خبر : رسالة عاجلة للرئيس ... حيدر عوض الله

الخميس 18 مارس 2010 03:23 م / بتوقيت القدس +2GMT
رسالة عاجلة للرئيس ... حيدر عوض الله



هناك شبح يجول في المنطقة، هو شبح الدولة الفلسطينية المستقلة، وقد اتحدت القوى، بدوافع متباينة، لاصطياد هذا الشبح، من إسرائيل مرورًا بقوى دمشق "الجزيرة" و"المنار" وإيران وإمارة غزة. هذا هو التوصيف الأكثر كياسة للحملة الإعلامية غير المسبوقة التي تدار بإيقاع متناغم وبلكنات مختلفة ولكن بهدف واحد: رأس السلطة الفلسطينية و(م.ت.ف) باعتبارهما آخر الكيانات المركزية الموحدة للشعب الفلسطيني.حفلة الصيد هذه، التي بدأتها إسرائيل، في محاولة مكشوفة ومفضوحة لاستدراج الفلسطينيين إلى صدام دموي يبدد الضغط الدولي المتواصل والمتعاظم ضد سلوكها اليومي على الأرض الفلسطينية، ولإطلاق يدها في إعادة إنتاج تجربة شارون في تقويض السلطة الفلسطينية والهياكل القيادية الفلسطينية التي ما زالت، على وَهَنها، قادرة على تمثيل الفلسطينيين وتحتل مكانة ذات مصداقية أمام المجتمع الدولي، يمكن لها أن تشكل خطرًا على الدعاية الإسرائيلية التي ترى في الفلسطينيين كتلة بشرية لا ناظم لها ولا ممثل لآمالها.خطر قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بات يقلق مضجع الإسرائيليين، بعد تنامي الهمسات الدولية التي تؤكد استعدادية الاعتراف بها، وحتى قبل التوصل إلى تسوية متفق عليها مع الإسرائيليين.الإسرائيليون يدركون، وهم محقون، أن استمرار الفلسطينيين في إدارة نضالاتهم بالطريقة السلمية، التي يلعبون من خلالها دور الضحية بامتياز، يشكل الخطر الداهم والمباشر على أحلامهم بتحويل أراضي الدولة الفلسطينية إلى أراضٍ للدولة ثنائية القومية. وبهذا المعنى، يجهد الإسرائيليون في إثارة كل ما يمكنه أن يسهل مهمة القضاء على مراكماتنا  المتواصلة تجاه دولة فلسطينية مستقلة، بحدود الشرعية الدولية. بهذا المعنى يمكن أن نفهم كيف تسعى إلى تحويل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى صراع ديني. كل خطوة لحكومة نتنياهو- ليبرمان محسوبة بهذا الاتجاه، وهو توليد درجة عالية من التوتر الديني، يؤدي إلى انفلات الوضع وتسييد الأبواق الملتحية بالدين لاستنهاض غرائز مهلكة ومؤذية، في صراع يحتاج إلى الحسابات السياسية الدقيقة.الإعلان الإسرائيلي عن اعتبار بلعين ونعلين مناطق عسكرية مغلقة، يشكل كلمة السر الرئيسية في نوايا الإسرائيليين: لن نسمح لكم بمقاومة سلمية تؤدي دورًا بارزًا في فضح همجية الاحتلال وبشاعته، نريد أن نستدرجكم إلى قاعدة سلاح مقابل سلاح، تعفي الإسرائيليين من أية تبعات أو مساءلات على صعيد الضمير العالمي.الوضع الراهن يشكل مناخًا مناسبًا لانفجارات بشتى الاتجاهات، والصراع الجاري الآن حول وجهة هذا الصراع، بمعنى: هل يؤدي الوضع الراهن إلى ازدياد الضغوط على إسرائيل بما يزيد من عزلتها الدولية ويقرب الفلسطينيين من تحقيق أحلامهم الوطنية، أم هل سيؤدي إلى انفجار ضخم تُقوّض فيه كل التراكمات التي أحدثها الفلسطينيون على جلودهم لنيل الاستقلال. الحكمة تكمن هنا، في توظيف عناصر التوتير الإسرائيلية لترتد على أعناقهم، أي أن على الفلسطينيين أن يكظموا غيظهم ويحولوه إلى نحر الاحتلال من خلال لعبهم دور الضحية لهذا الاحتلال وليس لعب دور الند: سلاح مقابل سلاح.إن الهجمة الإعلامية المنسقة والمتناغمة والفاعلة في ذات الوقت، بين قوى ما يدعى الإسلام السياسي والمناصرات الإقليمية المصفقة لها، تفضي إلى تحقيق الرغبة الإسرائيلية بإدراك أو دون إدراك، وهي جر الفلسطينيين مجدداًً إلى أن يكونوا وقودًا لتوازنات ومصالح إقليمية لا ناقة لهم  فيها ولا بعير. وعلى الفلسطينيين أن يدركوا أن جرهم إلى الفخ الإسرائيلي يهدف في نتيجته إلى إسدال الستار على أهدافهم القومية، رغم ما يوفره ذلك من انفراج لأحلام قوى إقليمية ومحلية تناور بالدم الفلسطيني لتعديل موقفها وشروط تفاوضها مع من تدعيه عدوًّا: أميركا وإسرائيل. إن من واجب الحركة الوطنية الفلسطينية، وفي مقدمتها السلطة الوطنية و(م.ت.ف) إعادة النظر في طرق استثمارها للكفاح الوطني الفلسطيني والمتواصل لأكثر من نصف قرن ونيف، وتفويت الفرصة على الأجندات المتنوعة المداخل والموحدة الأهداف من خلال إعادة النظر الجدية في استراتيجيتها الكفاحية ضد الاحتلال وإطلاق العنان للمقاومة الشعبية والسلمية المعادية للاحتلال، والنظر لهذه الحركة باعتبارها رافداً أساسيا من روافد التحرير الوطني لا تحدياً للسلطة وقدرتها على إدارة الكتلة السكانية الخاضعة لها. هذا على المستوى الداخلي.أما على المستوى الخارجي، فعلى السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير والرئيس حصراً أن يعلن بلا لبس وبعد أكثر من ستة عشر عاماً أن المفاوضات فشلت، وأن الإسرائيليين والفلسطينيين غير قادرين على تحقيق التسوية السياسية على أساس قرارات الشرعية الدولية، بسبب السلوك والممارسات الإسرائيلية، وإحالة الموضوع برمته إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، وكل تأخير في هذا القرار، يعني، ومن دون شك، تآكل الموقف الفلسطيني وتعريض هدف الدولة الفلسطينية المستقلة للخطر. haider_awwad@yahoo.com                        رام الله 17/3/2010