التداعيات الخطيرة للعدوان الهمجي على قافلة الحرية الذي قامت به إسرائيل في عرض البحر المتوسط وبعيداً عن "مياهها" الإقليمية لا زالت تتوالى فصولاً وخاصة على صعيد العلاقات التركية الإسرائيلية والمأزق الحرج الذي وضعت فيه هذه العلاقات التي كانت منذ تأسيس الدولة العبرية على أفضل ما يرام وتتسم بروابط أقل ما يقال فيها أنها إستراتيجية، ونتذكر كلنا أن تركيا هي الدولة المسلمة الوحيدة التي اعترفت بالكيان الصهيوني منذ إنشائه وأقامت معه أوثق العلاقات. أما على الصعيد الفلسطيني فقد كانت النتائج والتداعيات جديرة بالاهتمام وأتت لتضع المزيد من الأوراق في ميزان الطرف الفلسطيني لمواجهة الغطرسة الإسرائيلية وكذلك لتقدم فرصة كبيرة وهامة لتحقيق المصالحة وإعادة الوحدة الوطنية التي لا يمكن تحقيق أي إنجاز أو استثمار أي انتصار في غيابها. وقبل أن أتناول الضرورات التي فرضتها وتفرضها تداعيات الحدث بأبعاده العربية والدولية والفلسطينية وكيفية الاستثمار الأمثل لها لابد أن أعيد التذكير بخطاب الرئيس الفلسطيني في الذكرى الستين للنكبة وذكرى نكسة حزيران قبل عامين في رام الله لفهم خطابه الجديد الذي ألقاه في منتدى الاستثمار الفلسطيني المنعقد في بيت لحم قبل بضعة أيام. في ذلك الخطاب الذي اعتبرته في حينه يفتح باب الأمل لعودة الوئام والوحدة للصفوف الوطنية الفلسطينية قال: "إن مرور الوقت والظروف لن تجبرنا على التخلي عن شبر واحد من أرضنا". وقال أيضاً: "أن القوة وحراب الاحتلال وجرافاته لن تفرض علينا السلام الذي تريده إسرائيل ولن تحقق إسرائيل الأمن لنفسها بالقوة والعدوان ، وأن الاستيطان لن يجدي نفعاً في موضوع القدس واللاجئين". هذا في السياسة ومستقبل المفاوضات، أما في الشأن الداخلي فقد دعا وبعد مرور بعض الوقت على اتفاق صنعاء إلى حوار وطني شامل ينتج مشاركة حقيقية لحركتي حماس والجهاد في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية التي حرص في خطابه المذكور على تأكيد انتمائه لها بما تمثله من برنامج وطني يمثل القواسم المشتركة. الرئيس الفلسطيني بعد خطابه ذاك ارتكب العديد من الأخطاء عرضته لانتقادات حادة من جميع الفصائل والشخصيات الوطنية، كما عرضته لحملة شعبية واسعة من الهجوم على أسلوبه في التعامل المتساهل مع العدو الإسرائيلي ورفض المقاومة العنيفة للاحتلال من جهة، ومن الأخرى التعامل المتشدد مع حركة حماس وقبوله حصار غزة تحت دعوى محاصرة حماس وإضعافها لتكون النتيجة بخلاف ذلك تماماً. الرئيس الفلسطيني رغم إصراره على الاستمرار في المفاوضات العبثية مع إسرائيل تحت ذريعة أنه يفاوض الولايات المتحدة، ورغم استمرار رفضه لأي شكل من أشكال المقاومة العنفية للاحتلال إلا أنه فهم جيداً نتائج وتداعيات الهجوم الإسرائيلي الغاشم على أسطول الحرية، هذه التداعيات التي غيرت الموقف العربي على غير صعيد وأنتجت موقفاً رسمياً مختلفاً تجاه حصار غزة وتجاه مشروع السلام العربي، كما فهم تداعياته على الصعيد الدولي مستفيداً من تجربة تقرير غولدستون، الأمر الذي دفعه لاتخاذ مواقف صائبة تجاه هذا العدوان وللاستفادة القصوى من نتائجه. وبالعودة للربط الذي قصدناه بين خطابه قبل عامين وخطابه في المنتدى الاقتصادي ببيت لحم وعلى تخوم ذكرى النكسة في الخامس من حزيران نجد الكثير من القواسم المشتركة، والذي يمكن البناء عليه، وكما انتقدناه حين أخطأ في موضوع تقرير غولدستون واستمرار