بعيدا عن البازار الذي فتحته عدد من قوى المقاومة في تبني عملية خانيونس التي وقعت مساء الجمعة 26-3-2010م، والتي قتل فيها جنديين صهيونيين أحدهم برتبة رائد ويشغل منصب نائب قائد كتيبة في جيش العدو في لواء غولاني قوات النخبة. وبغض النظر عن العواقب التي وصفها السفاح الصهيوني باراك بالوخيمة لهذه العملية فيما لو تأكد مسؤولية حماس عنها، فان لهذه العملية عدد من القراءات العسكرية والسياسية سنحاول تفصيلها فيما يلي: القراءة العسكرية: أولا :بالنسبة لقوى المقاومة: كانت قوى المقاومة وعلى رأسها حماس التي تقف اليوم كرأس حربة لهذه المقاومة بما لها من ذراع عسكري أثبت أنه رقم صعب في الميدان في مواجهة جيش أقوى كيان في المنطقة، الأمر الذي أثبتته حرب الفرقان، ولما لها من ذراع سياسي متمثل في غزة بالحكومة التي تقول صراحة أنها حكومة مقاومة، والتي خرج الناطق باسمها ليبارك عملية خانيونس.، كانت بحاجة لأمثال هذه العمليات لتبعث من خلالها بالعديد من الرسائل: 1- رسالة للعدو أن المقاومة في غزة لم تفقد بوصلتها بعد حرب الفرقان، وأن الهدوء الميداني الذي يسود جبهة غزة ليس نابعا من ضعف المقاومة بقدر ما هو نابع من غرق قوى المقاومة في الاستعدادات والتحضير للجولة القادمة من المواجهة بمزيد من التدريب وجلب المزيد من العتاد وتمتين صفوف المقاومة وتغذيتها بتكتيكات ميدانية جديدة قادرة على تغيير المعادلة في الجولة القادمة. 2- رسالة أخرى للعدو المنطلق بقوة في عدوانه على شعبنا في القدس والضفة المحتلة وفي تهويده للمقدسات وفي بناء مغتصباته على أرضنا، أن لنا كمقاومة خياراتنا المختلفة في ردعكم عن جرائمكم، وأن جدرانكم وقواتكم لن تثنينا عن اختيار الوقت والزمان المناسبين لردعكم وعقابكم عن هذه الجرائم المستمرة. 3- رسالة لكل الأحرار الداعمين للمقاومة من شعبنا ومن أمتنا في الداخل والخارج تقول لهم فلترفعوا رؤوسكم ومعنوياتكم ورؤوسكم عاليا فنحن بعد حرب الفرقان لم ننكسر بل ازددنا قوة، ولن تلين لنا قناة وسنكون عند حسن ظن شعبنا وامتنا فينا ولا نطلب من امتنا سوى الدعاء ومزيد من الدعم المادي والمعنوي والسياسي. 4- رسالة لمن يسمون أنفسهم زورا بالسلفية الجهادية وجلجلت الذي طالت ألسنتهم وأيديهم المجرمة على الحكومة وعلى قوى المقاومة بغزة، وباتوا عصا غليظة في يد قوى مجهولة ليضربوا هنا وهناك في غزة بحجة وقف المقاومة، وتوقف حماس عن المقاومة، رسالة تقول أن المقاومة في غزة حاضرة وبقوة، وأن على مراهقي المقاومة ممن ينتسبون زورا للسلفية الجهادية أن يتريثوا قليلا حتى تعيد المقاومة تنظيم صفوفها وتحصين ثكناتها لتروا منها ما يشفي الصدور ويغيظ الأعداء. 5- رسالة لصف المقاومة الداخلي، أن إستراتيجية المقاومة ما زالت هي الأولوية، وأن توقفنا عن القيام بعمليات ضد العدو المحتل ضرورة تفرضها تحديات ميدانية وعملاتية في ظل الأوضاع التي خلفتها حرب الفرقان، وأن المقاومة ليست في وراد استراحة محارب، بل هي في عمل لا يتوقف عن الاستعداد للجولة القادمة من المواجهة، وان عملية خانيونس ما هي إلا عينة ومثال لما سيكون عليه حال العدو في المعركة القادمة، وما على جنود المقاومة سوى التحلي بمزيد من الصبر والطاعة وعدم الالتفات إلى الناعقين هنا وهناك ممن يرتدون زورا عباءة السلفية الجهادية ومن جنود المواقع الصفراء الذين يسمون أنفسهم جلجلت، فها هي رصاصات وعبوات المقاومة تجلجل في سماء غزة لتمزق العدو وجنوده. ثانيا:بالنسبة للعدو: كان العدو أيضا بحاجة لمثل هذه المواجهة وإن كان حاول القول للجميع أنها لم تكن عملية مخططا لها، وأنها مجرد ملاحقة ميدانية لمقاومين حاولوا زرع عبوات ناسفة، وحاجته للعملية نابعة من: 1- حاجته لمعرفة ما أصبحت عليه قدرات قوى المقاومة بعد حرب الفرقان، وحاجته لتجريب قدرات قوى المقاومة في الميدان خصوصا بعد كل ما يقال عن دخول أسلحة مخلة بالتوازن إلى ساحة غزة. 2- حاجته ليثبت للعالم وخصوصا قوى المقاومة والممانعة في الخارج – إيران وسوريا وحزب الله – أنه ما زال مسيطرا وقادرا على ضرب المقاومة في غزة كلما حاولت رفع رأسها. 