خبر : من يهدم مطار غزة الدولي؟! - الدكتور عاطف أبو سيف

الإثنين 29 مارس 2010 12:19 م / بتوقيت القدس +2GMT
من يهدم مطار غزة الدولي؟! - الدكتور عاطف أبو سيف



لا يوجد أكثر عيباً من أن يقوم شعب بتدمير منجزاته وتحويلها إلى ركام من الأحلام التي لم تتحقق. على المرء فقط أن ينظر إلى "المقاولات" التي تتم داخل مطار غزة الدولي لتكسيره وتحطيمه وبيع حطامه ومكونات اسمنته المحطم للتجار ليدرك حجم الكارثة التي يشهدها شعبنا، وهي كارثة، حتى لا يتنطع البعض، لا علاقة للاحتلال بها بل هي تنساق وفق رغبات الاحتلال وجنرالاته بتحطيم واحد من أهم المنجزات الوطنية للشعب الفلسطيني في العقدين الأخيرين بل عملت إسرائيل دوماً على تدميره واستهدافه لإدراكها بمدى أهميته. والأمر كذلك فإن الصورة تبدو أكثر قتامة وأكثر حزناً. المشهد كالتالي عشرات الفتية والرجال يقومون بتحطيم مباني مطار غزة الدولي بالأزاميل والمعاول (منظر بشع) ينقضون عليها بكل قسوة يعملون فيها رغبة التدمير، وفتية آخرون يقومون بفصل مكونات الحطام إلى "حصمة" بعد ان يقوموا بغربلة الحطام لتتم تنقية مواده ثم تتم تعبئتها بجرادل وينقلونها للمقاول (او ربما بالأصح أمير الحرب، لأن المشهد بالفعل يشبه مشهداً من القرون الوسطى أو آخر من حروب قبائل أفريقيا) وثمن الجردل ليس بأكثر من 3 شواقل والمقاول هذا بدوره يبيعه بثمانية شواقل في السوق. يعني من أجل ثمانية شواقل يتم تدمير مطار. هذه ليست كل القصة. ثمة آخرون في نفس المشهد القبلي يقومون بتفكيك الأعمدة الأسمنتية وتحطيمها لكي يعاد فصل الحديد الصلب من داخلها وتعديله وبيعه لمقاول آخر في المطار. وبالتأكيد هناك مقاول كبير لابد أن يكون سياسياً أو رجل أمن مسلحاً يشرف على كل هذه العمليات. ليس هذا فحسب بل إن هناك معاول آخرى وجرافات وآلات اكثر ضخامة تقوم بتكسير مدرج المطار ليتم اقتطاع طبقة الأسفلت "الزفتة"، المدرج الذي شهد إقلاع أول طائرة فلسطينية تحمل علم فلسطين يتم تكسيره ثم يتم حمل طبقات الأسفلت وحصمة الأسفلت الناعمة.في مشهد آخر ينهمك بعض الرجال والعاملين في رصف وترميم بعض الشوارع في مدينة غزة التي مر عليها زمن لم تشهد فيه أي عملية ترميم أو تكسرت بفعل كثرة الاستخدام ولم تتم اعادة تأهيلها. وبكلمة أخرى يتم تدمير المطار لأن ثمة سياسياً يريد أن يستخدم طبقة الاسفلت ليقول إنه يرصف الشوارع في غزة. وبكلمة مختلفة ومن أجل أن يبدو رجل السياسة بمظهر من يقوم بواجبه تجاه الناس فإنه يحطم أحلامهم وإن كانوا لا يدركون ذلك. لا عيب في اعادة ترميم الشوارع وتأهيلها من اجل تسهيل حياة الناس لكن ذلك لا يجب أن يكون على حساب منجزات اخرى، كما لا تضرنا اعادة استخدام حطام القصف وتوظيفه ولكن ما يسوؤنا هو ان نقوم نحن بهدم المطار بحجة انه غير مستخدم وغير نافع في هذا الوقت من اجل أن نبدو وكأننا نقوم بواجباتنا. هل يعقل أن يتم هدم مطار كلف خزينة الشعب