إسرائيل في الصومال.. الشجب وحده لا يكفي! عماد الدين حسين

الثلاثاء 30 ديسمبر 2025 11:04 ص / بتوقيت القدس +2GMT



جيد جداً أن تتوالى الإدانات العربية والإسلامية لاعتراف إسرائيل بإقليم أرض الصومال المنشق كجمهورية مستقلة ذات سيادة. لكن هل ستتوقف هذه الدول عند الإدانات، أم يمكنها أن تتخذ إجراءات وقرارات عملية تجهض هذا المخطط الذي يمثل خطراً داهماً على الأمن القومي العربي، ويمثل سابقة خطيرة في العلاقات الدولية؟! يوم السبت أصدر وزراء خارجية 21 دولة منهم مصر والصومال والجزائر والسعودية والعراق وباكستان والأردن وتركيا وإيران والكويت وغامبيا وجيبوتى ونيجيريا وقطر ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي بياناً قوياً يرفضون فيه اعتراف إسرائيل بإقليم أرض الصومال ويقدمون الدعم الكامل للصومال ويعتبرون الاعتراف سابقة خطيرة وتهديداً للسلم والأمن الدوليين، ورفض الربط بين هذا الإجراء وأي مخططات لتهجير أبناء الشعب الفلسطيني خارج أرضهم. وعقدت الجامعة العربية اجتماعاً مهماً على مستوى المندوبين أدانت فيه الإجراء الإسرائيلي بأشد العبارات.

مرة أخرى هذا بيان دبلوماسي وسياسي جيد جداً؛ لأنه يمثل غالبية الدول العربية والإسلامية والسؤال الجوهري: هل نكتفي بالبيانات والإدانات والشجب والاستنكار؟ اللافت في هذا البيان الأول أن عدد الدول الموقعة عليه 21 فقط وبالتالي فالسؤال الذي يخطر على بال كثيرين أين بقية الدول خصوصاً الأعضاء في جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي؟! قد يكون هذا السؤال شكلياً، رغم أن مضمونه في غاية الخطورة، لكن علينا أن ننتقل مما هو شكلي إلى ما هو جوهري. الدول العربية والإسلامية جربت لعقود طويلة سياسة الشجب والاستنكار والإدانات والرفض خصوصاً في مواجهة السياسات الإسرائيلية التي تتخذ دائماً خطوات على الأرض وتغير الوقائع، وتترك للدول العربية والإسلامية «الرفض والاستنكار والإدانة بأشد العبارات الممكنة»! نتذكر أن العرب والمسلمين فعلوا ذلك بالضبط في مواجهة العدوان الإسرائيلي ضد قطاع غزة من ٧ أكتوبر العام ٢٠٢٣ وحتى أواخر أيلول من العام الحالي.

فما الذي حدث؟! توحشت إسرائيل وأكملت تدمير قطاع غزة وجنوب لبنان واحتلت أجزاء واسعة من سورية وهاجمت إيران واليمن، بل تجرأت للمرة الأولى رسمياً على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو بالحديث عن «حلم إسرائيل الكبرى». لم تتوقف هذه البلطجة نسبياً إلا حينما اجتمعت بعض الدول العربية والإسلامية الكبرى مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أواخر شهر أيلول الماضي في نيويورك ونقلت له رسالة محددة بأنه لا يمكن ضمان وجود علاقات عربية إسلامية قوية مع الولايات المتحدة في ظل دعمها المفتوح والمفضوح لإسرائيل، خصوصاً بعد قصف إسرائيل للدوحة وتهديد السعودية ودول خليجية بتوقيع اتفاقيات دفاعية مع دول أخرى ومنها باكستان، ما جعل الولايات المتحدة تفرمل إسرائيل نسبياً وتجبرها على توقيع اتفاق شرم الشيخ لوقف إطلاق النار.

العدوان الإسرائيلي لم يتوقف ولكنه تفرمل إلى حد كبير. وبالتالي فالدرس هو أن إسرائيل ومعها إثيوبيا وكل الدول الداعمة لن تتوقف طالما أن رد الفعل العربي والإسلامي سوف يكتفي بالشجب والاستنكار. الولايات المتحدة وإسرائيل والعقلية الغربية لا تفهم لغة البيانات والإدانات اللفظية، لأنها عقلية مصلحية نفعية تؤمن فقط بالمصالح ولغة القوة، وبالتالي، إذا استمر العرب والمسلمون في سياسة الشجب والاستنكار فالمؤكد أن وجود إسرائيل ومعها إثيوبيا سوف يترسخ في الصومال وفي سائر أنحاء المنطقة. وإذا كان مفهوماً أن عدداً كبيراً من الدول العربية والإسلامية لا يملك إلا بيانات الشجب والاستنكار بحكم مشاكله وهمومه وأزماته وابتعاده عن الانغماس المباشر في القضايا الجوهرية، فالمطلوب أن تسعى بعض الدول العربية والإسلامية الأساسية خصوصاً مصر والسعودية وتركيا إلى الاجتماع العاجل وأن تدرس بناء سياسة عملية واضحة للتصدي للأطماع الإسرائيلية في البحر الأحمر مثلما نجحت نسبياً في فرملة العدوان على غزة.

منتهى أمل إسرائيل أن يستمر العرب في لغة الشجب والإدانة، في حين تواصل هي تغيير الواقع على الأرض كما تفعل فيما تسمى منطقة الخط الأصفر في غزة وتهويد الضفة، واستمرار الاعتداءات على لبنان وسورية، بل التهديد بضرب إيران. مرة أخرى، مصر هي المرشحة لقيادة هذا التكتل الذي يفترض أن يتصدى للبلطجة الإسرائيلية في عموم المنطقة، والتصدي يكون بالعقل والحكمة ولغة المصالح وليس بالبيانات العنترية الجوفاء.