هناك تطورات حقيقية في الموقف الأميركي إزاء إسرائيل وحل الصراع العربي الإسرائيلي. لكن السؤال الصعب هو كيف يمكن أن يتطور هذا الموقف إلى سياسة فعالة على الأرض وضاغطة على إسرائيل؟ لنبدأ أولاً بتأمل التطورات الجديدة. أولها هنا هو دخول المؤسسة العسكرية الأميركية وانتشارها في العالم على خط إبداء الرأي والتصورات إزاء الصراع مع إسرائيل. ربما لأول مرة في تاريخ السياسة الأميركية تصدر تصريحات من قادة الجيش تقول إن المصلحة القومية والعسكرية الأميركية تقضي بإيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي. ما قاله الجنرال بترايوس قائد قوات البحرية الأميركية في هذا السياق من أن استمرار الصراع يهدد حياة الجنود الأميركيين في العراق وأفغانستان هو انعطافة حقيقية ومهمة، وهي اعتراف بالفكرة التي يصر كثير منا عليها ويحاولون إيصالها لصناع القرار الأميركيين والغربيين. وهي فكرة أن قضية فلسطين تقع في قلب تشكيل نمط العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، وهي ترفع من مستويات الكراهية والصداقة. وأن التأييد الأميركي الأعمى والمطلق لإسرائيل كان وما زال المحفز الأكبر وراء صعود كل تيارات التطرف القاعدي ضد أميركا، وسوف يبقى كذلك ما لم يتم التوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية. والمهم في هذا السياق أن تصريح بترايوس لا يبدو معزولاً، بل يعكس قناعة تتوسع ويمكن القول إنها أصبحت جزءاً من التفكير الرسمي الأوبامي. فنعرف جميعاً أن أوباما يؤمن بهذه الفكرة وكررها في أكثر من مناسبة، كما أن هيلاري كلينتون أخبرت مستمعيها في "الأيباك"، وهي اللوبي الصهيوني اليميني الأهم في واشنطن، ان الناس يحدثونها عن القضية الفلسطينية ومعاناة الفلسطينيين أينما تذهب. يُضاف إلى ذلك بروز لوبي يهودي يساري (جي ستريت) أصبح منافساً لـ"الإيباك" ويعمل على ضرورة تطبيق حل الدولتين بالسرعة القصوى.التطور الثاني في الموقف الأميركي هو الحديث عن ضرورة قيام دولة فلسطينية بنفس مستوى ضرورة الحفاظ على أمن إسرائيل. ما تعودنا سماعه دوماً من واشنطن هو التركيز على أولوية أمن إسرائيل وأن هذه الأولوية هي التي تحدد ما يليها. وقد تفاقم ذلك الخطاب إلى درجة وقحة بل ومتوحشة خلال سنوات حكم جورج بوش الابن، وحيث ربط أمن إسرائيل بالمصلحة القومية الأميركية. أما الآن فإن نبرة الخطاب اختلفت وارتفع مستوى القناعة بضرورة قيام دولة فلسطينية إلى درجة اعتبارها مصلحة أميركية تخفف من العداء والضغط على مصالح الولايات المتحدة القومية والعسكرية. التطور الثالث هو مواجهة الحركة الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس والطلب من نتنياهو أن يختار بوضوح أين يقف: مع الاستيطان أو مع حل الدولتين. وقد ترافق مع ذلك الطلب وضع حد لمناورات نتنياهو وتهربه وتضييعه للوقت لأكثر من سنة. فكثير من الصرامة التي سمعها نتنياهو في لقائه الأخير مع أوباما أصبح منشوراً في الإعلام. فرفض واشنطن لمخططات الاستيطان والبناء في القدس الشرقية هو إعادة الاعتبار للموقف الأميركي القديم إزاء المدينة واعتبارها محتلة منذ عام 1967 كسائر مناطق الضفة الغربية، وهو الموقف الذي تجاوزه جورج بوش وقفز عنه.