3- رسالة إلى إيران وسوريا وحزب الله لجهة القول لهم – خصوصا بعد لقاء قوى الممانعة والمقاومة في دمشق- لا تعولوا على المقاومة في غزة، فهي انكسرت بعد حرب الفرقان، وستقوم دولة الكيان بسحقها بالضربة القاضية إذا تطلب الأمر ذلك. القراءة السياسية: كانت المقاومة وعلى رأسها حماس وحكومة المقاومة بغزة بحاجة ماسة لمثل هذه العملية لتبعث بالعديد من الرسائل: 1- لتقطع الألسنة وتخرس الأصوات التي تمادت كثيرا في المزايدة على حماس وعلى حكومتها في غزة، والتي تحاول عبثا مساواة القمع الذي تمارسه سلطة فتح في مقاطعة رام الله وقوات ديتون في الضفة المحتلة بحق المقاومة بما تقوم به حماس وحكومتها في غزة من ضبط للفعل المقاوم كي لا يستدعي عدوانا صهيونيا مبكرا قد يربك استعدادات المقاومة وتجهيزاتها للجولة القادمة، لجهة وضع الجانبين في سلة واحدة، ولتقول للجميع أن مجرد تسابق قوى المقاومة لتبني هذه العملية يثبت للجميع أن ايدي قوى المقاومة بغزة وغير مكبلة وغير مجرمة ولا محرمة بل حرة في ردع العدوان وليس لاستدعاءه. 2- لتقول للجميع أنها حركة مقاومة وستبقى كذلك، وأن حكومتها حكومة مقاومة وستبقى كذلك، وأنها لن تنزلق إلى مستنقع الحكم من زاويته الانتفاعية الاسترزاقية، وأن تبوؤها للسلطة وللحكم كان لأن خطها ونهجها وإستراتيجيتها قائمة على المقاومة، وأنها لن تغادر هذا المربع مهما كانت المغريات. 3- لتبعث برسالة إلى القمة العربية المنعقدة اليوم في ليبيا عمر المختار، أن فلسطين وغزة قطعة منها ما زالت تخضع للاحتلال وتتعرض للعدوان، وأن ميدان المواجهة ما زال مشرعا مع العدو، وان مخاطر تكرار حرب الفرقان ما زال محتملا، وان المقاومة ما مازالت خيارا استراتيجيا لدى المقاومة في غزة للرد على جرائم المحتل بحق مقدساتنا وشعبنا تحت الاحتلال. وأن خيار السلام والمبادرة العربية التي تبناها العرب لم ترد العدوان عن شعبنا ولم ترفع سوط المحتل، وأن على العرب سحب المبادرة العربية، وأن العرب إن لم يتبنوا إستراتيجية المقاومة، وإن لم يجردوا جيوشهم لمواجهة دولة الكيان ولتحرير أولى القبلتين، فليس أقل من توفير مقومات الصمود والدعم لشعبنا ومقاومته التي تنوب عن الأمة في مواجهة العدو ولجم مخططاته التوسعية. وأن على الأمة والقمة العربية رفع الحصار الاقتصادي والسياسي المفروض على شعبنا في غزة وفي القدس والضفة المحتلة، كي لا يتهموا بالمشاركة في ضياع ما تبقى من فلسطين ومسرى رسولها صلى الله عليه وسلم. 4- إن مسارعة عدد من القوى والفصائل لتبني عملية خانيونس لا يصب في صالح قوى المقاومة أمام شعبنا , وأمام امتنا كجبهة مقاومة واحدة، وتسمح لبعض الرويبضات كفضائية العار – فضائية مقاطعة فتح في رام لله - للمزايدات وليقول حتى قوى المقاومة منقسمة على نفسها وكل يحاول نسب الفضل له. الأمر الذي يفرض على حماس كرأس حربة للمقاومة تطبيق برنامجها وما وعدت به إبان الانتخابات التشريعية 2006م من العمل على توحيد قوى المقاومة في جبهة واحدة، ومن إقامة جيش واحد لمجاهدينا لجهة توحيد الجهود وضم قدراتنا العسكرية كمقاومة لنشكل حائط صد واحد أمام آلة العدو المجرمة قادرة على لجم العدو وعدوانه ولنبرز أمام شعبنا وأمتنا موحدين قادرين على إقناع الآخرين بمقاومتنا وبإستراتيجيتنا وبعدالة أهدافنا.