خبر : هناك أكثر من ملاذ في ملكوت أبي....فراس ياغي

الأحد 16 مايو 2010 07:27 م / بتوقيت القدس +2GMT
هناك أكثر من ملاذ في ملكوت أبي....فراس ياغي



أكثر ما يجلب انتباهنا كشعب فلسطيني هو التفاصيل التي تصل لدرجة النميمة، فنحن مثل باقي الشعوب نُحب الاشاعة وتَستطيب أُذننا لها طربا، خاصةً اذا تعلق الامرُ بفضيحة إجتماعية أو إقتصادية او بقرار سياسي لا يُعّبر عن رُؤيانا او إستراتيجيتنا، بل تصل الامور في هذا المضمار لدرجةِ شخصنةِ القضية وحَزبنتها، ونتعامل معها وفقاً لمنظورِ السخريةِ او التندرِ او الاثنان معاً...ففي حُقبَة التَصارع على المَصالح والامتيازات في داخل الحزب الواحد، وتعارض الاحزاب بمفهوم المناكفة، يُصبح مَفهوم التَهافت بدرجاتهِ المختلفه مكانٌ للتشفّي، ويُصبح صُناع القرار جزءاً من كل ذلك...هم يَقومون بمحاسبةِ الآخرين على خطاياهم في حين أنهم يقترفون الآثام نفسها، يَزعمونَ العِلمَ بِكلِ شيء مع أنَهم لا يَعلمونَ شيئاً، هم مثل بعضِ الرهبانِ الذين "يتحدثون عن الزواج والحب، لكنهم لم يتزوجوا قط" وهم كبعضِ رجال الدين الذين يستخدمون نظريات علم النفس بدون معرفتهم بذلك في مفهوم العقاب والثواب، حتى أنهم وصلوا لأن "يُصورا لنا الله سبحانه وتعالى وكأنه طالب ثأر"...أقصد بذلك مَن يُفسّر المُفَسّر المعروف أو مَن يُحاول تَفسيرَ ما هو غيرُ قابلٌ للتفسير، ليس لصعوبته، ولا لعدم وجود تعريفا له، ولكن لانه خارج عن السياق، سياق الماضي المُجرّب، والحاضر الواضح، والمستقبل المُحَدّد لهم والمجهول لنا بمعرفتنا. يقولون " إن مملكة منقسمة على نفسها لا تصمد في وجه غزوات العدو" فكيف اذا كان الانسان والحزب منقسماً على نفسه في الانقسام...لحظتها لن يفلح مطلقا في تَحسّس المخاطر ولن يستطيع ممارسة دوره بإستقلالية ولا بتفكير مخطط ومدروس...لحظتها سوف يُفكر أولا بكونه منقسما على نفسه ليعزز سيطرته في مَوقعه، ولأنه منقسما على غيره يفكر بتعزيز وضعه في قِسمه، ولكلٍ من هذه الاقسام حلفاء، شخصيين وحزبيين، وتأثير الحلفاء هو الحاسم، بل يكون هو القرارُ دائما، لان متطلبات الانقسام تستدعي ذلك، ولا يهمهم أبدا آلآم من حولهم، مَن ليس لهم مصلحة في الانقسام، لانهم يرون أنفسهم ضِمن الكُل وليس ضِمن القِسم، يَرون أن الحياة ليست درباً واحداً، ولا موقفاً واحداً، فالحياةُ ليست مفاوضاتٌ "غير مباشرة" ولا مقاومةُ إلتقاط الأنفس والبقاء، ف "هناك طرق متعددة لخدمة الله"، فأن تكون على درب الصواب شيء، وأن تعتقد بأن هذا الدرب هو الدرب الوحيد، شيءٌ آخر...وما يحدث في الوطن المنقسم مجازفة كبيرة لن تُفضي إلا لمزيدٍ من الضياع ومزيد من الالم، فلا يعقل أبدا الذهاب لأي شيء آخر غير الوحدة وإعادة اللُّحمة بين شقي الوطن، ولكن ما يجري عندنا هو نوع من انواع العمل السياسي "البولتيك" الدعائي الذي تقوم به مجموعة، كسلوك لكسب ود الجمهور وكأن الصراع القائم هو داخل دولة مستقلة تجري فيها الانتخابات بشكل دوري ولها دستور ديمقراطي وسيادة كاملة، في حين نحن بحاجة لسياسة "بولسي" تُحدد خُطة عمل واضحة ومدروسة لتوجيه القرارت وتحقيق النتائج، ونحن لدينا من السياسي كثيراً ولكن بدون سياسة. الحقيقةُ موجودةٌ حيثُ يُوجد الحق، وهي لا تأتي بشكل تدريجي، والمفاوضات بكل انواعها عدا الشاملة منها لم تُفضي لشيء، بل أدت لزعزعة الايمان بالحقِ لدى البعض، وأدت لتعب البعض ليس بمفهوم إستراحة المقاتل، بل تراخيه وتحول توجهاته...