خبر : نتنياهو.. ورهان تغيير أوباما ..إدريس جنداري

السبت 27 مارس 2010 09:30 ص / بتوقيت القدس +2GMT
نتنياهو.. ورهان تغيير أوباما ..إدريس جنداري



  حمل أوباما منذ ترشحه باسم الحزب الديمقراطي شعار التغيير؛ وقد حاز على ثقة الأمريكيين بناء على هذا الشعار؛ كما حصل على ثقة العالم؛ شرقا وغربا بناء على نفس الشعار. خصوصا وأن الرئيس الأمريكي الجديد تقلد كرسي البيت الأبيض؛ خلال مرحلة حرجة؛ قاد خلالها سلفه جورج بوش الولايات المتحدة؛ في حروب مدمرة ضد العالم الإسلامي؛ سواء في العراق أو في أفغانستان. من هذا المنظور؛ حمل باراك اوباما شعار التغيير؛ في علاقة أمريكا بالعالم الإسلامي؛ وكان خطاب القاهرة يبشر بمرحلة جديدة؛ تقوم على معايير مغايرة لتلك التي تحكمت في الإدارة الجمهورية؛ وذلك بهدف إعادة التوازن المفقود بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي. لكن السؤال الذي يطرح على كل متتبع للسياسة الخارجية الأمريكية؛ بعد مرور السنة الأولى؛ من العمر الرئاسي لباراك أوباما؛ هو ما مدى تحقق هذا الشعار على أرض الواقع؟ وهل استطاع أوباما تجسيد شعار التغيير في علاقة الولايات المتحدة بالعالم الإسلامي؟ إن الجواب الواضح - طبعا - هو أن أوباما لحد الساعة؛ ما يزال مستمرا في تنفيذ الأجندة الجمهورية/البوشية؛ سواء في أفغانستان؛ أو في العراق؛ أو في فلسطين. ففي أفغانستان؛ يتبع أوباما سياسة القبضة الحديدة؛ في مواجهة حركة طالبان؛ ويذهب ضحية هذه القبضة الحديدية آلاف المدنيين؛ قتلا وتشريدا؛ أما طالبان فإنها تستفيد من هذا الوضع العسكري؛ وتعمل على تجييش الشعب الأفغاني ضد الاحتلال الأمريكي.أما في العراق؛ فالذي يبدو واضحا هو السير على خط تكريس الانقسام الطائفي بين العراقيين؛ لإضعاف الصوت العراقي الموحد؛ في مخاطبة الولايات المتحدة؛ كما أن الانسحاب الأمريكي من العراق؛ والذي كان جزءا أساسيا من شعار التغيير الأوبامي؛ فلا تبدو في الأفق القريب بوادر هذا الانسحاب. لكن ما نريد التوقف عنده بشكل خاص؛ هو الملف الفلسطيني؛ الذي عرف انهيارا متتاليا؛ في عهد رئيس التغيير؛ أكثر مما عرفه في العهود السابقة؛ فقد تحكمت الحكومة اليمينية المتطرفة في زمام المبادرة؛ وضاعفت نسبة الاستيطان؛ بشكل لافت؛ في تحد لجميع القرارات الدولية؛ وفي تحد واضح لرؤية أوباما؛ لحل الصراع العربي الإسرائيلي. وفي كل مرة؛ كان اليميني المتطرف بنيامين نتنياهو؛ يتحدى الإدارة الأمريكية؛ ويعلن عن قرارات مستفزة؛ لا تلتزم أبسط شروط الدبلوماسية. لكن رد الرئيس الأمريكي في كل مرة؛ كان بعيدا كل البعد عن الرؤية الجديدة؛ التي خطها لحل الصراع؛ وكان يكرس الخيبة في إيجاد حل قريب. فقد بدا واضحا أن نتنياهو أصبح يصول ويجول بلا رقيب؛ ولا يهمه سوى إرضاء اليمين الصهيوني المتطرف. لقد أبدى أوباما في غير ما مرة؛ ضعفا كبيرا في مواجهة تطرف نتنياهو؛ وكان في كل مرة يتنازل بلا حدود؛ فقد فرض في البداية على نتنياهو وقف الاستيطان؛ كشرط أساسي لتدشين المفاوضات؛ لكنه رضخ لقرارات نتنياهو؛ وقبل باستمرارية استيطان محدود - بالتعبير الإسرائيلي- لكن ما لم يكن ينتظره باراك أوباما وإدارته؛ هو أن يستقبل نتنياهو؛ نائب الرئيس جوزيف بايدن؛ بالإعلان عن وحدات استيطانية جديدة؛ في القدس المحتلة؛ ضمن الخطة اليمينية المتطرف؛ التي تسعى إلى تحقيق اكتساح استيطاني لمدينة القدس؛ لوأد