إذا كان للحركات الإسلامية في المنطقة عموما وللحركة الإسلامية في فلسطين على وجه الخصوص من فضل إضافة للصحوة الإسلامية التي باتت تضرب أطنابها في كل ساحات العالم عموما والساحات العربية والإسلامية خصوصا، فهو إسهامها بل ودفعها نحو تعاظم فكرة المقاومة في المنطقة خلال العقود الأخيرة كثقافة وكنهج سياسي وعملي، وذلك بإتباع عدد من الوسائل . مظاهر الإنجاز المحلي نجحت حركة حماس في دمج أعمال المقاومة مع سلوكها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لخدمة شعبها، وإظهار نصرها على العدو المتوج بإجباره على الانسحاب من قطاع غزة صيف 2005 م واقتلاع المستوطنات منها، وتأكيدها المتواصل على سعيها الدءوب على إجبار العدو على الانسحاب الكامل من الأرض الفلسطينية. كما نجحت حماس في استنزاف العدو على كل الجبهات العسكرية، والسياسية، والاقتصادية، والإعلامية، والنيل من صورته في المجتمع الدولي، ومن علاقاته التطبيعية مع العرب، ومحاصرته في المحافل الدولية خصوصا الحقوقية والإنسانية منها. ونجحت في قطف ثمار عملها العسكري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي في الداخل الفلسطيني عبر فوزها التاريخي في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية في يناير 2006م. كما نجحت بعد ذلك في إبعاد خصومها والسيطرة بالقوة على قطاع غزة في يونيو 2007 مع هزيمة مطلقة لحكم ونفوذ فتح بقيادة عباس. وأثبتت حماس قدرة جناحها العسكري على الصمود في عدد من المعارك العسكرية التي شنها العدو على قطاع غزة في السنوات الأخيرة, والتي كان آخرها حرب الفرقان، التي عجز العدو فيها عن إعلان النصر أو تحقيق أي من أهدافه فيها. وبذا تكون حماس وكأحد الأذرع التنظيمية المسلحة لجماعة الإخوان المسلمين، نجحت في الوصول إلى الحكم عبر انتخابات ديمقراطية، وأسست لحكم محترم قائم على القانون والنظام والنزاهة المستندة إلى عقيدة إسلامية لأول مرة تاريخ قطاع غزة. نجاح حماس في تحقيق كل هذه الانجازات دون اضطرارها لدفع ثمن سياسي كالذي دفعته م.ت.ف، وثبات حماس وصمودها في وجه كل الضغوط ومنها الحصار المستمر منذ أربع سنوات لدفع هذا الثمن، يؤهلها عن جدارة لقيادة المشروع الوطني الفلسطيني. وبذلك تكون حماس قد نجحت في الحفاظ على حياة السرية التي تحكم عمل التنظيمات، وفي الوقت ذاته تتبنى بشكل كامل الملامح الحكومية الرسمية في التعامل مع الواقع الداخلي كما مع المحيط الخارجي. كما أثبتت حماس أن مفهوم المقاومة ضد العدو ممكن بالتزامن مع الحكم ولا تعارض أو تناقض بينهما، كما أضحت حماس حركة المقاومة المركزية في المنطقة، والتي تحظى بإجماع المحيط السني، رغم كونها في بؤرة الاستهداف الداخلي، بالتزامن مع سعيها لإقامة المؤسسات الحكومية لخدمة الشعب الفلسطيني وإسناد صموده، لترسي نهجا فريدا يقوده خبرتها على مدار العشرين سنة من عمرها في مختلف المجالات ما مثل عاملاً أساسياً في رسم أنماط نشاطاتها في مختلف الجبهات. وأخيرا أثبتت حماس تفوقا يعطيها الأفضلية عن قيادة سلطة فتح, من حيث تحليها بطول النفس الذي لا يدفعها للهرولة نحو تحقيق مكاسب فورية؛ ما يجعلها تتعفف في مواجهة أي إغراءات سياسية من أي نوع. حماس والمحيط الإقليمي كما أنه ليس خافيا أن حماس استفادت من قوى المقاومة الأخرى الموجودة في الساحة, وعلى رأسها حزب الله. فعلى الصعيد العسكري استفادت حماس من دروس حرب تموز وكان من أبرز دروسها إمكانية وضع رد مناسب للتفوق العسكري للعدو، عبر الصمود المفضي إلى حرمانه من تحقيق أهدافه. أما على صعيد المقاومة كفكر ونهج فقد نثرت الحربين الأخيرتين في لبنان وغزة، في الساحات العربية والإسلامية بذور التفاؤل بإمكانية تحقيق النصر على العدو في إطار الصراع المستمر مع العدو، إن توفرت الإرادة، وان حشدت الأمة طاقاتها خلف هذا الخيار. واسهم نجاح المقاومة في الصمود في هاتين الحربين في تحييد التفوق العسكري للعدو وأبطل مفعوله السحري في تحقيق الانتصار عن طريق الاستنزاف المستمر، مع العزم والتصميم المستند إلى العقيدة الإسلامية بحتمية النصر. وبذلك أثبتت المقاومة أن بمقدورها أن يكون نهجها وفكرها وإستراتيجيتها بديلاً حقيقياً للإستراتيجية المتعمدة لدى الأنظمة العربية القائمة على التوصل إلى تسويات سياسية وسلام مع "إسرائيل". حماس وأزمات الأعداء كشفت الحربين الأخيرتين في لبنان وغزة عن طبيعة الأزمة الداخلية العميقة التي يعانيها كيان العدو بعد اختفاء جيل المؤسسين الذي بلور كيان العدو بعد حربي 1967 و 1973 كقوة لا تقهر وقابلة للتمدد وقادرة على الوصول إلى أعدائها حول العالم ، وإذ بالجيل الجديد يضع كيان العدو على طريق الانحدار والعد التنازلي بفقدان الكيان لهيبته ولقدرته وقوته على الردع وعن تحقيق الانتصار، ما وضع علامات استفهام كبيرة وحقيقية حول وجود الكيان وإمكانية استمراره في المستقبل. كما برزت بشكل واضح وجلي طبيعة الصعوبات التي تواجه الولايات المتحدة الراعي الرئيس والداعم الأساسي لكان العدو في أكثر من جبهة كأفغانستان والعراق، ما يضع الولايات المتحدة في وضع مشابه مع كيان العدو من حيث عدم قدرتها على تحقيق نجاحات في ساحات الحرب مع المقاومة في العراق وأفغانستان . إضافة لنجاحات المقاومة في لبنان وغزة في البرهنة على فشل نظرية التناقض بين الحكم والمقاومة، والتي تحاول القوى المعادية تثبيته كأحد المسلمات، فان السلوك الميداني لحكم المقاومة في لبنان وغزة يثبت أن هذا الحكم لا يمثل لديها سوى وسيلة لتعزيز وإسناد أنماط عمل المقاومة, وليس هدفاً بحد ذاته. حماس وقيادة المشروع الوطني التحرري قد ينجح الجميع في تحقيق الانتصار، ولكن لا ينجح إلا البعض في المحافظة على هذا الانتصار. فكل هذا الانجاز الذي أرست المقاومة دعائمه منهجا وفكرا وإستراتيجية، يلقي على كاهل قوى المقاومة أعباء ثقيلة لجهة المحافظة على هذا الانجاز، ليس هذا فحسب بل وتطويره والبناء عليه. نجحت حركة فتح في قيادة المشروع الوطني منذ ستينيات القرن الماضي وحتى توقيعها اتفاقات أوسلو، وذلك بنجاحها في مخاطبة العواطف والمشاعر وملامسة الهوى والمزاج الداخلي لشعبنا الفلسطيني وبوضعها لقاموس مليء بالمصطلحات الثورية كالحرية والتحرير والمقاومة والتحدي والشهادة والعودة..الخ من هذه المصطلحات التي لا تنتهي والتي تدغدغ العواطف وتعزف على وتر المشاعر. واستغلت فتح كل ذلك طوال سنوات طويلة ومشوار حافل بالنضال والانجازات والإخفاقات، وأخيرا توجت فتح مشوارها بالإخفاق الكبير الذي نسف كل تاريخها وتضحياتها وكلماتها وقواميسها الثورية بتوقيعها على اتفاقات أوسلو التي تنازلت بموجبها عن أكثر من ثلاثة أرباع الوطن، وجندت بموجبه الثوريون القدامى والمناضلين ليعملوا كمرتزقة في أجهزة أمنية مهمتها الحفاظ على أمن العدو. ثم برزت حماس كقوة جديدة على مسرح المقاومة وبدأت شيئا فشيئا تحتل مكانتها في الساحة الفلسطينية في الداخل والخارج، وتملأ الفراغ القاتل الذي تركته حركة فتح ومنظمة التحرير بتخليها عن خيار النضال والثورة لصالح خيار السلام مع العدو. وأثبتت حماس بأفعالها وعبر مشوار طويل من المقاومة والتضحيات جدارتها لقيادة هذا المشروع الوطني التحرري. فهل تنجح حماس ومعها كل قوى المقاومة بتتويج نجاحاتها في الميادين السياسية والعسكرية والاجتماعية والانتخابية، بوضع خطة إستراتيجية جامعة قائمة وقادرة على إشراك الكل الفلسطيني بكافة مكوناته الثقافية والفكرية والسياسية وقدراته العملية والعلمية والمادية ونظمها في إطار خطة قادرة على الوصول إلى أهداف شعبنا في الحرية والتحرير...!!