خبر : كيف نوصل الحقائق عن قضايانا إلى الرأي العام في الغرب؟ ..عبدالعزيز بن عثمان التويجري

الأربعاء 07 أبريل 2010 09:36 ص / بتوقيت القدس +2GMT
كيف نوصل الحقائق عن قضايانا إلى الرأي العام في الغرب؟ ..عبدالعزيز بن عثمان التويجري



المسلمون مقصّرون في تبليغ رسالة دينهم السمح وقيم حضارتهم ومفاهيم ثقافتهم لشعوب العالم. والجهود التي تبذل حتى الآن في هذا المجال، لا تؤتي ثمارها على النحو المرغوب فيه. الرأي العام العالمي يفتقر إلى المعلومات الصحيحة عن قضايا العالم الإسلامي، وغالبية الشعوب والأمم في الأرض، تجهل تماماً الحقائق المتعلقة بالرسالة الإسلامية الحضارية العالمية، والمرتبطة بالقضايا التي تشغل الرأي العام الإسلامي، وهي كثيرة ومتعددة، ليس من العقل والحكمة والمصلحة، اختزالها في قضية واحدة. إن الرأي العام في الغرب، لا تصنعه وسائل الإعلام فحسب، على تنوعها وتعددها وقوة نفوذها، بل تشترك في صناعته، الجامعات، ومراكز البحوث والدراسات، ودوائر الاستشراق التي يعمل فيها خبراء وأكاديميون في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفي ما يتصل بالعالم الإسلامي عموماً، فضلاً عن كبريات دور النشر والمكتبات المنتشرة في العواصم وفي جميع المدن، والتي تصل أحياناً إلى القرى والأرياف البعيدة، لأن الشعوب الغربية عموماً، شعوب قارئة، محبة للاطلاع، مقبلة على البحث عن المعرفة، والقراءة هي الغذاء اليومي للمواطن الأوروبي والأميركي، فلم يستطع التلفزيون والإنترنيت التأثير على مكانة الكتاب في حياة هذا المواطن. ولذلك فإنَّ الكتاب الذي يصل إلى يد المواطن الأميركي والأوروبي يؤثر في فكره، وفي رؤيته إلى العالم، وفي حكمه على الأحداث التي تدور من حوله، وفي فهمه للقضايا التي تثير اهتمامه. وليست كل قضية تثير اهتمام المواطن في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، فكثير جداً من القضايا التي تستحوذ على اهتماماتنا في العالم الإسلامي، لا نصيب لها من اهتمام الرأي العام الأوروبي والأميركي. فالأولويات في المجتمعات الغربية تختلف عنها في المجتمعات العربية الإسلامية. ولكن الظاهرة اللافتة للانتباه، أن الراي العام الأميركي بالخصوص، تحوَّل إلى الاهتمام بالإسلام عقيدة وثقافة وحضارة وتاريخاً وشعوباً وواقعاً على الأرض، منذ أحداث الحادي عشر من أيلول(سبتمبر) عام 2001، بحيث تشير الإحصائيات واستطلاعات الرأي، إلى أن نسبة المواطنين الأميركيين الذين بدأوا يولون اهتماماً بالإسلام وبالعالم الإسلامي قد زادت بدرجة لافتة للانتباه، وأن الإقبال على البحث عن مصادر ميسرة تفتح النوافذ للتعرف على الإسلام وعلى الثقافة الإسلامية وعلى الحضارة الإسلامية، قد تسارعت وتيرته وتصاعدت نسبته خلال السنوات التسع الأخيرة. ولكن هذه المصادر الميسرة للاطلاع على المعلومات الصحيحة عن مفاهيم الرسالة الإسلامية وعن قيم الحضارة الإسلامية، غير متاحة في كل مكان، وما هو متاح منها غير مأمون العواقب، لأن «الكتب المضادة» تفوق بدرجة كبيرة «الكتب المساندة» التي تتسم بالموضوعية والنزاهة، وبالمنهج العلمي والأسلوب الرصين، وباللغة التي تبلغ الرسالة والفكر، والصورة بدون تعقيد. ولذلك كانت الحاجة إلى القيام بعمل جدّي لتقريب المصادر الصحيحة الأمينة والنزيهة عن الإسلام وعن ثقافته وحضارته وعن شعوبه، إلى المواطن الأميركي من مختلف المستويات، ضرورة بالغة الإلحاح، لتصحيح المعلومات عن صورة العالم الإسلامي في شكل عام في أذهان المواطنين الأميركيين. عند زيارتي لمجلس العلاقات الإسلامية الأميركية – كير - في واشنطن، أبلغت المدير التنفيذي للمجلس الدكتور نهاد عوض، حرص الإيسيسكو على الإسهام في برنامج المجلس لتزويد المكتبات العامة في الولايات المتحدة الأميركيـة بالمراجع الأساس في الحضارة الإسلامية. وعلى إثـر تلك الزيارة، أصدرت قـراراً باعتماد مبلغ مالـي ضمن بـرامج المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة – إيسيسكو -، لتزويد مئتي مكتبة عامة في مختلف الولايات المتحدة الأميركية، بمجموعة مختارة من المراجع