فالبعض إستدعى الألم سريعاً، لأن حياته لا زالت أمامه ويريد أن يعيش المتبقي منها، ولكن هناك فرقٌ بين ألمٌ وألم، فألمُ غزة ليس فقط حِصارها الظالم ودمارها القائم، وإنما الزَعمُ بوحدانيةِ الصوابِ لدى حكامها، وألم الضفة ليس فقط بمفاوضاتها التي لا تنتهي، وإنما بسلوك دَرب، والزعم بأنه هو الوحيد الممكن، في حين أشقى عذاباتنا هناك، في القدس، التي يَتجلى ضَياعُها أمام أعيننا جميعا، وبمعرفتنا، بل بدورنا الغير مباشر في ذلك، كنتيجة واقعية لقرار لا نعرفه، ولمملكةِ وهميةٍ منقسمةٍ، فمن يَدخل لِعبةَ غَيره فبالتأكيد سَيخرج منها خاسراً، ونحن لا نَلعب في مَلعبنا ولا لِعبتنا، نحن الكل لاعبين في ملاعب غيرنا ولصالح مُمَوّلينا بغض النظر عن توجهاتنا، فنحن أصبحنا من لُقنّا أن نكون، إننا الآخر الذي هو ليسَ نَحن، ولكي نكون كما كنا، فعلينا أن نُعيد إلينا ما كانَ لَنا، غزة والضفة وحدة واحدة كنظام سياسي فلسطيني وليس كمفهوم مفاوضات فقط، فالانقسام تَجلى في المكان والزمان غير المتوقع، علينا إستعادة ما فقدناه، فقد إرتكبنا من الحماقات كثيراً، وذواتنا مُندهشة من إستمرار خطيئةِ ذواتنا، فحين نستعيد دربنا ووحدتنا، سيتجدد إيماننا، ويصبح المستحيل ممكناً وصحيحاً، وكما قال سَيدنا المسيح عليه السلام " لو كانَ لنا من الايمانِ قدرَ حَبَةِ خردل، لقلنا لهذا الجبل، إنتقل من هنا الى هنالك، فينتقل". علمتني الحياةُ أننا إذا تجاوزنا ما يجول في خَلجاتِ أنفسنا من أمراضٍ نفسية مرتبطة بالأنا الفردية، والأنا الحزبية، فإننا نستطيع أن نُغيّر ونُجازف، وإن بدا ذلك مستحيلا، فنحن لا نُدرك حقيقة الاشياء إلا إذا أتحنا لغير المتوقع أن يَحصل، وعلينا عدم الكفِّ عن المحاولة، فنحن نستحق أن نَحيا كغيرنا من البشر، وما قدمناهُ ولا زِلنا، يَستحقُ العناءَ لأن نُقاتلَ من أجلِ وحدتنا وحريتنا، ففترة التَحوّل التي نعيشها يجب ان لا تُثنينا عن التمسك بأصولِ الاشياء المُمكنة والمُتفق عليها، علينا أن نكون ذو معنى في هذا العالم، وهذا يَتَأتى فقط بعودتنا كإطار موحد بداخلهِ تَعددية تَقبل الآخر، وتَتَمسك بالحقوق وفق بَرنامج الحد الادنى في وثيقةِ الوفاق والاتفاق "وثيقة الاسرى"، فلا جدوى من العدميةِ المتناقضةِ كَكُل مع ما يُسمى المجتمع الدولي، ولا فائدة من السقوط الكُلي في سياسات الرباعية "الكوارتت"، جَربنا الاثنين معا ومنفردا، سَقَطنا في وَحلِ الرَفضِ وفي مُستنقع التساوق، والاضرار نفسها، فكما يقال "السقوط من الطبقة الثالثة او الطبقة المئة، تُحدث نفس الاضرار"، لقد حان الوقت لنجرب ما هو لنا، وما نُريد، لا إنفراد في المسارات، ولا مفاوضات منفردة مباشرة، غير مباشرة أو تقريبية، مسار بلاد الشام الواحد، وعملية السلام يجب ان ترتبط بالكل الفلسطيني..السوري..اللبناني، فلا سَلام فلسطيني..إسرائيلي بدون سلام إسرائيلي..سوري، ولا سلام مع لبنان بدون سوريا، معادلة أصبحت معروفة ولا مناص منها، وكل ذلك مُمكنا عندما تَتوفر الإرادة الحقيقية للمجتمع الدولي وعلى رأسها الولايات المتحدة، صفقة شاملة للإقليم سياسية واقتصادية، تُنهي مَفهوم إدارة الصراع القائم، لصالح مفهوم التعاون والرخاء والازدهار، فالعالم كله بحاجة لشرق أوسط يتمتع بالسلام والديمقراطية، ولن يَتفهم العالم ذلك بدون أن يَتفهم صاحب القضية بأن "هناك أكثر من ملاذ في ملكوت أبي" كما قال سيدنا المسيح عليه السلام، فملاذ المفاوضات المنفردة فشل ولا داعي للاستمرار فيه.