خبر : نتائج الانتخابات العراقية: امتحان للعراق وإيران - د. بشير موسى نافع

الخميس 01 أبريل 2010 12:53 ص / بتوقيت القدس +2GMT
نتائج الانتخابات العراقية: امتحان للعراق وإيران - د. بشير موسى نافع



شهدت الانتخابات العراقية تدخلات في كل مراحل العملية الانتخابية بلا شك، ولكن هذه التدخلات صبت لصالح المالكي في شكل أساسي؛ وليس ذلك بغريب، فهو قاد الحكومة التي أجرت الانتخابات وسيطر على أجهزتها العسكرية والأمنية.الذين ذهبوا إلى مراكز الاقتراع ولم يجدوا أسماءهم على القوائم، والذين منعوا من التصويت لأن مسؤولي المراكز قرروا أن جواز السفر لا يكفي لإثبات الهوية، والصناديق التي ألغيت من حسابات العد، لهذا السبب أو ذاك، تعود في الأغلبية العظمى منها إلى مناطق معينة، كان من المتوقع أن تعطي أصواتها للقائمة العراقية. ولكن الفارق في النهاية بين حجم الأصوات التي ذهبت للعراقية، التي يقف على رأسها إياد علاوي، وتلك التي ذهبت لقائمة دولة القانون، التي يقودها رئيس الحكومة المنتهية ولايتها، المالكي، كان كبيراً، بحيث أصبح من الصعب في المراحل الأخيرة من العملية تجاوزها. وهكذا فازت العراقية بفارق صغير، فارق مقعدين وحسب، ولكنه فارق كبير عندما توضع في الاعتبار الظروف ثقيلة الوطأة التي أحاطت بالانتخابات.لهذا الفوز دلالات بالغة، وهو فوز يضع القوى العراقية السياسية الرئيسة وإيران أمام امتحان، ستترك نتائجه أثراً بالغاً على مستقبل العراق وجواره العربي والإسلامي.الدلالة الأبرز لهذه الانتخابات أن كفة المزاج العراقي تميل نحو إقامة دولة وطنية، دولة لا تحمل صبغة دينية أو طائفية. كان خيار العراقيين العرب السنة قاطعاً في انحيازه لدولة وطنية، موحدة، وذات توجه علماني معتدل؛ ليس فقط لأنهم صوتوا لقائمة يقودها سياسي شيعي علماني، ولكن أيضاً لأنهم صوتوا بكثافة غير مسبوقة، وصوتوا ككتلة واحدة تقريباً. عدد المقاعد التي ذهبت لعرب سنة من خارج القائمة العراقية لا يتجاوز العشرة. ما توحي به هذه النتائج، أن السنة العرب الذين تصدوا لسيطرة القاعدة الدموية، هم وليس قوات أمن الدولة الجديدة، اتخذوا في هذه الانتخابات موقفاً لا يحتمل التأويل في مناهضة الطائفية ونظامها، وانحازوا لعراق موحد، مدني، يقوم على المواطنة المتساوية والفصل بين الدولة والدين. ولكن الصورة لم تكن كذلك تماماً في نمط تصويت المحافظات ذات الأغلبية الشيعية. صحيح أن العراقية فازت بعدد من مقاعد هذه المحافظات، وهي القائمة الوحيدة التي حصلت على مقاعد في أغلب المحافظات العراقية، من الموصل إلى البصرة. ولكن الحقيقة أيضاً أن الأغلبية الساحقة من أصوات الناخبين الشيعة العرب ذهبت للقائمتين الشيعيتين الرئيسيتين، دولة القانون والإئتلاف. ثمة عدد من الأسباب التي جعلت تحرر الناخب الشيعي من التوجه السياسي الطائفي أقل نسبياً من تحرر نظيره السني.