والمصادر المعتمدة والكتب العامة عن الإسلام وعن الحضارة الإسلامية والثقافة الإسلامية. وهذا برنامج سيكون مستمراً، بحيث سنتابع تزويد المكتبات المختارة، بالكتب، سواء المؤلفة أصلاً باللغة الإنجليزية، أو المترجمة من لغات أخرى إلى اللغة الإنجليزية. ولقد شعرت بالحاجة إلى دعم الجامعات ومراكز البحوث والدراسات الأكاديمية بالمراجع الإسلامية الصحيحة، خلال الزيارة التي قمت بها إلى جامعة ميتشيغان وجامعة جورج تاون وإلقائي محاضرتين فيهما، حيث أتيح لي من خلال الاحتكاك بالقيادات الأكاديمية والثقافية والطلاب، أن أتعرف بقدر كاف، على ما أسميه «الخريطة الذهنية» التي تحدد تضاريس المعرفة بالإسلام وبالأوضاع في دول العالم الإسلامي. وأيقنت أن أمر هذا النقص في انتشار هذه الحقائق والمعلومات الصحيحة عن الإسلام والمسلمين، يعود في المقام الأول، إلى قصورنا نحن ـ حكومات دول العالم الإسلامي ومنظماته ومؤسساته وقياداته الفكرية والعلمية والثقافية ـ في القيام بواجب التحرك الثقافي المطلوب في الأوساط الأكاديمية والثقافية والإعلامية التي توصلنا إلى مراكز القرار السياسي التي تتأثر هي الأخرى بهذه الأوساط، وتؤثر في الحياة العامة وفي السياسة الأميركية على الصعيد الدولي. لقد قضينا عقوداً من السنين، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وظهور الولايات المتحدة الأميركية على الساحة العالمية قوة دولية نافذة، بعيدينَ عن الوصول إلى المواطن الأميركي بالوسائل الثقافية والوسائط الإعلامية وعبر الطرق الأكاديمية. وكان اهتمامنا مركزاً على السعي لـ «إقناع» القيادات السياسية الأميركية بعدالة قضايانا. ولعل المناخ العام الذي كان يسود العالم في تلك الحقبة، بسبب من تصاعد الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي، كان له تأثير في صرفنا عن الاهتمام بالشعب الأميركي من خلال الاقتراب منه وتيسير الوسائل له للتعرف على ثقافتنا وحضارتنا واهتماماتنا وقضايانا ومشاكلنا. وليس معنى هذا الإعراض عن العمل السياسي والديبلوماسي على الساحة الأوروبية والأميركية. فهذا مما لا يقول به عاقل. وإنما القصد هو الانتقال إلى مرحلة جديدة، تتكامل فيها الأدوار وتتوازن الأعمال وتكمل التحركات بعضها بعضاً، نتوجه فيها بالخطاب الثقافي والفكري والأكاديمي، إلى مصانع العقول ومحاضن الأجيال الناشئة في الغرب، من خلال الكتاب والشريط والمعلومة الموثقة، حتى لا نترك الساحة للمغرضين الذين يزيفون الحقائق ويشوهون صورة الإسلام باسم البحث الأكاديمي، وبدعاوى أخرى كثيرة، أو بدافع الكراهية والعنصرية والوقوع في حبائل أعداء السلام والحوار والتعايش. لقد تغير العالم من حولنا، ولكن لم تتغير أساليبنا في مخاطبة الشعوب والأمم. ولقد حان الوقت لتجديد الخطاب الذي نتوجه به إلى الغرب، بحيث نقلع تماماً عن الطرق التقليدية التي لم تجد نفعاً، ونتحرك في الاتجاه الصحيح، بالمنهج السليم وبالخطاب الواضح، وبالمنطق الذي يتعامل به المواطن في أوروبا وأميركا. وينبغي أن يكون واضحاً أن ليس أيّ كتاب عن الإسلام باللغة الإنجليزية، يصلح لتوضيح الحقائق عن ديننا إلى المواطن الأميركي. فالأمر يحتاج إلى نوع خاص من الكتب الجادة الهادفة المقنعة الواضحة وسيلة وغاية. كما أن الحاجة إلى انتقاء الكتب المرجعية المهمة التي ألفها غير المسلمين، ومنهم أوروبيون وأميركيون منصفون، عن الحضارة الإسلامية، وتمكين المواطن الأميركي والأوروبي من الاطلاع عليها، تتزايد خلال هذه الفترة التي تشتد فيها الرغبة لدى قطاع واسع من الرأي العام الأوروبي والأميركي في معرفة الحقائق عن الإسلام. يتعين على القيادات الفكرية والأكاديمية والثقافية والإعلامية في العالم الإسلامي، أن تدرس جيداً وبعمق، الوسائل المجدية النافعة المؤثرة التي تمكننا من أن نوصل الحقائق عن قضايانا، إلى الرأي العام في الغرب، وخصوصاً في الولايات المتحدة الأميركية. ولعل الكتاب والوسائط الإعلامية والثقافية، خير وسيلة لتحقيق هذا الهدف الإنساني النبيل. * المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة – إيسيسكو