الفلسطيني أكثر من 80 مليون دولار من اجل رصف شارع بآلاف الدولارات. حتى بالحساب الأولي فإن العملية غير مجدية اقتصادياً ناهيك عن مضارها الوطنية واعتدائها على منجزات الوطن والمواطن. هل تتذكرون زغرودة المرأة السبعينية حين أقلعت الطائرة لأول مرة من مطار غزة على شاشات التلفزة العالمية!!! إن مجرد رصف هذا الشارع أو بيع الحصمة ليتمكن الناس من بناء غرفة هنا وسقف بيت هناك لا يعتبر التفافاً على الحصار بل تحقيق لأهدافه. كما أن توزيع الكوبونة لا يعفي الاحتلال من مسؤوليته وبناء بيوت الطين لا تجعل من حياة الناس أسهل وكأننا أبطال نهزم إرادة العدو، بل إن الاصل أن يرفع الحصار وتتم مواجهته لا أن يتم التكيف معه. مات ياسر عرفات وهو يحلم بالطائرات التي تهبط في فلسطين لأن السيادة تتطلب ذلك. رغم أنه رفض تسميته باسمه بل أصر على أن يكون مطار غزة الدولي. (وهو يستحق أن يعاد له الاعتبار على عادة الدول التي تحترم مؤسسيها). كان عرفات يدرك بأن فكرة السيادة مهمة لتحقيق الذات وبالتالي كان مهتماً بفكرة البساط الأحمر لاستقبال الضيوف ومقاتلاً شرساً من أجل بناء ميناء غزة الدولي رغم إدراكه بأن ثمة شيئاً مكلفاً وربما ليس ذا جدوى في وجود الميناء إذ إن استخدام ميناء العريش مثلاً سيخفف مادياً على الفلسطينيين لكن الفكرة ليست بالمال بل في الفكرة ذاتها. والشيء نفسه ينسحب على المطار. ثمة شيء خلف الحسابات دائماً. كان المطار قادراً على نقل 700 الف مسافر سنوياً وبني على شاكلة مطار الدار البيضاء بطراز إسلامي يقترب من مباني القدس وأسوارها وكانت جدرانه مزينة بالخزف والفسيفساء التي حملت خصيصاً من المغرب. ثمة مشاهد شبيهة في حياتنا لا تقتصر على المطار. بعد انسحاب القوت الإسرائيلية من المستوطنات وإخلاء المستوطنين من داخلها حيث كان على السلطة أن تتسلم هذه المستوطنات والمقار المختلفة. كان النقاش في غزة مثلما في تل أبيب ماذا نفعل في مباني المستوطنات. حتى لو قبل الإسرائيليون تركها فهي لا تصلح لحياة الفلسطينيين خاصة في منطقة مكتظة مثل غزة الناس بحاجة فيها لكل سنتمتر مربع. ليس هذا بيت القصيد. بمجرد خروج إسرائيل بدأ الناس بالهجوم على المستوطنات ونهبها لأن ثمة من أشاع بين الناس بأن هذا الانجاز من حقهم الفردي، فسطوة البندقية تعلو أي صوت. كان منظراً مسيئاً أيضاً. شبيه به أيضاً ما حدث لمقار السلطة خاصة الوزارات والمقرات الأمنية والعسكرية بعد انقلاب "حماس" في حزيران 2007. هل تتذكرون المشهد، هل تتذكرون الشاب الذي داس صورة ياسر عرفات أمام الكاميرات والشبان الذين يحملون الخزانات وأطقم الكنب وحتى المراحيض على ظهورهم. ثمة أشياء لابد أن تتغير في حياتنا ولا يكفي أن نرمي اللوم على الاحتلال وعلى الحصار وعلى حاجة الناس وعلى الثقافة المحلية بل ثمة حاجة لأن نمتلك الجرأة لأن نقول إننا جزء من الأزمة وأن النخبة السياسية تتحمل مسؤولية كبيرة في كل ما يحدث.