المفاوضات والعودة لها رغم استمرار الاستيطان، وكما انتقدناه كذلك على الاستخدام الخاطيء لمنظمة التحرير الفلسطينية واعتبارها ورقة لممارسة التكتيك الداخلي في الصراع والخلاف مع الخصوم السياسيين والتنظيميين، فإننا اليوم ننتقد بالإيجاب وبتحبيذ لا لبس فيه ما نعتبره حديثاً صحيحاً وموقفاً سديداً مما وقع وخاصة دعوته للوحدة الوطنية وبأسرع وقت ممكن ومد يده لمصافحة الأخوة في حماس بتشخيص سليم لواقع الحال ولضرورات هذه الخطوة. لقد جاءت دعوة السيد محمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية من أجل الحوار الفوري بين حماس وفتح وإرسال وفد من رام الله برئاسة منيب المصري لهذا الغرض لتصب في الاتجاه الصحيح لرد فلسطيني مناسب على الحدث ولتكمل ما قام به حين أعلن الحداد ثلاثة أيام على شهداء الحرية، وتسمية المؤتمر باسم "الحرية"، وشكره العلني لمصر ورئيسها على فتح معبر رفح، وكذلك حين حيا تركيا بشكل واضح وكبير على موقفها من رفع الحصار عن غزة والذي حظي بتصفيق كل الحاضرين في المؤتمر وقوفاً ولعدة دقائق، كما أعلن لاحقاً أنه سيزور تركيا لتقديم واجب العزاء للقادة والشعب التركي بشهدائه الأبطال الذين سقطوا من أجل فلسطين ورفع الحصار عن غزة. إن أهم ما يجب فعله من أجل استثمار صحيح ومهم للوقائع التي تتالت خلال الأيام الماضية ودون غوص في أبعاد الخلاف التركي الصهيوني أو موقف أمريكا وغطاءها الظالم للكيان الصهيوني أن نتخذ خطوة شجاعة نحو تحقيق الوحدة الوطنية، الأمر الذي مهد له الرئيس الفلسطيني في خطابه آنف الذكر وموافقته وتشجيعه لزيارة الوفد لقطاع غزة، فماذا كانت ردود حماس؟ بكل أسف لم تميز حماس بين الظروف التي سادت قبل الحدث وما بعده واستمرت في طرح ذات المضامين غير المقنعة لموقفها المتعنت من مسألة الوحدة وفي اعتقادها أن حديثها المستمر عن اعتبارها الوحدة خيارها الاستراتيجي سيقنع الناس دون أن ترفقه بخطوات عملية تساعد على تحقيقها أو تمهد لها الطريق، والحال أن السيد فوزي برهوم الناطق باسم حركة حماس في قطاع غزة وبدل أن يرحب بخطاب الرئيس وبدعوته للوحدة يشكك في جدية الرئيس ويعيد الاتهامات المعروفة حول الاعتقالات التي تقوم بها السلطة في رام الله، أي بدل ان ينظر للصورة العامة وما يترتب علينا عمله بعد العدوان الإسرائيلي يقوم بطرح مسائل فرعية يمكن أن تعالج بهدوء وبسهولة إن تم اللقاء واتفق الطرفان على الخطوط العريضة للبرنامج الوطني ومشاركة الجميع في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية. إن من سمع تصريحات السيد برهوم في الرد على أبي مازن لابد شعر بالإحباط والغضب وحاله يقول: وهل حماس لا تعتقل في غزة؟ نسمع جميعاً عن ممارسات خاطئة لسلطة حماس بغزة وهي ممارسات تطول أوجه عديدة من حياة الناس، وكما في الضفة الغربية ممارسات غير مقبولة ولا يمكن وصفها بالوطنية لابد أن تقر حماس بأنها كذلك تخطيء بالمعنى الرسمي وبالمعنى الفردي ولا أحد لديه عصمة. الفلسطينيون يتطلعون إلى توجه صحيح من طرفي الخلاف الفلسطيني الذي أدمى القلوب والعقول واستنزف طاقتنا ويعطل كل جهد في مواجهة عدونا الذي يبطش بنا جميعاً، وقد حان الوقت ليصبح مقالنا الدائم أصاب عباس وأصابت حماس، لننهي الأحقاد وتفريعاتها المخيفة، كما لنجعل ما جرى غطاءً وتعزيزا للمكاسب الفلسطينية وسبباً ضاغطاً من أجل تصحيح المسار الفلسطيني في غزة ورام الله على السواء. Zead51@hotmail.com