جميع المبادرات؛ التي يمكنها أن تقسم القدس بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وهذا آخر ما كان ينتظره باراك أوباما وإدارته. لقد ثارت ثائرة أوباما وإدارته بعد هذا القرار؛ وتحدث المتتبعون عن توتر في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل؛ لكن الأمر لم يتجاوز زوبعة في فنجان؛ وبدا لكل المتتبعين؛ أنهم كانوا يتابعون مشهدا مسرحيا؛ غاية في الخيال. فقد عاد أوباما وعادت معه وزيرة خارجيته ونائبه؛ وأكدوا لنتنياهو؛ أنهم فقط كانوا يمازحونه؛ فلا داعي للقلق؛ لان الدعم الأمريكي اللامحدود للكيان الصهيوني؛ لن يتراجع؛ وإسرائيل رغم التطرف والإجرام والعجرفة؛ ستظل الحليف الاستراتيجي؛ تشترك مع الولايات المتحدة؛ في قيم القتل والعدوان اللامحدود.إننا ننتظر من السيد باراك أوباما؛ أن يخرج على الملأ؛ ويعلن بالفصيح المباشر؛ أن إدارته تقدم وستقدم دعما لا محدودا للكيان الصهيوني؛ ولن تعارض أي قرار يقدم عليه نتنياهو؛ ما دام سيعوض بتنازلات عربية لا محدودة. وبهذا الصنيع سيريحنا السيد الرئيس وسيريح نفسه من هذا الحمل الثقيل؛ أما وأن يحول أوباما قضية العرب والمسلمين الأولى؛ إلى بضاعة معروضة في سوق النخاسة؛ فهذا ما يتناقض مع جميع الشعارات التي حملها؛ منذ توليه كرسي الرئاسة في البيت الأبيض. إن الواضح إلى حدود الآن؛ هو أن بطل التغيير؛ الذي نجح في مهمة التغيير؛ ليس أوباما؛ ولكنه نتنياهو؛ الذي نجح في تغيير باراك أوباما؛ من خلال تغيير شعار التغيير نفسه؛ فقد أتقن نتنياهو اللعب على الأوتار الحساسة للقرار السياسي الأمريكي؛ داخليا وخارجيا؛ واستطاع أكثر من مرة أن يتحكم في خيوط هذا القرار؛ أكثر من أوباما نفسه. وذلك في شراكة مباشرة مع اللوبي الصهيوني؛ المتحكم في صناعة القرار الأمريكي؛ هذا اللوبي؛ الذي كان يقدم خدماته في كل مرة لنتنياهو؛ وعلى طابق من ذهب؛ ولذلك فقد كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يقدم على خطواته المستفزة؛ وهو متأكد من النجاح؛ لأن أوباما انفرطت من بين يديه خيوط اللعبة؛ ولا يمكنه أن يقدم على أي قرار يمس المصالح الصهيونية؛ لأنه ببساطة يخاف على اختلال التوازنات القائمة داخيا؛ والتي هو في أمس الحاجة إليها لتمرير قرارات سياسيبة داخلية (ملف التغطية الصحية مثلا). إن الواضح الآن وبجلاء؛ هو أن أوباما؛ يتنازل تدريجيا عن الكثير من الشعارات التي رفعها؛ وهذا ما يهدد مشروعه الانتخابي في العمق؛ وخصوصا على مستوى السياسة الخارجية؛ حيث لم يستطع لحدود الآن تحريك أي ملف من الملفات الشائكة التي تركها جورج بوش؛ ولعل هذا هو ما يجعل أوباما نسخة باهتة من سلفه جورج بوش؛ وذلك رغم الشعارات المرفوعة. وما يجب على باراك أوباما الوعي به قبل فوات الأوان؛ هو أن قضايا الشرق الأوسط؛ تعتبر مفتاح النجاح أو الفشل للسياسة الخارجية الأمريكي؛ وضمن هذه القضايا؛ تحضر القضية الفلسطينية كمحور أساسي؛ يمكنه أن يتحكم في التوازنات القائمة في المنطقة.ومن دون هذا الوعي؛ ستعيش السياسة الخارجية الأمريكية؛ طيلة السنوات القادمة على إيقاع الفشل؛ حيث سيتضاعف التطرف؛ وستتطور قوى الممانعة والمقاومة؛ كرد فعل على الهمجية الصهيونية؛ التي لا تحترم أبسط القرارات الأممية؛ وكرد فعل - كذلك - على الدعم الأعمى الذي تقدمه الولايات المتحدة لكيان إجرامي خطير؛ يهدد البشر والحجر.’ كاتب وباحث مغربي