التطور الرابع في الموقف الأميركي هو تطور سياقي ذلك أن كل ما سبق يحدث ضمن إطار سياسة أوبامية أوسع سواء على المستوى الداخلي أم الخارجي. داخلياً وكما صار معروفاً وشائعاً تمكن اوباما من انجاح مشروعه في سن تشريعات جديدة للرعاية الصحية في الكونغرس، والتي تقود أميركا باتجاه دولة الرعاية الاجتماعية الأوروبية. ويعتبر كثيرون أن هذه التشريعات هي ثورة حقيقية في شكل النظام الاجتماعي الأميركي والأهم منذ نصف قرن. نجح أوباما في ذلك رغم كل المعارضة الجمهورية الشديدة وتحالفات شركات التأمين وجبهة عريضة وقفت ضده باعتبار أن إفشال مشروعه ذاك يعني تحطيم اوباما داخلياً. وداخلياً أيضاً يعتبر كثيرون أن سلسلة الإجراءات النقدية والاقتصادية التي قامت بها إدارة أوباما لكبح جماح الأزمة المالية قد نجحت ولو جزئياً في أهدافها، وأن ثمة بدايات لانتعاش الاقتصاد الاميركي من ناحية، ولعقلنة الرأسمالية العالمية من ناحية ثانية. على المستوى الخارجي نجح أوباما في دفع معاهدة الحظر من انتشار الصواريخ الحاملة للرؤوس النووية مع روسيا دفعة كبيرة إلى الأمام، وهي الأولى من نوعها منذ عشرين عاماً. وخارجياً أيضاً ينظر الكثيرون إلى التطورات السياسية في العراق ونجاح الانتخابات، وخاصة فوز علاوي الأبعد عن الطائفية، بكونه نجاحاً آخر لإدارة أوباما من ناحية تأكيد مواعيد الانسحاب الكلي للقوات الأميركية من العراق. تدفع النجاحات المختلفة في ذلك السياق إلى بناء رأس مال سياسي عند إدارة أوباما وثقة بالنفس قد تقود إلى ضغط وسياسة مختلفين إزاء إسرائيل. وهما ضغط وسياسة لا ينطلقان من نقطة العداء لإسرائيل بل الحفاظ على مصالحها وأمنها، وهو منطلق يُضعف منطق وحجج المزايدين من المحافظين واليمين الصهيوني والأميركي. ويحدث ذلك كله، مرة أخرى، مع الحضور الجديد والمفاجئ للجيش الأميركي في النقاش حول القضية الفلسطينية وحلها. فالسؤال الذي يواجهه الآن كثير من عتاة مؤيدي إسرائيل في واشنطن واللوبيات القوية هناك هو هل أنتم مع استمرار قتل الجنود الأميركيين بسبب تصلب السياسة الإسرائيلية، أم أنتم مع حل الدولتين؟كل ما سبق لا يعني أن الطريق مفتوح الآن لسياسة جديدة وتحولات جذرية إزاء ما ستقوم به واشنطن تجاه إسرائيل. فهناك معوقات لا تزال هائلة. فأولاً ورغم الارتباك الذي يعاني منه أنصار إسرائيل في واشنطن إلا أن ذلك لا يعني ضعفهم أو تنازلهم. فهناك إلى جانبهم تقف جبهة صلدة من الجمهوريين والمحافظين الجدد الذين يعملون ليل نهار على إضعاف أوباما. والاختبار الانتخابي الكبير سيأتي في شهر تشرين الثاني القادم حيث الانتخابات الجزئية للكونغرس. ويتوقع أن يحاول نتنياهو المماطلة وتضييع الوقت حتى ذلك الحين بأمل أن يخسر الديمقراطيون ويضعف أوباما، ويقف الكونغرس بغالبيته ضد سياساته. أما خارجياً فنعلم جميعا أن الاختبار الأكبر والأصعب الذي تواجهه إدارة أوباما يكمن في أفغانستان. فالفشل هناك يعني ضربة استراتيجية قوية تضعف أوباما في كل المجالات وتقضي بطبيعة الحال على فرص ترشحه لولاية ثانية، وتستنزفه بعيداً عن القضية الفلسطينية. هناك تطورات حقيقية في الموقف الأميركي إزاء إسرائيل وحل الصراع العربي الإسرائيلي. لكن السؤال الصعب هو كيف يمكن أن يتطور هذا الموقف إلى سياسة فعالة على الأرض وضاغطة على إسرائيل؟ لنبدأ أولاً بتأمل التطورات الجديدة. أولها هنا هو دخول المؤسسة العسكرية الأميركية وانتشارها في العالم على خط إبداء الرأي والتصورات إزاء الصراع مع إسرائيل. ربما لأول مرة في تاريخ السياسة الأميركية تصدر تصريحات من قادة الجيش تقول إن المصلحة القومية والعسكرية الأميركية تقضي بإيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي. ما قاله الجنرال بترايوس قائد قوات البحرية الأميركية في هذا السياق من أن استمرار الصراع يهدد حياة الجنود الأميركيين في العراق وأفغانستان هو انعطافة حقيقية ومهمة، وهي اعتراف بالفكرة التي يصر كثير منا عليها ويحاولون إيصالها لصناع القرار الأميركيين والغربيين. وهي فكرة أن قضية فلسطين تقع في قلب تشكيل نمط العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، وهي ترفع من مستويات الكراهية والصداقة. وأن التأييد الأميركي الأعمى والمطلق لإسرائيل كان وما زال المحفز الأكبر وراء صعود كل تيارات التطرف القاعدي ضد أميركا، وسوف يبقى كذلك ما لم يتم التوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية. والمهم في هذا السياق أن تصريح بترايوس لا يبدو معزولاً، بل يعكس قناعة تتوسع ويمكن القول إنها أصبحت جزءاً من التفكير الرسمي الأوبامي. فنعرف جميعاً أن أوباما يؤمن بهذه الفكرة وكررها في أكثر من مناسبة، كما أن هيلاري كلينتون أخبرت مستمعيها في "الأيباك"، وهي اللوبي الصهيوني اليميني الأهم في واشنطن، ان الناس يحدثونها عن القضية الفلسطينية ومعاناة الفلسطينيين أينما تذهب. يُضاف إلى ذلك بروز لوبي يهودي يساري (جي ستريت) أصبح منافساً لـ"الإيباك" ويعمل على ضرورة تطبيق حل الدولتين بالسرعة القصوى.التطور الثاني في الموقف الأميركي هو الحديث عن ضرورة قيام دولة فلسطينية بنفس مستوى ضرورة الحفاظ على أمن إسرائيل. ما تعودنا سماعه دوماً من واشنطن هو التركيز على أولوية أمن إسرائيل وأن هذه الأولوية هي التي تحدد ما يليها. وقد تفاقم ذلك الخطاب إلى درجة وقحة بل ومتوحشة خلال سنوات حكم جورج بوش الابن، وحيث ربط أمن إسرائيل بالمصلحة القومية الأميركية. أما الآن فإن نبرة الخطاب اختلفت وارتفع مستوى القناعة بضرورة قيام دولة فلسطينية إلى درجة اعتبارها مصلحة أميركية تخفف من العداء والضغط على مصالح الولايات المتحدة القومية والعسكرية. التطور الثالث هو مواجهة الحركة الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس والطلب من نتنياهو أن يختار بوضوح أين يقف: مع الاستيطان أو مع حل الدولتين. وقد ترافق مع ذلك الطلب وضع حد لمناورات نتنياهو وتهربه وتضييعه للوقت لأكثر من سنة. فكثير من الصرامة التي سمعها نتنياهو في لقائه الأخير مع أوباما أصبح منشوراً في الإعلام. فرفض واشنطن لمخططات الاستيطان والبناء في القدس الشرقية هو إعادة الاعتبار للموقف الأميركي القديم إزاء المدينة واعتبارها محتلة منذ عام 1967 كسائر مناطق الضفة الغربية، وهو الموقف الذي تجاوزه جورج بوش وقفز عنه.