامة وحياة عشرات أفرقة الجزيرة في الاسطول". ففي النهاية يسهل دائما تسكين الرجة على حساب اسرائيل