غزة / نشرت مجلة "فورين بوليسي" (السياسة الخارجية) الاميركية مقالا للمستشار السياسي في برنامج الامن القومي بهيئة الطريق الثالث كايلي سبيكتور، يقول فيه ان صحافة "وول ستريت جورنال" و"نيويورك تايمز" ومثيلاتهما أوردت العام الماضي ما أطلقت عليه "معجزة اقتصادية" يشهدها الفلسطينيون في الضفة الغربية. ويمضي قائلا: "الا ان الجزء المهم المفقود من هذه الاحجية هو غزة وشؤونها الحياتية اليائسة. وفيما يبدو ان هذا لا يتعدى ان يكون جزءا صغيرا في اطار صراع اكبر، فان الرفاهية الاقتصادية للمقيمين في الضفة الغربية حاز على اهتمام متزايد في وقت قام فيه زعماء الجانبين من اسرائيليين وفلسطينيين بالاعتماد على النمو الاقتصادي كسبيل لحل الدولتين القابلتين للحياة، في الوقت الذي اهمل فيه الوضع في غزة. "واذا كان هناك شيء يستحوذ على اهتمام الفلسطينيين على وجه اليقين فانه ما قيل بانه معجزة اقتصاد الضفة الغربية. وقد قمت الشهر الماضي بزيارة اسرائيل والضفة الغربية للحصول على فهم افضل للوضع الاقتصادي هناك على ضوء هذه القصص المتزايدة عن السلام وبناء الدولة عبر النمو الاقتصادي. والتقيت بعدد من رجال ومستشاري الاعمال والاكاديميين ومسؤولي التنمية الاميركيين والفلسطينيين، واكتشفت ان هناك قدرا كبيرا من التشاؤم حول النمو المرموق بالنسبة لاقتصاد الضفة الغربية. وقد تحدثوا، ليس عن النمو الواقعي، وانما عن نمو الضفة الغربية باعتباره "مركزية رام الله" الذي تغذيه على نطاق واسع معونات المتبرعين الدوليين التي تمول العمالة المتزايدة ( في السلطة الفلسطينية ودوائر البلدية ومشروعات التنمية). "صحيح ان الناتج المحلي الاجمالي في الضفة الغربية كان من بين اكثر عشرة مواقع تنمية في العالم في العام 2009 (سبعة في المائة) في فترة شهدت اكثر حالات الكساد العالمية سوءا في التاريخ. ومع ذلك فانه تبين للفلسطينيين والاميركيين على حد سواء ان اي ارتفاع بسيط في حساب الناتج المحلي الاجمالي في الضفة الغربية يظل معطلا نتيجة مشاكل الحصار الاقتصادي على غزة. فقطاع غزة جزء مهم من الاقتصاد الفلسطيني.. وبدونه تفقد الضفة الغربية الكثير من سوقها المحلية ولا يمكنها الافادة من واردات غزة الارخص. "والى ان تتمكن اسرائيل ومصر من تخفيض حدة السيطرة على الواردات والصادرات في قطاع غزة وزيادة التجارة بين القطاع والضفة الغربية، فان رؤيا رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن السلام الاقتصادي وخطة رئيس وزراء السلطة الفلسطينية سلام فياض لاعلان قيام دولة فلسطينية في العام 2011 سيتمخضان عن لا شيء في نهاية المطاف. "فاسرائيل تصنف قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة المقاومة الاسلامية "حماس" انه كيان عدائي يجثم على حدودها، وليس لديها اهتمام يذكر في مجال تقليل القيود على حركة السلع من غزة واليها. كما ان مصر لا تريد ان تفتح حدودها جنوب غزة خشية ان تتحمل وحدها عب مسؤولية غزة. وحسب وصف ريكس براينين فان هذا الحصار الاسرائيلي والمصري انتج "اقتصادا فريدا كارثيا" داخل قطاع غزة. "ويعيش في غزة اكثر من 1.5 مليون فلسطيني. وفي الضفة الغربية حوالي 2.5 مليونا، وهناك على الاقل 1.5 مليون عربي يقيمون في اسرائيل، الكثير منهم تربطهم علاقات عائلية او تجارية وثيقة مع الضفة الغربية. حتى وان اضيف العرب المقيمين في اسرائيل الى اجمالي السوق، فان غزة تظل تمثل 28 في المائة من السوق الفلسطينية المحلية. "وبالاضافة الى فقدان غزة كسوق لتصدير سلعها، فان الضفة الغربية تعتمد بصورة متزايدة على المنتجات الاسرائيلية وغيرها من المنتجات الاساسية الاكثر كلفة، فيما يصل بعضها باثمان ارخص من غزة. وحتى لو ان الضفة الغربية تمكنت من انتاج نموا كافيا للتغلب حسابيا على التحديات التي يخلقها الحصار على غزة، فان معظم الفلسطينيين سيجدون صعوبة في الاقتناع بان اوضاعهم تحسنت اذا لم يلمسوا تحسنا في غزة ايضا. ورغم اختلاف انتماءاتهم السياسية فان الفلسطينيين في الضفة الغربية يشعرون بقلق عميق بالنسبة لمستقبل غزة، وينظرون الى انتعاش اقتصادهم على ضوء الوضع المشترك للضفة الغربية وقطاع غزة معا. " ان من مصلحة اسرائيل ومصر تخفيف بعض القيود على تدفق السلع الى غزة. وقد يكون مجزيا لصانعي السياسة في واشنطن واسرائيل بل وفي السلطة الفلسطينية ان يحلموا بقيام وضع يمكن ان تحقق فيه التنمية الاقتصادية في الضفة الغربية حلا سلميا للصراع وتؤدي الى قيام دولة فلسطينية، مع ترك قضايا غزة ليوم اخر. ولا شك ان ذلك يبدو سهلا اذا اخذنا بعين الاعتبار مدى صعوبة التوصل الى تسوية للنزاع بين اسرائيل وقطاع غزة الذي تحكمه "حماس"، والذي يتطلب تعاونا مصريا ايضا. الا ان الامر يبدو غير عملي، فالتركيز على نمو الضفة الغربية الاقتصادي مع اهمال الدور الرئيسي لغزة في الاقتصاد الفلسطيني، طريق يحتمل الا يؤدي الا الى الفشل بالنسبة للاميركيين والاسرائيليين والجهود الفلسطينية لاحلال السلام".