التطور الرابع في الموقف الأميركي هو تطور سياقي ذلك أن كل ما سبق يحدث ضمن إطار سياسة أوبامية أوسع سواء على المستوى الداخلي أم الخارجي. داخلياً وكما صار معروفاً وشائعاً تمكن اوباما من انجاح مشروعه في سن تشريعات جديدة للرعاية الصحية في الكونغرس، والتي تقود أميركا باتجاه دولة الرعاية الاجتماعية الأوروبية. ويعتبر كثيرون أن هذه التشريعات هي ثورة حقيقية في شكل النظام الاجتماعي الأميركي والأهم منذ نصف قرن. نجح أوباما في ذلك رغم كل المعارضة الجمهورية الشديدة وتحالفات شركات التأمين وجبهة عريضة وقفت ضده باعتبار أن إفشال مشروعه ذاك يعني تحطيم اوباما داخلياً. وداخلياً أيضاً يعتبر كثيرون أن سلسلة الإجراءات النقدية والاقتصادية التي قامت بها إدارة أوباما لكبح جماح الأزمة المالية قد نجحت ولو جزئياً في أهدافها، وأن ثمة بدايات لانتعاش الاقتصاد الاميركي من ناحية، ولعقلنة الرأسمالية العالمية من ناحية ثانية. على المستوى الخارجي نجح أوباما في دفع معاهدة الحظر من انتشار الصواريخ الحاملة للرؤوس النووية مع روسيا دفعة كبيرة إلى الأمام، وهي الأولى من نوعها منذ عشرين عاماً. وخارجياً أيضاً ينظر الكثيرون إلى التطورات السياسية في العراق ونجاح الانتخابات، وخاصة فوز علاوي الأبعد عن الطائفية، بكونه نجاحاً آخر لإدارة أوباما من ناحية تأكيد مواعيد الانسحاب الكلي للقوات الأميركية من العراق. تدفع النجاحات المختلفة في ذلك السياق إلى بناء رأس مال سياسي عند إدارة أوباما وثقة بالنفس قد تقود إلى ضغط وسياسة مختلفين إزاء إسرائيل. وهما ضغط وسياسة لا ينطلقان من نقطة العداء لإسرائيل بل الحفاظ على مصالحها وأمنها، وهو منطلق يُضعف منطق وحجج المزايدين من المحافظين واليمين الصهيوني والأميركي. ويحدث ذلك كله، مرة أخرى، مع الحضور الجديد والمفاجئ للجيش الأميركي في النقاش حول القضية الفلسطينية وحلها. فالسؤال الذي يواجهه الآن كثير من عتاة مؤيدي إسرائيل في واشنطن واللوبيات القوية هناك هو هل أنتم مع استمرار قتل الجنود الأميركيين بسبب تصلب السياسة الإسرائيلية، أم أنتم مع حل الدولتين؟كل ما سبق لا يعني أن الطريق مفتوح الآن لسياسة جديدة وتحولات جذرية إزاء ما ستقوم به واشنطن تجاه إسرائيل. فهناك معوقات لا تزال هائلة. فأولاً ورغم الارتباك الذي يعاني منه أنصار إسرائيل في واشنطن إلا أن ذلك لا يعني ضعفهم أو تنازلهم. فهناك إلى جانبهم تقف جبهة صلدة من الجمهوريين والمحافظين الجدد الذين يعملون ليل نهار على إضعاف أوباما. والاختبار الانتخابي الكبير سيأتي في شهر تشرين الثاني القادم حيث الانتخابات الجزئية للكونغرس. ويتوقع أن يحاول نتنياهو المماطلة وتضييع الوقت حتى ذلك الحين بأمل أن يخسر الديمقراطيون ويضعف أوباما، ويقف الكونغرس بغالبيته ضد سياساته. أما خارجياً فنعلم جميعا أن الاختبار الأكبر والأصعب الذي تواجهه إدارة أوباما يكمن في أفغانستان. فالفشل هناك يعني ضربة استراتيجية قوية تضعف أوباما في كل المجالات وتقضي بطبيعة الحال على فرص ترشحه لولاية ثانية، وتستنزفه بعيداً عن القضية الفلسطينية. khaled.hroub@yahoo.com khaled.hroub@yahoo.com