نخبة من المثقفين في غزة المخنوقة بالحصار، التقت بدعوة من ملتقى الفيلم الفلسطيني، وفاءً لشاعر فلسطين الأكبر محمود درويش. مدلول وتأثير هذه الساعة القصيرة زمنياً كان كبيراً ومفعماً بالصدق. الإعلامية إيناس الطويل أدارت اللقاء بكفاءة -كعادتها- مستندة في ذلك إلى لغة سليمة وطلاقة وانسيابية في الإلقاء، وقدمت نبذة عن حياة الشاعر درويش.المخرج السينمائي سعود مهنا رئيس ملتقى الفيلم الفلسطيني، عبر عن فخر الملتقى بأن يكون محمود درويش بطل اللقاء الأول من سلسلة لقاءات دورية سينظمها المتقى كل أسبوعين، بهدف المساهمة في تفعيل الحياة الثقافية في غزة. وأعلن عن عرض فيلم وثائقي في هذه المناسبة باسم "كزهر اللوز" عن الشاعر درويش من إخراجه وإنتاج الملتقى.الكاتب المعروف يحيى رباح تحدث عن درويش العملاق شعرياً ووطنياً وإنسانياً، مستذكراً بعض المحطات في حياته وخاصة اختياره الطوعي للإقامة في بيروت حيث جمهورية الثورة الفلسطينية آنذاك (جمهورية الفاكهاني). وأشار إلى أن درويش وبقية شعراء المقاومة وأدباء الداخل من أمثال سميح القاسم وتوفيق زياد كان لهم الفضل في الحفاظ على اللغة العربية لدى فلسطينيي 48. وحمل رباح على الشاعر أدونيس الذي تفوه بانتقادات لمحمود درويش بعد مماته.النائب المستقل في المجلس التشريعي حسام الطويل تكلم عن الدور الوطني الذي لعبه الشاعر درويش من خلال سموه بالقضية الفلسطينية إلى المستويات الإنسانية والوجدانية. وفي ضوء الاحتفال بشاعر فلسطين الوحدوي انتقد الطويل استمرار الانقسام بين الضفة وغزة، وقال لو كان محمود درويش بيننا الآن لرفض هذه الحالة المريرة ودعا إلى الوحدة الوطنية.أما الشاعر والناقد الدكتور عاطف أبو حمادة الذي ربطته علاقة شخصية بالشاعر درويش وكتب عنه بحوثاً أكاديمية، فقد تناول بعض اللقطات السريعة التي عايشها بنفسه، وتبين المكانة المرموقة التي حظي بها درويش مبكراً. أبو حمادة ذكر أن بحثاً له قيد التحكيم الآن تضمن اكتشافاً يثبت بأن درويش قدم للعربية لوناً شعرياً جديداً هو الموشح التفعيلي. وأعلن أنه ومجموعة من المثقفين والأكاديميين بصدد تأسيس "مركز محمود درويش الثقافي". وختم بإلقاء قصيدة كتبها في رثاء درويش بعنوان "زهرة القصيد".الشاعرة البدوية الشابة إلهام أبو ظاهر تحدثت عن علاقتها الروحية بالشاعر درويش من خلال تعلقها منذ نعومة أظفارها بأشعاره قراءة وحفظاً وتفاعلاً، وألقت قصيدة في رثائه كانت كتبتها عقب وفاته.الغناء بالعود لم يكن غائباً عن هذه المناسبة، وأكثر من ذلك فإن لحظات جميلة عاشها الحاضرون مع أغنية مارسيل خليفة الشهيرة "منتصب القامة" وهي من كلمات محمود درويش، وأداها الفنان الشاب وائل زايد والفنانة الشابة مي صالح.فيلم "كزهر اللوز" كان آخر الفقرات. مدته عشر دقائق حملت الكثير للمشاهدين. بطلته نغم أيوب، التي تحكي وأسرتها (والدها وأختها وشقيقها) كيف نشأوا على حب وحفظ أشعار محمود درويش وتأثروا به كثيراً. تضمن الفيلم مشاهد لبحر غزة والبادية وشجر الزيتون واللوز، وأشعاراً بصوت محمود درويش، وأخرى للشاعرة إلهام أبو ظاهر.تميزت هذه الفعالية بفقراتها المتنوعة المكثفة والهادئة. بالإمكان القول أن ملتقى الفيلم الفلسطيني، من خلال هذه النشاطات، وفي ظل الأوضاع شديدة الوطأة في غزة بفعل الحصار والتهديد الإسرائيلي المستمر والانقسام، يبث الروح المعنوية لدى الفنانين والمثقفين، ويحاول أن يتغلب على الظروف القاهرة التي تنهش في إرادة وروح الإنسان الفلسطيني.***كاتب صحفي/ غزة