أولها، أن وتيرة التعبئة الطائفية السياسية في مناطق الأغلبية الشيعية العربية ما تزال عالية، تتعهدها أحزاب وقوى ودوائر دينية وشخصيات. يستند الخطاب الطائفي الشيعي، كما كل خطاب طائفي، إلى أساطير تاريخية من الحقوق والمظالم، ويروج لوهم المخاطر التي تهدد الطائفة وسيطرتها. وقد تعرض الناخب الشيعي في الجنوب العراقي لحملة هائلة من إثارة المخاوف من القائمة العراقية، ومن فكرة تحييد الدولة في المجال الديني في أصلها. ثانيها، أن الأحزاب الطائفية الشيعية سيطرت بالفعل على أجهزة الدولة الجديدة، وفي بغداد والمحافظات الجنوبية على وجه الخصوص، وكرست أجهزة الدولة ومقدراتها لخدمة مصالحها، سيما أن الدولة لم تزل المصدر الأهم على الإطلاق للمال والثروة والموقع والوظيفة الآمنة. الثالث، أن كلاً من دولة القانون والإئتلاف الشيعي عمل على إعادة انتاج نفسه في صورة وطنية خلال العام الأخير، بعد أن لاحظ الطرفان رياح التغيير في المزاج العراقي، وهو ما خدع جزءاً من الناخبين بالفعل.السؤال الآن هو إلى أين تتجه الأمور؟ هل من الممكن أن تؤدي هذه الانتخابات إلى تغيير سياسي، ولو جزئي في العراق؟الذين راقبوا تعليق المالكي المباشر على إعلان فوز القائمة العراقية لم يغب عنهم الطابع الهستيري لرد فعل رئيس الحكومة المنتهية ولايتها. كان المالكي، الذي سبق وأشاد بالعملية الانتخابية عندما كانت النتائج الجزئية توحي بتصدره، بدأ في التنديد بعملية الفرز والعد وبكل جهاز المفوضية العليا للانتخابات قبل أيام من إعلان النتائج النهائية. وعندما أعلنت النتائج لم يبق له إلا تهديد خصومه بالاجتثاث والطرد وانفجار العنف، والوعيد بتغيير النتائج بكل وسيلة متاحة له. وما إن اتضح أن موقفه لا يجد تأييداً كافياً، ولا حتى في الدوائر الشيعية السياسية الأخرى، التي لم يبق فيها من لا يرغب بذهابه، حتى بدأ نشاطاً من نوع آخر، محاولاً إقامة سلسلة من التحالفات التي توفر لعودته إلى رئاسة الحكومة بأغلبية برلمانية كافية. ولكن الأمور ليست ممهدة أمام طموح المالكي الجامح؛ فالكتلة الصدرية التي حصلت على العدد الأكبر من مقاعد الإئتلاف السبعين، أعلنت منذ البداية معارضتها لعودة المالكي. وليس من الصعب التكهن بأن أغلب الشخصيات الشيعية في الإئتلاف، إضافة إلى قطاع واسع من الكتلة الكردية، تعارض ولاية جديدة للمالكي.لا قائمة واحدة ولا حتى تحالف اثنتين، يمكنها تشكيل حكومة مستقرة. ومن الواضح أن العراق الآن يقف أمام خيارين رئيسيين: إعادة انتاج الحكومة الطائفية السابقة بالتحالفات التي أسست لها، أو الخروج من المناخ الطائفي، وإقامة حكومة على أسس جديدة، بغض النظر عن الشخصية التي سيعهد لها رئاسة الحكومة في الحالتين. في مواجهة هذين الخيارين، تقف القوى العراقية السياسية أمام امتحان كبير. على الكتلة الكردية، أولاً، أن تسأل نفسها ما إن كانت تريد حكماً قوياً ومستقراً في بغداد، يتمتع بدعم شعبي واسع، يؤهله للدخول في تفاوض جاد لحل المسائل العالقة مع منطقة الحكم الذاتي الكردي، أو أنها تفضل حكومة ضعيفة، ترتكز إلى تشققات إثنية وطائفية. وعلى القوى السياسية الشيعية، الإئتلاف في شكل عام والمجموعة الصدرية على وجه الخصوص، أن تسأل نفسها ما إن كان العراق الذي تسعى إليه هو عراق المغالبة، عراق العزل والاجتثاثات، وعراق التسلط الطائفي، الذي انعكس خلال الأعوام القليلة الماضية في كافة المجالات التي تخضع لسلطة الدولة، وانتهى إلى سيطرة رجل واحد على مقدرات البلاد باسم الطائفة. سيوفر اصطفاف الإئتلاف ودولة القانون بلا شك كتلة كبيرة، يمكن أن تأتي بالكتلة الكردية، تهديداً أو إغراءً، إلى جانبها. ولكن هل هذا هو الحكم الذي يمكن أن يحقق استقرار العراق، ويخرجه من هوة الاحتلال والتشظي الداخلي؟ والانتخابات هي امتحان لإيران ايضاً. فمهما كانت زاوية النظر، فمن السذاجة تجاهل النفوذ الإيراني واسع النطاق في العراق. وهناك تقارير متزايدة تشير إلى أن طهران تصب جهودها الآن في اتجاه إعادة بناء الحكم الطائفي. يوم الأثنين الماضي، نبهت وزارة الخارجية الإيرانية من أن تدخل الآخرين في مسيرة الديمقراطية في العراق ستضر بهذه المسيرة، معلنة استعدادها لمساعدة بغداد على إرساء السلام والاستقرار في العراق. واعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية رامين مهمانبرست، في تصريح له ’أن الانتخابات العراقية التي جرت في السابع من آذار/ مارس الحالي، شأناً داخلياً’. وأكد على وجوب السماح بمأسسة غرس الديمقراطية الناشئ في العراق، وعلى أن تدخلات الأطراف المتواجدة في العراق لصالح تيار أو فئة معينة من شأنها أن تؤدي الى إضعاف مسيرة الديمقراطية في العراق. ووصف حضور الشعب العراقي في مشهد ديمقراطي لتقرير المصير بأنه فأل حسن، مشيراً إلى أن بلاده أعلنت دوماً استعدادها للتعاون البناء مع حكومات المنطقة والدول الجارة. وأشار مهمانبرست إلى أن إيران، بصفتها جارة للعراق، تتمنى النجاح للحكومة المقبلة، مضيفاً ’إننا مستعدون دوما لمساعدة دول المنطقة ومن ضمنها العراق لإرساء السلام والاستقرار والبناء’. الحقيقة أن الوقائع لا تتفق وروح هذه التصريحات. الهرولة المخجلة لرئيس الجمهورية الطالباني إلى طهران، قبل ساعتين من إعلان النتائج النهائية، وفي تجاهل صارخ لمهماته في تمثيل العراق في القمة العربية؛ ثم استدعاء وفود من قادة الإئتلاف، ودولة القانون، والكتلة الكردية، إلى العاصمة الإيرانية، لا يعبر عن النفوذ الإيراني في العراق وحسب، ولكن أيضاً عن تصميم إيران على ممارسة كل ضغط ممكن للمحافظة على النظام ذي الطابع والجوهر الإثني والطائفي في العراق. سياسة التدخل في الشأن العراقي، كما قال الناطق باسم الخارجية الإيرانية، هي سياسة خاطئة وخطرة وقصيرة النظر. مثل هذه السياسة لن تفهم في أوساط الرأي العام العربي والإسلامي إلا باعتبارها تجلياً لسعي إيراني للسيطرة على الشأن العراقي، لإبقاء العراق ضعيفاً ومنقسماً على ذاته، ولتأبيد الحكم الطائفي في بغداد. الرأي العام العربي، وبغض النظر عن موقف الأنظمة العربية، يرى إيران شريكاً في الجغرافيا والتاريخ وفي قضايا المشرق المعاصرة الكبرى، يقف إلى جانب حق إيران في امتلاك التقنية النووية، ويجد السياسة الإيرانية في لبنان وفلسطين تعبيراً عن قوى الجامعة الإسلامية؛ ولكنه يواجه صعوبة بالغة في فهم السياسة الإيرانية في العراق.منذ ما قبل الاحتلال والعراق ينتقل من أزمة إلى أخرى. بمجيء الاحتلال وتقويض بنى الدولة العراقية، تفاقمت أزمة العراق، وأدخلت البلاد إلى نفق محكم. ما تمثله الانتخابات الأخيرة هو صرخة الروح العراقية الجمعية للخروج من هذا النفق. فليترك أهل العراق وشأنهم ليحاولوا إعادة الروح إلى وطنهم وجماعتهم الوطنية. ’ كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث