كتبت لفت انتباهي موضوعا لزميل صحافي حمل عنوان أب فتحاوي يقاطع فرح أبنه الحمساوي خشية قطع راتبه ، انطلاقا من هذا العنوان ، سأستهل كتابة مقالتي حول أزمة القيم ، أو إن صح لي التعبير " قيم الأزمة " والقيمة تحمل المعني الايجابي والسلبي في ذات الوقت ، إن لم تكن قد خانتني ذاكرتي خلال دراستي الجامعية لأحدي المواد المقررة التي تضمنت معني القيم الاجتماعية والعرف والعادات والاختلاف بينهما .ما أود قوله أنه بدأت تبرز وتطفو إلى السطح قيما ليست ايجابية وتغلغلت هذه القيم داخل نفوسنا بطريقة سريعة ، الجميع اعتقد وأنا منهم أن أجواء الحرب والموت التي عايشيها الجميع دون استثناء في نهاية العام الماضي وبداية العام الحالي كانت كفيلة بأن تجسد وتقوى النسيج الاجتماعي وترسخ مفهوم التعاضد والتكاتف المجتمعي وتحصن القيم الاجتماعية الايجابية المتعددة وفي مقدمتها التسامح والتواد والتعاطف والتعاضد ، والاحترام المتبادل والإيثار , ولكن للأسف الشديد إن الحرب وتبعاتها لم تفض بالجديد على الصعيد الاجتماعي بل زادت الطين بله ، وساهمت في تكريس الفردية والفئوية والمصالح الذاتية ، وساهمت في تفتيت أو تفكيك العلاقات الاجتماعية وتفسخها ، فليس من الغريب أن لا يحتفي الأب الفتحاوي بزفاف نجله الحمساوي ، بل تعدتها لتطول علاقات وقيم أخرى لم نكن نعرفها أو نلمسها من قبل ، فوجدنا سابقا الأخ يقتل أخاه دون مراعاة لحرمة الدم ولصلة القرابة ، ورأينا أيضا النزاعات والشقاق داخل البيت والأسرة الواحدة ، ولكن الأغرب أن يقاطع الابن أمه ويضرب بينه وبينها بجدار إسمنتي يذكرني بجدار برلين الشهير ، والأخ يعادي أخاه صراعا على حفنة من تراب أو نقود ، وحكايات تطول عن عقوق الوالدين وانقطاع صلة الرحم والكثير من القصص لا يسعفني المجال لسوقها .ولكن الذي لفت انتباهي أيضا أن هناك أزمة حقيقة تشهدها العلاقات الإنسانية خاصة قيمة الصداقة ، التي كما لو أصبحت موضة قديمة وانتهت ، وحلت محلها صحبة المصالح والعلاقات النفعية المتبادلة ، هذا على صعيد العلاقات الفردية ، وأتساءل هل كان للحرب والأزمة دور كبير في تبدل هذه القيم ونشوء القيم المادية التي طغت على كل شيء ، أم أن نحن نعيش بالفعل أزمة أخلاق ومبادئ وقيم تلك المقولة الشهيرة التي حفظتها عن ظهر قلب من المناضل المرحوم الدكتور حيدر عبد الشافي ، أم نحن نعيش في مجتمع الأزمة أعتقد أن هذه الجدلية بحاجة إلى إجابات وإلا ستبقى مثل جدلية البيضة والدجاجة ومن الأسبق في ذلك لا أود أن أغوص في الكثير من الجوانب والقيم السلبية التي أصبحت طارئة على مجتمعنا ولعلي كنت أعتقد أن الحرب والأزمة سوف تخلق مجتمعا آخرا أكثر تسامحا وأكثر تعاضدا وتفهما لإفراده اتجاه بعضهم البعض ؟ أسئلة أو تساؤلات أرهقت نفسي وأجهدتها وأنا أبحث عن إجابات شافية ومانعة لها ولكنني لم أجد ، أن تكون منافقا ومرائيا وبلا رأي فأنت تمتلك نواصي الأمور وتسير أوضاعك بلا مشاكل ومعيقات , وأن تكون صريحا ، وواقعيا وتمتلك رأيا وجرأة في الطرح والاعتراض عما تراه خطا فتتهم بالرجعية والتخلف ، ولا تصلح أن تعيش في هذا المجتمع وما بين هذا وذالك يبقى صراعا داخليا يدور داخل خلجات نفسك صراعا يشبه إلى حد بعيد صراع الحق والباطل أو بين الصواب والخطأ والنتيجة التي أود أن أصل إليها وأؤمن بها بأن الثبات على القيم والمبادئ بات ضربا ن ضروب الخيال في زمن تغيرت واختلطت به المعايير لدرجة أننا لم نعد نفرق بين الصواب والخطأ وبين المعقول واللامعقول ويبدوا أنه أصبح الشخص المتمسك بمبادئه كالشخص القابض على جمرة من نار في مجتمع شهدا تحللا كبيرا في كثير من جوانبه على الصعد كافة .