الغموض هو سيد الموقف فى كل ما يتعلق بالوضع الفلسطيني بكافة أبعاده وتشعباته , وهذا السؤال يسأله كل فلسطيني حريص على مستقبله وحاضره , وتسمعه فى كل اللقاءات والندوات من المثقفين والمفكرين ومن عامة الناس كبارا وشبابا ذكورا وإناثا , من كافة المستويات والجميع يبحث عن جواب لهذا السؤال : ماذا سيحدث غدا ؟ وإلى أين نحن ذاهبون ؟ هل هناك مصالحة أم أصبحت من المستحيلات ؟ هل هناك بديلا عن المصالحة إذا لم تتم ؟ هل هناك حربا قادمة ضد قطاع غزة أم ما يقوله الإعلام الإسرائيلي لا يتعدى جزءا من الحرب النفسية ضدنا ؟ وهل نمتلك مقومات الصمود أمام كل ما يحدث عندنا والى أي مدى ؟ ولماذا وصل بنا الحال الى هذا المستوى المتدني على كافة المستويات ؟ وهل نحن بانتظار نتائج المفاوضات غير المباشرة حتى يستبين الخيط الأسود من الخيط الأبيض من الوضع العام ؟ المصيبة أنه لا جواب عند أحد سوى تحليلات وتوقعات تزيد الأمور غموضا . هذه الأيام هناك حراك ثقافي وفكري , ويحاول الجميع جاهدا تقديم إجابات مقنعة على الأسئلة السابقة ويتنافس القادة والمسئولون فى تقديم إجابات وتحليلات ومقترحات لعلها تزيل شيئا من الغموض السائد , وتحدث اليوم الدكتور نبيل شعث – عضو اللجنة المركزية لحركة فتح – ضمن مؤتمر مركز بدائل السنوي الرابع , وخاطب مجموعة من المثقفين الفلسطينيين فى الضفة الغربية وقطاع غزة , وحاول كعادته تقديم رؤية متكاملة ومنسجمة مع الواقع حول مجمل المتغيرات الداخلية الفلسطينية وربطها بالمتغيرات الخارجية , وبالرغم من نجاحه الكبير فى تقديم خطاب نال استحسان الحضور من ناحية ترابطه ووضوحه , ولكنه فى النهاية ترك الجميع فى حالة اللا جواب على أي سؤال سوى مزيدا من الانتظار ومزيدا من الصبر ولابد من أن نكون حكماء هذا الزمان , وعندما تم سؤاله عن البدائل التى تملكها القيادة الفلسطينية فى حال استمرار هذا الانقسام , كان الجواب أننا يجب أن نستمر فى المحاولة والحوار المتواصل حتى نكسر رؤوسنا ونصل الى فهم أنه لن يكون لدينا مشروع وطني او سياسي إلا بالوحدة الوطنية الداخلية وإنهاء الانقسام الحاصل بين شطري السلطة , ولكنه فى ذات الوقت قدم رؤية مستقبلية واضحة لحركة فتح وحاول جاهدا أن يصنع صورة تفاؤليه حول قدرة حركة فتح في التقدم نحو إصلاح داخلي وخارجي من خلال القيادة الجديدة التى أفرزها المؤتمر السادس للحركة , وأكد أن فتح اليوم لديها استراتيجية جديدة فى التحرك المستقبلي , وغمز بدبلوماسيته المعروفة أولئك الذين يحاكمون الماضي للثورة الفلسطينية لأنهم لم يكونوا جزءا من ذلك الماضي ,ان حركته تركز على المستقبل أكثر من تركيزها على الماضي مع التأكيد على ضرورة دراسة التجارب السابقة لكافة الثورات العالمية والاستفادة منها , وبالتالي لابد من استخدام كافة الوسائل الممكنة والمتاحة فى الوقت والمكان المناسبين , واليوم فإن الأداة المناسبة لمواجهة العدوان والغطرسة الإسرائيلية هو الكفاح اللاعنفي وهو ليس أقل شرفا من الكفاح المسلح وهو نوع مهم من أنواع الكفاح والمواجهة وسيدفع أصحابه ثمنا غاليا من اعتقال واستشهاد وإبعاد ولكنه سيجلب الدعم والتعاطف الدولي للقضية , ولذلك وضعت حركة فتح استراتيجيتها الجديدة مستندة على أربع أسس هي : استعادة الوحدة الوطنية والاستمرار فى بناء مؤسسات الدولة استعدادا لقيام الدولة الفلسطينية والنضال الشعبي فى مواجهة الممارسات الإسرائيلية والتحرك الدولي لمحاصرة إسرائيل , ومن هذا المنطلق بدات حركة فتح تحركها على كافة تلك الأصعدة وعلى هذه القواعد يمكن فهم الزيارات المتكررة لقادة حركة فتح الى قطاع غزة والالتقاء مع قادة حركة حماس لكسر الجمود الحالي فى العلاقة بين الحركتين خاصة وأن هناك تقارب واضح فى المواقف تجاه الكثير من القضايا مثل الموقف من إطلاق الصواريخ على البلدات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة والموقف من قيام الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967 واعتماد النضال الشعبي اللاعنفي والتعاطي الإيجابي مع القانون الدولي والمفاوضات غير المباشرة مع الكيان الإسرائيلي , واتفاقنا جميعا على أن شروط الرباعية الدولية ليست ملزمة للفصائل والخاصة بالاعتراف بالكيان الإسرائيلي , وهذا كله سيعمل على فتح الطريق أمام تشكيل حكومة الوحدة الوطنية لأنه لا يمكن النجاح بتشكيل حكومة فلسطينية بدون الشراكة السياسية مثلما حدث فى لبنان والعراق ولن تكون نتائج الانتخابات كافية ليقوم طرف منتصر فيها بتشكيل حكومة بشكل منفرد , لقد ولى عصر الانفراد بالسلطة وتشهد المنطقة تحولات وتطورات واضحة وإن كانت تشهد صعوبات لتعزيز تقافة الشراكة بين القوى السياسية الفاعلة داخل المجتمع . إنها صورة تعطى الأمل حاول أن يرسمها الدكتور نبيل شعث وغيره من المتحدثين ولكن هل هذه الصورة حقيقية يمكن أن يراها ويصدقها المراقبون على الساحة الفلسطينية , أم لازال الجواب على السؤال الأساس غامضا , الى متى سنبقى فى حالة الانتظار ؟ أما آن الأوان لنتقدم خطوة فلسطينية شجاعة الى الأمام ؟ أم أن الوهم الكاذب المسكون بداخلنا والهروب من تحمل المسئولية سيبقى عنوان هذه المرحلة النكدة من تاريخ شعبنا. رئيس مركز آدم لحوار الحضارات www.imadfalouji.ps